تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية لم يخصم منها وعودتها لن تضيف إليها

لا تزال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية محلّ تكهنات رغم الإشارات الإيجابية من الجزائر التي يعتبرها محللون سياسيون دعوة رسمية من الرئيس عبدالمجيد تبون إلى نظيره السوري بشار الأسد تمهد لعودته إلى المشاركة في القمة العربية القادمة. لكن هذه العودة تظل وفق محللين مشروطة بتوافق عربي – عربي وتعهدات محددة من النظام السوري، ناهيك عن موافقة جهات دولية فاعلة من بينها الولايات المتحدة. وفي المقابل يعتبر هؤلاء المحللون أنه سواء تأكدت عودة النظام أو تأجلت فإن غيابه عن الجامعة لم يخصم منه وعودته إليها لن تضيف إليه.
القاهرة – تزايدت الإشارات العربية بشأن عودة سوريا إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية قريبا، وألمح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قبل أيام إلى إمكانية أن تشهد القمة التي سوف تعقد في بلاده خلال مارس المقبل هذه العودة، وهو ما منح بورصة التكهنات قدرا من المصداقية، غير أن المثير حتى الآن أنه لم تتقدم دولة عربية واحدة -بما فيها الجزائر- بطلب رسمي للجامعة العربية يؤكد الرغبة في عودة دمشق.
وكشفت مصادر سياسية عربية أن مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية قرار لا تملكه الدول العربية وحدها، وأن هناك قوى دولية -في مقدمتها الولايات المتحدة- تلعب دورا مهما في اختيار توقيت العودة لأنها تتعلق بحسابات ما يجري على الساحة السورية.
وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن “الفيتو الأميركي لا يزال مستمرا، وما جرى من انفتاح عربي على سوريا مؤخرا لا علاقة له بالعودة أو عدمها؛ ربما يوحي بأنها صارت اليوم أقرب من أي وقت مضى، لكن القرار الدولي الضمني لم يصدر بعد”.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط أشار في مقابلة تلفزيونية نهاية أكتوبر الماضي إلى أن هناك أصوات عربية متصاعدة تنادي بعودة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة، موضحا أنه لم يرصد أي طلب رسمي أو غير رسمي بشأن بدء إجراءات العودة لشغل المقعد، واعتبر أن وجود مندوبها في القمة المقبلة يتطلب توافقًا عربيّا أولاً.
وروجت دوائر عربية فكرة أن عودة دمشق إلى الجامعة العربية سوف تمثل إضافة نوعية للعمل المشترك، في حين أن غيابها لم يؤثر عليه فالعودة لن تضيف له الكثير على المستوى المادي ومؤسسة الجامعة العربية أصيبت منذ سنوات طويلة بتصلب في الشرايين السياسية وكانت سوريا تتمتع بعضويتها كاملة.
تنحصر أهمية العودة في الشق المعنوي، حيث تنطوي على رسالة مفادها أن من راهنوا على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد خسروا رهانهم، ومن تصوروا أن المعارضة يمكن أن تمسك بزمام الأمور أخفقوا في حساباتهم، وفي النهاية تظل العودة قيمة معنوية من الصعب أن تغير التوازنات العربية المنهكة أصلا.
يخرج النظام السوري من الحرب بأجندة مختلفة عن تلك التي دخل بها، وإذا كانت همومه العربية جزءا مهما في شواغله قبل الحرب فإن الكثيرين لا يتوقعون أن تظل هذه الحالة مستمرة؛ فالتحولات التي جرت في سوريا والمنطقة برمتها والتبدل الحاصل في تقديرات القوى الكبرى يجعلان دمشق رقما ضعيفا.
لم تكن الجامعة العربية ذات قوة وسوريا داخلها، فقد أصابتها العديد من الأمراض التي لم تفلح دمشق أو غيرها في معالجتها، وشغلها لمقعدها لن يصلح الأمور، وعلى العكس ربما تؤدي العودة في أجواء قاتمة إلى المزيد من الخلافات بين القوى التي وقفت على يمين نظام الأسد وتلك التي وقفت على يساره، وتتم عملية تصفية سياسية داخل أروقة الجامعة، وهو ما يزيدها إرهاقا، وتتفجر أزمات كانت مكتومة في الفترة الماضية.
تباين في التقديرات
تباينت رؤى الخبراء الذين استطلعت “العرب” آراءهم بين داعمين لعودة سوريا لما تمثله من أهمية على مستوى تحسين صورة العرب بوجه عام بعد أن ظهروا في مواقف بدت متخلية عن الدولة السورية إثر تعرضها لاختراقات معادية، وآخرين يرون في عودة النظام السوري دون تقديم ضمانات تثبت جديته في الحفاظ على المصالح العربية وتنفيذه للقرارات الأممية باباً للمزيد من الأزمات في ظل عدم التوافق الداخلي والخارجي على مسألة العودة.
