داعش - خراسان يسعى لجر الصين إلى المستنقع الأفغاني

طالبان تقوّي علاقاتها مع بكين واستخدام ورقة الإيغور يقلب توازناتها.
الثلاثاء 2021/12/14
مستنقع يهدد مصالح بكين

يعمل فرع تنظيم داعش - خراسان على توظيف ملف الإيغور في تكثيف هجماته داخل أفغانستان ليبعث من خلالها رسائل إلى طالبان والنظام الصيني؛ فهو من ناحية يحاول ليّ ذراع الحركة وثنيها عن التفكير في تسليم مسلمي الإيغور إلى الصين مقابل إقامة علاقات معها، وردّ بكين عن أيّ محاولات لتعويض الدعم الدولي لحكومة طالبان. لكنه بهذه التحركات قد يجرّ بكين مرغمة نحو المستنقع الأفغاني لحماية مصالحها.

تكبل أنشطة تنظيم داعش خراسان في أفغانستان خطط طالبان في التقارب مع الصين وفك عزلتها وتعويض فشلها في إنقاذ البلاد من حالة الشلل الاقتصادي، وقد تربك توجهات بكين الطامحة لوراثة عرش الولايات المتحدة في البلد الآسيوي الحيوي.

وبسبب المصلحة المشتركة بين طالبان والصين في التقارب خلال المرحلة الحالية يتوخيان الحذر الشديد -عقب الانسحاب الأميركي- من أي تهديد مقلق لبكين انطلاقًا من أفغانستان، وهو ما قرأه طرف المعادلة العنيد المتمثل في داعش أفغانستان الذي بعث برسائل مؤخرًا مفادها أنه جاهز ليتكفل بوضع العصا في عجلة العلاقة التي تريد طالبان والصين دورانها وتسريعها.

رسم هذا المشهد رسالة داعش خراسان الأخيرة إلى كل من بكين وطالبان التي ضَمّنها في إعلان مسؤوليته المعتادة عن تفجير انتحاري لأحد مساجد الطائفة الشيعية بمدينة قندز، لكن هذه المرة زاد ونسب الهجوم إلى أحد أعضاء التنظيم من الإيغور واسمه الحركي محمد الإيغوري، وأكد داعش في بيانه أن المهاجم أحد مسلمي الإيغور الذين وعدت طالبان بترحيلهم استجابة لمطالب بكين التي تعامل المسلمين بوحشية.

وتعمد داعش في هذا التوقيت إسناد عملية انتحارية داخل أفغانستان إلى عنصر داعشي من الإيغور لا يعني جعله الصين هدفًا جديدًا له وعدوًا بديلًا، لكنه يحمل أيضا رسالة تحذير لطالبان كي لا تفكر في تنفيذ خطوة تسليم الإيغور إلى الصين كعربون إقامة علاقة جيدة معها، ولبكين حتى لا تنغمس في الشأن الأفغاني وتطرح نفسها كداعم دولي بديل لحكومة طالبان باعتبارها الجار الأقوى وتريد أن تصبح الأكثر نفوذًا في أفغانستان.

ويتعلق هدف داعش في أفغانستان بالمنافسة مع طالبان لذلك دفع بالعنصر الإيغوري لاستهداف طرف في المعادلة تحاول طالبان تحييده بينما يعده داعش ضمن أوليات أهدافه، وهو الأقلية الشيعية، ولم يوجهه لاستهداف مصالح صينية في الداخل أو الخارج.

ورطة طالبان

داعش يستغل رغبة طالبان في التقارب مع الصين ليقدم نفسه إلى الإيغور حاميًا وملاذًا لهم

يستغل داعش رغبة طالبان في التقارب مع الصين ما يعني إبداء تنازلات كبيرة في مطلب بكين الرئيسي المتعلق بملاحقة الإيغور أو ترحيلهم، ليقدم داعش خراسان نفسه للإيغور بصفته الحامي والمدافع عنهم وليكون ملاذًا لهم تحت ضغط صفقات سياسية جرى الإعلان عنها على لسان عدد من المسؤولين بين بكين وطالبان.

وتجعل هذه العلاقة الإيغور يدفعون ثمن التقارب بين حركة تبحث عن وسيلة لتثبيت قدمها في السلطة وبكين الباحثة عن تحقيق مصالحها الاقتصادية وتأمين أمنها واستقرارها وتنفيذ مشاريعها الكبرى.

ويضرب داعش خراسان على وتر حساس بالنسبة إلى طالبان التي ترغب في إرضاء بكين بالنظر للحاجة إليها في ملفات الاستثمار وإعادة الإعمار ولا تريد التخلي فعليًا عن المقاتلين الإيغور الذين تربطهم بطالبان علاقات تاريخية، لأن معنى التخلي عنهم اللجوء إلى خصمها اللدود داعش.

