هل تستأهل استعادة الاتحاد السوفياتي حربا عالمية؟

هل يكفي التوصّل إلى تسوية تحول دون ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي كي تطمئن الإدارة الأميركيّة إلى أن عليها الاكتفاء بالانصراف إلى صفقة ما مع إيران تؤمن لها ما تحتاجه من مال لمتابعة مشروعها التوسّعي؟
الجمعة 2022/02/25
من حق بوتين التطلّع إلى إعادة الحياة إلى الاتحاد السوفياتي

من حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التطلّع إلى إعادة الحياة إلى الاتحاد السوفياتي. من حقه الطموح إلى ذلك وإلى أبعد من ذلك، لو كان في الاتحاد السوفياتي ما يستحقّ الحياة، ولو كان لديه نموذج روسي صالح للتصدير يمكن أن تستفيد منه الدول الأخرى في العالم، خصوصا تلك التي في محيط بلده أو بعيد منها. الأهمّ من ذلك كلّه، هل تستأهل استعادة الاتحاد السوفياتي حربا جديدة في أوروبا يمكن أن تتحوّل حربا عالمية؟

ليس الاعتراف الروسي بجمهوريتين مستقلتين في أوكرانيا هما لوغانسك ودونيتسك ومباشرة غزو أوكرانيا سوى تأكيد لمدى جدّية بوتين في مجال السير في مشروعه الفاشل سلفا. من لديه أدنى شكّ في ذلك يستطيع أن يسأل نفسه، هل الدول التي كانت تحت الهيمنة السوفياتيّة في وضع أفضل الآن أم لا؟

معظم الدول التي كانت تحت الهيمنة السوفياتية، خصوصا الدول الأوروبيّة، في وضع أفضل الآن. ألمانيا الشرقيّة لم تعد موجودة. ألمانيا توحّدت وهي تعيش في ظلّ واقع جديد أبعد ما يكون عن ذلك الذي يريده بوتين.

يبقى الشرق الأوسط الدليل الأهمّ على عجز روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، عن تقديم أي شيء إيجابي للمنطقة

ليس ما يدعو إلى إيراد أمثلة أخرى عن دول تحرّرت فعلا من النظام الذي فرضه الاتحاد السوفياتي معتمدا نظريّة “السياسة المحدودة” التي تذرّع بها ليونيد بريجنيف لتبرير قمع الدبابات السوفياتية لـ”ربيع براغ” في العام 1968…

 لا شكّ أن فلاديمير بوتين رجل حاذق ويعرف جيّدا استغلال الفرص بعد قراءة في العمق للتطورات الدوليّة. قرأ جيّدا التفكّك الأوروبي. يكفي ما تعاني منه فرنسا في ظلّ إيمانويل ماكرون الذي لم يصدّق أن بلده لم يعد يمتلك أيّ عظمة من أيّ نوع. يتصرّف إيمانويل ماكرون، الذي يرجّح أن يعود رئيسا بعد نحو شهرين، كأنّ فرنسا ما زالت في عزّها غير مدرك أنّها فقدت حتّى أيّ تأثير أو نفوذ في بلد مثل لبنان!

يكفي أيضا ما تعاني منه بريطانيا، حيث رئيس للوزراء يدعى بوريس جونسون، لا يمت بأيّ صلة لشخصيات مثل ونستون تشرشل أو مارغريت تاتشر. يكفي أن ألمانيا في مرحلة انتقاليّة في غياب أنجيلا ميركل. لكنّ القراءة الجيّدة لبوتين كانت تلك المتعلّقة بإدارة جو بايدن وشخص جو بايدن نفسه الذي يتبيّن أنّه مستعد لتقديم كلّ التنازلات المطلوبة منه من أجل تفادي أي مواجهة من أيّ نوع مع أيّ طرف كان، بما في ذلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

لن يتمكّن الغرب، بزعامة أميركا، من التصدي لفلاديمير بوتين في أوكرانيا. الرجل مندفع ويؤمن بأنّ في استطاعته استعادة موقع الاتحاد السوفياتي في هذا العالم، غير مدرك أنّ ثمّة معطيات أساسيّة تغيرت وأخرى لم تتغيّر. ما تغيّر هو ضعف أميركا وصعود الصين التي باتت قوّة اقتصادية يستحيل تجاهلها. ما لم يتغيّر أنّ روسيا لم تستطع في يوم من الأيّام تحقيق أي نجاح خارج حدودها. أكثر من ذلك، لم يدرك بوتين أنّ الصواريخ والسلاح النووي شيء، فيما تطوير الاقتصاد الروسي ورفع مستوى عيش المواطنين شيء آخر.