وقال نائب رئيس مجلس الأمة الجزائري فؤاد سبوتة لـ”العرب” إن “التصريحات التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون دعوة رسمية لسوريا تمهيداً للعودة إلى معقدها في الجامعة العربية، وسوف تكون تلك القضية نقطة جوهرية على طاولة العرب في قمة الجزائر، اعتماداً على حالة الليونة التي أظهرتها مواقف الدول العربية من الدولة السورية مؤخراً، وهناك رغبة في أن تكون عودتها فرصة لحلحلة المشاكل الموجودة بينها وبين بعض الدول الأعضاء”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الانقسامات التي تعاني منها الدول العربية تجعل هناك رغبة من الجزائر في أن تكون القمة المقبلة محطة مهمة لتصحيح العديد من الاختلالات وإعادة الجامعة إلى مسارها السليم عبر إصلاح هياكلها وتهيئتها للقيام بأدوار مؤثرة في ظل التحديات التي يشهدها العالم العربي، والعودة السورية تشكل أولى الخطوات التي تدعم مسألة الإصلاح الجذري”.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أكد أن “قمة مارس فرصة لإصلاح جامعة الدول العربية، وستتناول ملفين بارزين، أولهما تجديد الالتزام الجماعي العربي تجاه القضية الفلسطينية، والثاني سبل إصلاح منظومة عمل جامعة الدول العربية من أجل مواجهة التحديات الراهنة”.
في المقابل عارض المحلل السياسي الجزائري الأخضر فرحات الرأي الذي ذهب إليه فؤاد سبوتة، إذ اعتبر موقف تبون “عاطفيا أكثر منه سياسيا، وأمنيته أن يصبح العرب أكثر اتحاداً في مواجهة الأزمات المتصاعدة تدفعه إلى تبني هذا الموقف، في حين أن الواقع يشير إلى أنه من الصعب جدا أن تكون هناك مواقف عربية موحدة في ظل المصالح والمواقف العربية المتباينة”.
وأوضح الأخضر فرحات في تصريح لـ”العرب” أن “النظام السوري أكثر حرصًا على العودة إلى الجامعة العربية في تلك الأثناء ليبرهن للدول التي أيدت تعليق مشاركته في الجامعة العربية أنه لم يُهزم، وأنه يبحث عن شرعية جديدة تثبّت أركانه على الأرض، في حين أن التعويل السوري على الجامعة في غير محله، وفي الكثير من المرات يجري تحميلها أكثر مما تستطيع القيام به في ظل عدم وجود سلطات حقيقية للأمين العام ولا يستطيع اتخاذ قرار بمعاقبة أي دولة تخرج عن ميثاق الجامعة”.
وتُوافق المعارضة السورية على فكرة أنه لا مبرر لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية طالما أنه لا يلتزم بالقرارات الدولية التي على رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2254 الخاص بوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية سياسية.
وتعتبر أن التوجه العربي العام يتغافل عن أن نظام بشار الأسد لم يراع المصالح العربية في قراراته التي دعمت الوجود التركي – الإيراني – الأميركي على الأراضي السورية.
تحديات في الإقليم
قال منسق منصة القاهرة في هيئة التفاوض السورية فراس الخالدي إن البعض يقر بأن عودة سوريا تسهم في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا دون النظر إلى أن النظام الحالي هو من خرج في البداية من الجامعة العربية عندما رفض المبادرة العربية التي جرى تقديمها لحل الأزمة قبل عشر سنوات، وهو ما شرّع لوجود إيراني – تركي – أميركي، وفتح الباب أمام ميليشيات مسلحة ومختلفة للتواجد في سوريا.
وأوضح أن نظام بشار الأسد تبنى سياسة تقسّم سوريا وفقًا للمصالح التركية والإيرانية، واستخدم أسلوب الكلام المعسول لمغازلة بعض الدول العربية، لكن تصرفاته وأفعاله صبت مباشرة في صالح قوى إقليمية تعمل ضد الأمن القومي العربي، ولا يوجد ما يضمن أن عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية ستساهم في الحد من نفوذ قوى قامت من اليوم الأول على قتل وتدمير وتهجير الملايين من الأبرياء.
