الجيش المصري.. الردع يسبق الانخراط المباشر في الحروب

موازين القوى في الشرق الأوسط تعترف بإرسال إشارات بالقدرة على المواجهة.
الأربعاء 2022/01/26
الجيش المصري اكتسب الخبرة وخاصة في الحرب على الإرهاب

لا تضع مصر في سلم أولوياتها الانخراط في حروب إقليمية مباشرة، بل تسعى لبعث رسائل بأن لديها جيشا قادرا على خوض مغامرات أي حرب إقليمية والخروج فيها منتصرا، وذلك من خلال تطوير قدراته العسكرية عبر تنويع صفقات الأسلحة، وهو ما جعل القوات المسلحة المصرية تُصنّف كأول قوات عربية وأفريقية وشرق أوسطية متقدمة على كل من تركيا وإسرائيل.

القاهرة - حافظ الجيش المصري على موقع متقدم في تصنيفات قوة الجيوش النظامية على مستوى العالم بفعل قدراته العسكرية التي تطورت على نحو ملحوظ وتوالي عقد صفقات سلاح نوعية مع مصادر متعددة وتطوير القواعد العسكرية في الداخل التي تمنح القدرة على الانطلاق نحو الوصول إلى الأهداف الخارجية.

وضع تصنيف “غلوبال فاير باور” لعام 2022 الجيش المصري في المركز الثاني عشر على مستوى العالم في قائمة الدول التي تمتلك أكثر الجيوش قوة، كأول الدول العربية والأفريقية والشرق أوسطية.

نصر سالم: التصنيفات تؤكد أن الجيش المصري قادر على خوض حروب

وتقدم الجيش المصري على نظيره التركي الذي جاء في الترتيب الثالث عشر وعلى الإيراني الذي احتل المركز الرابع عشر، بينما جاء الجيش الإسرائيلي في المركز الثامن عشر واحتل الجيش السعودي المرتبة العشرين.

الحروب الإقليمية

طرحت صورة الجيش المصري كأكبر جيوش المنطقة وخبرته الطويلة في خوض الحروب النظامية وإمكانياته التقنية التي أظهرها في مواجهة التنظيمات الإرهابية تساؤلات عديدة حول مدى استعداده للانخراط في حروب إقليمية.

وتراكم مصر القوة العسكرية منذ أن بدأت تنويع مصادر السلاح، وأضحت عمليات تطوير القدرات ضمن حسابات ترتبط بعلاقات القاهرة بالقوى الإقليمية والدولية، ما يشي بأن الهدف التقليدي للتسليح المتمثل في الانخراط المباشر في الحروب لم يعد على رأس أولويات متخذي قرار استيراد السلاح ويجري التعامل مع هذا الهدف باعتباره ضرورة يمكن اللجوء إليها حال جرى فرضها بفعل تطورات الأوضاع.

واتفق خبراء عسكريون استطلعت “العرب” آراءهم على أن الردع الاستراتيجي بات يسبق الرغبة في دخول حروب نظامية بالشكل المعروف، وموازين القوى في المنطقة لم تعد تعترف بإقدام أي من الدول على شن حرب أو الانخراط فيها بشكل مباشر، لكن الأهم إرسال إشارات بالقدرة على المواجهة اقتضت الضرورة ذلك، ورسم معالم كل قوة حسب ما تمتلكه من قدرات وما توفره من بيئة مستقرة تدعم توجهاتها.

ولدى هؤلاء الخبراء قناعة بأن الحروب لا تنشب بقرار مباشر، وفي الغالب فإن بعض الأطراف تنجرف نحوها بفعل وجود أوضاع غير مستقرة تجعل الدول على حافة الصراع العسكري.

عادل العمدة: تطوير القدرات يسير دون أن يستطيع طرف إملاء توجه على الجيش

ومع أن هناك رؤى استراتيجية مصرية ثابتة تتعامل مع المهددات المباشرة لأمنها الداخلي، إلا أن التهاب مناطق النزاعات على الحدود الغربية مع ليبيا والشرقية مع غزة والشمالية في شرق البحر المتوسط يجعل الاستنفار للحرب مستمرا.

وتتحسب القوة العسكرية المصرية من انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط في أي لحظة مع توالي استمرار الأزمات سنوات طويلة دون أمد لحل الصراعات التي تعتمل داخلها، ووجود تقديرات تشير إلى إمكانية الحسم العسكري في ملفات قد تطال شراراتها الأمن القومي المصري، مثلما الحال في ليبيا، لكن تبقى استعدادات لتوقعات قد لا تقع أو لا تكون لها علاقة مباشرة بتهديدات الجبهات الاستراتيجية الأربع.

وقال رئيس جهاز الاستطلاع المصري الأسبق اللواء نصر سالم إن تصنيفات “غلوبال فاير” وغيرها من مراكز البحث العسكرية تؤكد قدرة الجيش المصري على خوض حروب إقليمية متى كانت الحاجة إلى ذلك، غير أن اتخاذ مثل هذا القرار على مستوى قادة الجيوش لا يرتبط بمدى قوة كل جيش وفقا لتصنيفات نظرية ومعلومات قد لا تكون دقيقة في أحيان كثيرة لأنها تتوقف على ما تقدمه الجيوش وتسمح بالتعرف عليه.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تبعث إشارات طمأنة للداخل والخارج من وراء عملية التسليح المستمرة بأن لديها إمكانيات تؤهلها للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي وقوة ردع جاءت بنتائجها الإيجابية خلال السنوات الماضية بعد أن أوقفت أطماع قوى تولدت لديها رغبة في اختراق العمق المصري.