حاولت طالبان إمساك العصا من المنتصف عبر الإعلان عن أن أحدًا من مقاتلي الإيغور لم يعد موجودًا في أفغانستان فيما عمدت إلى نقلهم خفية داخل البلاد بعيدًا عن الحدود الصينية، متعهدة بأنها كفيلة بمنع أي تهديد لأمنها ينطلق من الأراضي الأفغانية، وهو ما قصد داعش التشكيك فيه عمليًا من خلال إسناد بعض عملياته لمقاتلين إيغور، كمن يقول لبكين إنهم ليسوا فقط خارجين عن سيطرة طالبان بل صاروا عناصر ناشطة وفاعلة في صفوف داعش خراسان.

لا تعني خسارة ورقة المقاتلين الإيغور دعم صفوف داعش بعناصر تدربت في صفوف طالبان منذ العام 2001 وانخرطت لسنوات طويلة فيها وقاتلت معها خصومها في الداخل، إنما من شأنها مضاعفة حدة الانقسام وسط طالبان.

علاوة على مسببات الانقسام المتعلقة برفض المتشددين داخل طالبان التنازلات في ملفات الحريات والمرأة لنيل الشرعية الدولية ورفع العقوبات وتشجيع الدول الغربية على مساعدة حكومة طالبان، يعترض جناح متشدد داخل طالبان على التخلي عن رفاقه الإيغور بهدف محاولة كسب ود بكين التي تقمع المسلمين وتهدم مساجدهم وتطمس هويتهم.

في مقابل معاناة طالبان وتوالي فتح أبواب جديدة لانشقاق عناصرها يرفع داعش خراسان مستوى جاذبيته التي ظلت محدودة قبل صعود طالبان إلى السلطة بالنظر لتشدده الأصولي واعتناقه مناهج لا تتسق مع المذهب الحنفي الذي يسود غالبية مناطق أفغانستان.

وعوض داعش قدرته المحدودة على الجذب وتجنيد عناصر جديدة داخل أفغانستان باللعب على نقاط ضعف طالبان واستغلال تنازلاتها في العديد من الملفات، في مقدمتها ملف علاقات طالبان بالصين عبر مغازلة المقاتلين الإيغور لتوسيع دائرة انشقاقهم والانضمام إلى داعش المستعد لتعزيز مصالحهم بدلا من أن يكونوا ثمنًا للتقارب بين بكين وطالبان.

وتلْقَى رسائل داعش صدى لدى الصين وغيرها من القوى الإقليمية والدولية، لأنها تواكب ذروة نشاطه وتظهر قدرات نوعية من حيث الاحترافية في تنفيذ العمليات وسط التحصينات الأمنية وفي قلب مناطق نفوذ طالبان التقليدية، ما يعزز التكهنات بشأن سر التحول النوعي في قدرات داعش التكتيكية بعد استيلاء طالبان على السلطة، والتي يعزوها الكثيرون إلى انضمام عسكريين سابقين وعناصر تمتلك خبرات أمنية ومعلوماتية وقتالية إلى صفوفه.

توريط الصين

Thumbnail

تجذب هذه المتغيرات الكثير من المقاتلين ممن خدموا سابقا في صفوف طالبان ويشعرون الآن بالتهديد بالنظر إلى حاجة طالبان الماسة لتمرير صفقات تعطيها بعض المصداقية وتجلب ثقة القوى الإقليمية فيها، أبرزها الصين، وهو ما يصب -في الأخير- في مصلحة داعش خراسان الذي يجتهد في تعزيز قدراته ودعم صفوفه بمقاتلين ذوي خبرات لمواجهة تفوق طالبان وتمكينه من التمدد خارج مناطق نفوذه في إقليم ننجرهار الشرقي.

وتقلق هذه التطورات بكين وتجعلها مترددة في تطوير مستوى العلاقة مع حكومة طالبان التي حاولت طمأنة الصينيين بأنها قادرة أمنيًا على ضمان سلامة المستثمرين والعمال الصينيين حال عودتهم مجددًا إلى أفغانستان.

ومن شأن بروز داعش خراسان بهذا الشكل -حتى وإن لم تتبلور بعد فكرة جعل الصين عدوا بديلا للغرب والولايات المتحدة لدى الجهاديين العابرين للحدود- أن يثير الكثير من الهواجس لدى بكين، بالنظر إلى ما كان عليه مستوى طموحها عقب الانسحاب الأميركي من منطلق كونها اللاعب الرئيسي في آسيا الوسطى، حيث طمحت إلى أن تحل محل واشنطن بصفتها القوة العسكرية المهيمنة عالميا.