وتساءل الخالدي: هل قدم النظام السوري رسائل طمأنة لحلفائه قبل أعدائه بإعادة أكثر من 13 مليون سوري مُهجّر؟ وهل سيقدم على عملية انتقال سياسي يمكن القبول بها والنظر إليها بعين الرضا؟ وهل يضمن حقوق العرب السنة الذين يعمل على تهميشهم وهم أغلبية في بلدهم؟ تلك أسئلة يجب الإجابة عليها قبل الإقدام على اتخاذ أي خطوة.
ويذهب متابعون إلى التأكيد على أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حال جرى اتخاذه دون توافق مع الداخل والخارج السوري، سيكون صوريّا لأن الهدف الأساسي من العودة يتمثل في إيجاد دعم عربي يقابل النفوذ الإيراني لن يحقق أهدافه.
وفي تلك الحالة لن تكون أدوار الجامعة مقبولة من جانب قوى سياسية في الداخل، وستطال الانتقادات الجامعة من اتجاهات عديدة سوف تؤثر بالطبع على صورتها التي تعاني أصلا تشوهات عديدة في نظر الشعوب.
وتوقع مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن يكون هناك شبه إجماع عربي على عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة. ورغم وجود تحفظات لبعض الدول -لم يسمّها- إلا أنها لن تعرقل قرار العودة، وتغير الظروف المحيطة بالمنطقة العربية يدفع لعودتها إلى محيطها العربي لأن قرار تعليق عضويتها كان وليد لحظة سياسية وعكس تقديرات خاطئة بنت قرارها على سقوط النظام السوري.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “من أسباب غياب الدور العربي الداعم لسوريا في العديد من الأزمات والتحديات السابقة أنها خارج إطار الجامعة العربية، وبعودتها يمكن الحديث عن أدوار عربية لتحريك المباحثات مع القوى السياسية في الداخل أولاً، وبالتالي تأتي العودة في إطار تشجيع عربي يدفع نحو تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وتقديم حوافز لتشجيع التحول السياسي”.
ويدفع المؤيدون لعودة سوريا نحو التأكيد على أن هناك حالة من الفراغ في الداخل السوري جراء انقسام المعارضة على نفسها واستخدامها كورقة من قبل قوى إقليمية ودولية لنصرة جماعات الإسلام السياسي، وأن الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة المدنية وقراءاتها الخاطئة لمشهد التحالفات في سوريا تتطلب أن يكون هناك ثقل عربي يدفعها نحو تصحيح حساباتها بما يخدم الأمن القومي العربي.
مؤشرات تقارب مهمة
أكد المحلل السياسي المصري مصطفى السعيد أن عودة سوريا مفيدة من جهة تصحيح الانطباعات الدولية عن الموقف العربي تجاه الأزمة السورية بعد أن تخلت الجامعة عن إحدى الدول التي ساهمت في تأسيسها، وهو ما ترك انطباعات سيئة عل مستوى العلاقات العربية – العربية وأفرز حالة تشنج غير عادية دفعت ثمنها المنطقة العربية كلها وليس سوريا وحدها.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الدول العربية في المقابل بحاجة إلى إحداث قدر من التوازن في الرؤية السياسية بحيث لا يقتصر الأمر على المواقف الفردية، وأن تكون هناك توجهات تأخذ في الاعتبار مصالح كل دول المنطقة، ما يساعد على التخفيف من حجم الضريبة الباهظة التي دفعتها الدول العربية جراء الابتعاد عن سوريا، وهو أمر أدركته بعض دول الخليج التي غيرت مواقفها من النظام الحالي”.
ولفت إلى أن الزخم الحالي يساعد على أن تكون قمة الجزائر المقبلة خطوة على طريق تصحيح المواقف العربية، وإن كان هناك تباعد في وجهات النظر حول عدد من القضايا، لكن من المهم وجود أصوات عاقلة تمنع نشوب حروب عربية – عربية في حال تُركت الأوضاع كما هي الآن، فعودة سوريا تحاصر مساعي أطراف إقليمية معادية توظف الخلافات العربية في مشاريع لا تخدم المصالح المشتركة.
ويدعم مصطفى السعيد فكرة تشكيل جبهة عربية داعمة لسوريا باعتبارها وسيلة لإقامة علاقات ندية مع كل من تركيا وإيران وإسرائيل، وهو ما يظهر من خلال التحالفات الأخيرة بين مصر والأردن والعراق، إلى جانب التقارب المصري – الخليجي مع تركيا، وهو ما يشي بأن هناك إدراكا لضرورة اتخاذ خطوات إلى الأمام تدعم التقارب، على أن تكون بوابتها عودة سوريا إلى الجامعة العربية.