لا حاجة إلى التذكير مرّة أخرى بأنّ حجم الاقتصاد الروسي أقلّ من حجم الاقتصاد الإيطالي، على الرغم من كلّ الثروات الطبيعية التي تتمتع بها روسيا، من نفط وغاز!

يبقى الشرق الأوسط الدليل الأهمّ على عجز روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، عن تقديم أي شيء إيجابي للمنطقة. في الإمكان العودة، من أجل إثبات ذلك، إلى تجربة مصر وإلى حرب 1967. لم يقدم الاتحاد السوفياتي على أيّ خطوة من أجل تجنيب حلفائه العرب فخّ السقوط في تلك الحرب. فعل النظام البعثي السوري وقتذاك كلّ ما يستطيع لتوريط جمال عبدالناصر، الضابط الريفي الذي لم يكن يمتلك أيّ ثقافة سياسيّة أو عسكريّة، في حرب خاسرة سلفا. لو بقي أنور السادات أسير سياسة الاتحاد السوفياتي لما استعاد سيناء يوما ولكان مصيرها كمصير الجولان الذي لم يسع حافظ الأسد أو خليفته بشّار إلى استعادته يوما من إسرائيل.

لم يتغيّر شيء منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتولّي فلاديمير بوتين الرئاسة. كلّ ما فعله الكرملين في السنوات القليلة الماضيّة هو المشاركة في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي في سوريا على شعبه. كيف يمكن لبلد مثل روسيا تجاهل أن النظام السوري مرفوض من شعبه… أم أن لا همّ لديه بما سيحل بسوريا ما دام صارت له قاعدة ثابتة على البحر المتوسّط. تفتتت سوريا. أين مصلحة روسيا في تفتيت مثل هذا البلد؟

ليس الاعتراف الروسي بجمهوريتين مستقلتين في أوكرانيا هما لوغانسك ودونيتسك ومباشرة غزو أوكرانيا سوى تأكيد لمدى جدّية بوتين في مجال السير في مشروعه الفاشل سلفا

نجح الاتحاد السوفياتي في الماضي في وضع يده على اليمن الجنوبي الذي استقلّ في العام 1967. وجد لنفسه موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة. استثمر في نظام لا مستقبل له. كانت النتيجة القضاء على أي أمل في استعادة عدن مجدها في يوم من الأيّام. لم تكن الوحدة اليمنيّة التي قامت في العام 1990 سوى نتيجة سيطرة الاتحاد السوفياتي على اليمن الجنوبي وإقامته نظاما غير قابل للحياة فيه. أمّا ما حلّ باليمن وبالوحدة اليمنيّة بعد ذلك، فهو موضوع حديث آخر مرتبط بأحداث من نوع مختلف تماما لا علاقة لروسيا به.

سيربح فلاديمير بوتين في أوكرانيا. سيربح بالنقاط أو عبر حروب صغيرة في الداخل الأوكراني. يعود ذلك إلى أنّ الأطراف التي تقف في وجهه ضعيفة، خصوصا أنّها لا تستطيع مواجهته عسكريا.

لكن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا، ما الذي سيفعله الرئيس الروسي بانتصاره، أو على الأصحّ، كيف سيستثمر في هذا الانتصار العسكري. هل يكفي التوصّل إلى تسوية تحول دون ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) كي تستعيد أوروبا هدوءها وتطمئن الإدارة الأميركيّة إلى أن عليها الاكتفاء بالانصراف إلى صفقة ما مع إيران تؤمن لها ما تحتاجه من مال لمتابعة مشروعها التوسّعي في المنطقة؟

يمكن للانتصار الأوكراني فتح شهيّة بوتين في اتجاهات أخرى داخل أوروبا وخارجها، ولكن هل لديه ما يصدّره لمحيطيه القريب والبعيد غير القمع والانتصار على شعوب مثل الشعب السوري؟

8