مصر تنتظر تغييرا ملموسًا لأوضاع حقوق الإنسان في عام المجتمع المدني

الحكومة تتحرك ببطء لإقناع الأوساط الحقوقية باستراتيجيتها.
الجمعة 2021/12/31
تنازلات لا ترضي المنظمات الحقوقية

رغم أن العام الجديد الذي لا يفصلنا عنه سوى بضع ساعات سيكون مخصصا للمجتمع المدني ورغم التنازلات المدروسة التي قدمتها السلطات المصرية في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان إلا أن الأوساط الحقوقية مازالت تتوجس من نوايا الحكومة التي لا تأخذ الكثير من الانتقادات الموجهة إليها على محمل الجد وتعتبرها صادرة عن منظمات لها حسابات سياسية، فيما ينتظر بعضهم من الحكومة توضيحا لخطتها المتعلقة بتحسين الحالة الحقوقية، محذرين من أن استمرار التضييق على منظمات محلية سيقود إلى استمرار حالة انعدام الثقة بين السلطات والمجتمع المدني.

القاهرة - تثير الانتقادات التي تتعرض لها مصر في مجال حقوق الإنسان تساؤلات عديدة حول جدّية الحكومة في تنفيذ خطتها التي أعلنتها مؤخراً بشأن تحسين الحالة الحقوقية، وذلك بالتزامن مع إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي 2022 عامًا للمجتمع المدني.

بات العام الجديد على بعد خطوات قليلة ولم تقدم الحكومة شرحا وافيا لما يمكن أن ينطوي عليه من تقدم ملموس في مجال الحريات وحقوق الإنسان كفضاء على صلة مباشرة بالمجتمع المدني الذي يحظى باهتمام الدولة لكن بطريقة مغايرة للمفاهيم الدولية.

ومازالت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أُعلن عنها في سبتمبر الماضي في طور الحملات الدعائية دون أن تصطحبها تطورات تشير إلى وجود تقدم لتفعيل أدوات المنظمات الحقوقية أو الإفراج عن المزيد من النشطاء السياسيين ووقف الملاحقات الأمنية، ما يشي بصعوبات جمة تعترض عملية التنفيذ.

أيمن نصري: الحكومة لا تستمع إلى الكثير من الانتقادات الموجهة إليها

وناقشت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب مؤخراً سبل التعاون والتنسيق مع الإدارة المختصة في وزارة الخارجية بشأن التعامل مع استمرار الانتقادات الخارجية لإيجاد رؤية واضحة واتخاذ خطوات فاعلة نحو ما وصفته اللجنة بـ”المعلومات المغلوطة بشأن مصر”، وآخرها ما صدر عن الولايات المتحدة، حيث جرى الربط بين التقدم في العلاقات مع مصر والتطور الإيجابي في الملف الحقوقي.

واعتبر مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان السفير خالد البقلي خلال الاجتماع مع أعضاء مجلس النواب أن البيئة الدولية تشهد تغييراً شاملاً والعالم يشهد مرحلة إعادة تشكيل النظام الدولي، وألقى باللوم على وسائل الإعلام المحلية لعدم قدرتها على تسويق النجاحات في مجال حقوق الإنسان على أرض الواقع.

وتبرهن تلك الرؤية على أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية يسير بوتيرة بطيئة مثلما هو الحال بالنسبة إلى التحركات على المستوى الحقوقي، وأن هناك ملفات لن يجري الاقتراب منها بالمزيد من الانفتاح عليها، مثل الإفراج عن النشطاء المتهمين بالتعاون مع جماعة الإخوان، أو ما تعلق بالمنظمات الدولية التي دخلت في صدامات مع القاهرة.

ولدى العديد من الحقوقيين اقتناع بأن التطور قد يكون على مستوى تفعيل أدوات المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) الذي صدق السيسي على تعيين أعضائه الأربعاء، أو على مستوى الانفتاح على المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية العاملة في المجالات التنموية والخدمية والبالغ عددها أكثر من 16 ألف منظمة وجمعية.

وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن مصر أظهرت جديتها على مستوى إشراك المنظمات المدنية في الوصول إلى الاستراتيجية الحقوقية، كذلك الأمر على مستوى الخطوات التي اتخذتها لتمهيد البيئة أمام تنفيذها، وأضحت أكثر إدراكاً بأنها في حاجة إلى منظمات المجتمع المدني خاصة التي تشارك في المشروعات التنموية وتحقق رؤى الدولة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

لكنه أوضح لـ”العرب” أن “الالتزام بما جاء في الاستراتيجية أمامه المزيد من الوقت ويصعب التأكيد بأن الأوضاع تتجه إلى التحسن بشكل سريع مع بداية عام المجتمع المدني، فهناك قناعة مصرية بأنه كلما أقدمت الحكومة على تنازلات في الملف الحقوقي لن تلقى صدى إيجابيا من الخارج، وربما تواجه باتهامات جديدة، وأن هذه الانتقادات تبدأ بالتصاعد والخفوت حسب التوجهات السياسية لهذه الدولة أو تلك”.

وواجهت مصر انتقادات أميركية لاذعة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة “تشعر بخيبة أمل” جراء صدور أحكام بالسجن بحق عدد من النشطاء بتهمة ترويج أخبار كاذبة.