ومن أجل إثبات أنه لاعب مهم وله تأثيره في المعادلة يطرح داعش خراسان نفسه داخل مساحة علاقات طالبان بالصين بوصفه حجر عثرة ليس فقط أمام محاولات طالبان الحثيثة للسيطرة على الأوضاع داخل أفغانستان بل أيضًا أمام طموحات الصين المتعلقة بتوسيع نطاق نفوذها الأمني والاقتصادي وسط آسيا وجنوبها، وإتمام مبادرتها الواعدة “حزام واحد، طريق واحد” والتي يلعب فيها إقليم شينجيانغ دورًا حيويًا بوصفه جسرًا يُفضي إلى أسواق آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط.

ويعني هذا اضطرار بكين إلى الانخراط في أفغانستان ومحاولة ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وتطوير الحوار مع طالبان لأجل السيطرة بشكل أفضل على التمرد الانفصالي للإيغور والحيلولة دون أن تتحول المنطقة إلى ملاذ لهم، لأن أجزاء من البنية التحتية لطريق الحرير الجديد تمر عبر المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الجهادية العابرة للحدود.

وحتى الآن تضع بكين ثقتها في طالبان للتعامل مع ملف الإيغور ولم تأخذ رسائل داعش الأخيرة على محمل التهديد الخطير الذي يتطلب تغييرًا في تكتيكاتها الأمنية، ما وضح في تصريحات أكاديميين ومراقبين صينيين اتهموا بعض وكالات الأنباء العالمية بتلفيق رواية أن منفذ الهجوم ضد الشيعة من الإيغور، في الوقت الذي تبنوا فيه رواية طالبان حيث زعمت مغادرة المقاتلين الإيغور أفغانستان مشيدين بسيطرتها الأمنية وتعاونها الوثيق مع بكين.

عدو جديد للجهاديين

Thumbnail

مع ذلك تظل أسئلة المستقبل بلا إجابات ومن دون طرح تصورات واضحة، فكيف تتصرف بكين إذا تضاعف نفوذ داعش خراسان وهو ما يصطحب معه تمكينًا أكثر للإيغور في أفغانستان وفي المنطقة؟ وماذا لو استهدف هؤلاء المقاتلون الانفصاليون المصالح الصينية مباشرة بمساعدة من داعش خراسان، ما يعني فشل طالبان في تحقيق المطلب الرئيسي لبكين والمتعلق بحماية الصين من تهديد الإيغور وداعش؟

إذا استشعرت بكين أن مصالحها الحيوية الأمنية والاقتصادية مهددة وأن اللاعب الجديد في أفغانستان يفشل في حمايتها وعاجز عن تلبية مطالبها فربما تخاطر بما ظلت تتجنبه طويلًا وهو الانغماس بشكل أكبر وبصورة مباشرة في أفغانستان، وهو ما ينذر بتحول التعاطي الإيجابي للصين -عبر توطيد النفوذ الأمني والاقتصادي- مع الأوضاع في أفغانستان إلى تدخل سلبي وانغماس في تعقيدات عانت منها الولايات المتحدة، وصولًا إلى جعلها العدو الأول للجهاديين في المنطقة والعالم ومن ثمة هزمها هزيمة مخزية.

ويقلب جر قدم الصين إلى المستنقع الأفغاني تحت مبرر حماية مصالحها التي تعجز عن حمايتها طالبان الكثير من التوازنات، ويشكل فرصة كبيرة للجماعات الجهادية العابرة للحدود، في مقدمتها داعش خراسان، بالنظر إلى خلق مبررات ودوافع للتجنيد والتحشيد من منطلق رفض التدخل المباشر في سياسات الدول الإسلامية من قبل دولة متهمة من عموم الجهاديين بقمع المسلمين واضطهادهم.

لذلك لا يكفي كي تحمي بكين نفسها وخططها أن تكون الداعم الأكبر لطالبان على المسرح الدولي، ولا تفيد سياسة إنكارها لما يمثله احتواء داعش للمقاتلين الإيغور، فمن شأن مسارات كهذه أن تحول طموحات الصين -الساعية لاحتلال مكانة الولايات المتحدة عبر سياسات دبلوماسية وتحالفات اقتصادية وتدعيم مكانتها- إلى الوقوع في ما تورطت فيه واشنطن وانتكست بعد محاولات فاشلة في قمع الجماعات المسلحة داخل أراضيها.

7