وأشار سالم إلى أن تزايد الاهتمام بالتصنيفات الدولية في العقد الأخير حقق أهدافا إيجابية على مستوى الردع وفتح الباب أمام الجيش المصري للدخول في تدريبات مشتركة مع قوى إقليمية ودولية عديدة لتبادل الخبرات، وانعكس الأمر على إظهار القوة العسكرية لأطراف معادية راجعت مواقف تعاملها مع الدولة المصرية مؤخرا.

حمدي بخيت: التصنيفات تركز على الكفاءة القتالية دون مراعاة القوة الفعلية

أعلن الجيش المصري مطلع يناير الجاري تنفيذ 41 تدريبا مشتركا، بينها 29 تدريبا داخل الحدود عام 2021، وشمل ذلك تدريبات جوية وبحرية وبرية باستخدام أحدث الأسلحة والتكنولوجيا، وقبلها بعام جرى تنظيم 33 تدريبا مع قوى إقليمية وعربية.

وعبّر توالي التدريبات وتنوعها مع جهات عديدة في الشرق والغرب والجنوب والشمال على أنه ليس هناك توجه عدائي يمكن أن يشكل مؤشرا على الدخول في حروب نظامية، وبرهن تنوعه في اتجاهات استراتيجية مختلفة على عدم وجود تركيز على جبهة بعينها وتحول بعضها إلى استعراض قوى، وحمل تأكيدات على وجود شراكات عسكرية مع قوى متباينة.

ويرى العديد من الخبراء العسكريين أن التسليح المصري يدخل في إطار تعزيز التحالفات السياسية مع دول الخليج مثلا، والحفاظ على وجود محور اعتدال عربي لديه قدرات عسكرية قادرة على مجابهة المشروعات الإقليمية المعادية القادمة من إيران، وهناك رغبة بأن يظل هذا التحالف قائما وفق أسس تشكل عليها مع قرار المقاطعة العربية لقطر ليشكل حائط صد حال انتقل الصراع لخانة الحرب المباشرة.

وذكر المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية (تابعة للجيش المصري) اللواء عادل العمدة أن تطوير القدرات المصرية يسير دون أن يستطيع طرف إملاء توجه بعينه على قرارات واتجاهات القوات المسلحة التي لديها عقيدة راسخة تقضي بتأمين الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة للدولة ولا تتورط في صراعات خارجية لا طائل منها.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن توظيف القوة العسكرية ظهر من خلال المشاركة في عاصفة الحزم لتأمين مضيق باب المندب من التهديدات الإيرانية، وإظهار الاستعدادات القصوى والقدرة الشاملة على الدخول في حرب مع الأطراف الإقليمية المعادية في ليبيا، وعبر قدرة القاهرة على تعديل معاهدة السلام وانتشار القوات المسلحة على كافة الأراضي في شبه جزيرة سيناء.

وأوضح أن اتجاهات التسليح المستمرة تأتي ضمن خطة التنمية المستدامة 2030 والتي تهدف لوجود الجيش المصري ضمن أقوى ثلاثين قوة عسكرية في العالم، ولا ينفصل ذلك عن مشاركة القوات المسلحة في عملية التنمية الداخلية والأدوار الملقاة على عاتقها كركيزة لحفظ الأمن في الداخل والحفاظ على موازين القوى في المنطقة.

ريبة من التصنيفات

الجيش المصري

يقود انغماس العديد من العسكريين المصريين في التأكيد على الأبعاد الإقليمية للتسليح وتوظيفها لصالح تأمين المصالح المصرية للنظر إلى التقييمات الدولية لقوة الجيوش بالمزيد من الريبة والقلق، لأن تقييم “غلوبال فاير باور” لا يضع القوة النووية ضمن تصنيفه ولا يتطرق إلى مهارات الحروب السيبرانية المتطورة.

تصنيف "غلوبال فاير باور" لعام 2022 وضع الجيش المصري في المركز الثاني عشر على مستوى العالم في قائمة الدول التي تمتلك أكثر الجيوش قوة، كأول الدول العربية والأفريقية

ودفع ذلك الخبير الاستراتيجي اللواء حمدي بخيت للتأكيد على أن التصنيفات تركز على مظاهر الكفاءة القتالية دون أن تراعي القوة الفعلية والقدرة القتالية على الأرض، ما يجعل هناك تشكيكا فيصدق “غلوبال فاير باور” حول ما يتم طرحه من تقييمات عسكرية، فليس من المعقول أن يكون الجيش المصري الذي لا يمتلك سلاحا نوويا متقدما على قوى تمتلك هذا السلاح في المنطقة (إسرائيل)، ما يشي بوجود أهداف وأبعاد خبيثة تقف خلف هذا النوع من التقييمات.

واعتمد الموقع في تصنيفه على 50 عاملا أسهمت في تقدم الجيوش أو تأخرها، بما يشمل القدرة العسكرية والمادية، مثل عدد القوات ومدى حيازتها للدبابات والقطع البحرية والطائرات المقاتلة، وغيرها بالإضافة إلى العوامل اللوجستية والجغرافية.

واحتلت الولايات المتحدة المركز الأول في الترتيب وجاءت روسيا في المركز الثاني والصين في المرتبة الثالثة والهند الرابعة واليابان في المركز الخامس.

وأكد بخيت أن مسرح الحرب والعمليات بالنسبة إلى الجيش المصري تتمثل في عوامل التهديد المباشرة في الداخل أو الخارج، لكن من دون أن يهدد أحدا أو يعتدي على أحد، وأن امتلاكه أسلحة متطورة لا يهدف إلى الدخول في حروب تستنزف قوته إنما لصد أطماع قوى تتصارع للاستحواذ على ثروات المنطقة.

6