تنفيذ الاستراتيجية الوطنية يسير بوتيرة بطيئة مثلما هو الحال بالنسبة إلى التحركات على المستوى الحقوقي
تنفيذ الاستراتيجية الوطنية يسير بوتيرة بطيئة مثلما هو الحال بالنسبة إلى التحركات على المستوى الحقوقي

وأوضح برايس أن المسؤولين الأميركيين أثاروا قضايا حقوق الإنسان مع نظرائهم المصريين وأبلغوا القاهرة بأنه يمكن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر إذا تم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.

وردّ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ على تصريحات المسؤول الأميركي قائلًا “ليس من المناسب إطلاقًا التعليق بأي شكل، أو التطرُّق إلى أحكام تصدر من القضاء المصري”، مؤكدا “لا يجوز تناول مثل تلك المسائل القضائية في أي أطر سياسية أو ربطها بمسار العلاقات بين البلدين لما ينطوي عليه ذلك من تعقيدات غير مبررة”.

وجاء التصريح المصري بعد يومين من رفض مصر بيانا صدر عن الحكومة الألمانية بشأن محاكمة الناشطين علاء عبدالفتاح ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم.

وأكد أيمن نصري لـ”العرب” أن “الحكومة المصرية اعتادت على الانتقادات الموجهة إليها ولا تستمع إلى الكثير منها وتعتبرها نتيجة تقارير صادرة عن منظمات لها حسابات سياسية وليست حقوقية بالمعنى الدقيق للكلمة”.

وثمة إدراك مصري بأن الكثير من التقارير الصادرة ضدها لها أهداف سياسية لدى أصحابها، خاصة إذا كانت موجهة إلى دولة في ظروف مصر، وأن ما يجري التصريح به في بعض وسائل الإعلام يختلف تماماً عما يدور في الغرف المغلقة مع كبار المسؤولين في دول غربية مختلفة.

نجاد البرعي: نحتاج إلى المزيد من الوقت لتقييم مدى جدية الحكومة

ويبرهن العديد من الحقوقيين القريبين من الحكومة على ذلك بالتأكيد على أن التعامل الدولي مع ملف حقوق الإنسان لم تتضرر منه القاهرة عمليا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، في حين أن الرأي العام الداخلي لا يمانع في اتخاذ إجراءات عقابية بحق أشخاص تورطوا في جرائم شكلت تهديداً للأمن القومي ولم تعد القضايا الحقوقية والسياسية برمتها تحظى باهتمام محلي كبير.

وهناك قناعة بين دوائر حقوقية عديدة قريبة من الحكومة تقول إنها بحاجة إلى أن تتحرر أدوارها ويتم السماح لها برصد التجاوزات، وأن هذا التحرر يجب أن يطال أيضًا منظمات حقوقية دولية معنية بالشأن المصري، باعتبار أن تلك التجاوزات أمر معتاد في غالبية دول العالم وإصدار تقارير من منظمات تعمل تحت أعين الحكومة أفضل كثيراً من خروج تقارير قد تكون مغلوطة وتسيء للدولة.

من وجهة نظر هؤلاء الحقوقيين سوف يقود استمرار التضييق على منظمات محلية إلى استمرار حالة انعدام الثقة بين القاهرة والمجتمع المدني، وأي توجهات للحكومة وخططها لن تجد سبيلاً للتطبيق، وإن لم يؤد ذلك إلى ضغوط دولية على المدى القريب فقد يسفر عن مشكلات في المستقبل بشأن علاقة الحكومة بمنظمات محلية أو دولية.

وأشار الناشط الحقوقي البارز نجاد البرعي إلى أن تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بحاجة إلى المزيد من الوقت كي يمكن تقييم مدى جدية الحكومة، وأن مرور فترة قصيرة على إعلانها يجعل هناك فرصة لإمكانية تطبيق بعض بنودها على مدار العام الجديد، المسمى بعام المجتمع المدني، لكن هناك توافقا بين المنظمات الحقوقية على عدم استباق الأحداث وانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه “توجد جملة من المشكلات مع بدء عام المجتمع المدني، على رأسها عدم تحديد الأدوار بين مكونات المجتمع المدني في مصر، وهو ما أدى إلى تداخل الأدوار بين مؤسساته، فضلاً عن معضلة النظرة الأمنية التقليدية لهذا الملف، وتمويل العمل الأهلي، وازدواجية الحكم في الاعتماد على التمويل الخارجي”.

ونشر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) مؤخراً ورقة بحثية تناولت خطوات بناء الثقة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة، وتضمنت التأكيد على وجوب وقف الملاحقات القضائية ضد نشطاء المجتمع المدني ومؤسساته بشكل عام، والحقوقية بشكل خاص، مع السماح لهم بحرية التنقل والإفراج عن أموالهم ومقارهم المتحفظ عليها.

ولفتت الدراسة إلى أن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة ضد ناشطين في مؤسسات أهلية واللجوء إلى محاكم أمن الدولة طوارئ لمحاكمة باحثين في مؤسسات مدنية لمجرد كتابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يشجعان على بناء الثقة ويلقيان ظلالاً من الشكوك حول نوايا الحكومة.

7