الرياضة قوة قطر الناعمة لكسب الرأي العام الغربي

باريس سان جرمان أداة الدوحة للإغواء العالمي.
السبت 2021/11/20
الرياضة سلاح فتاك استغلته قطر مبكرا

لا تنحصر علاقة قطر ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي في الرياضة، بل تتجاوزها نحو اعتماد الإمارة الخليجية على هذا النادي الرياضي الشهير ضمن سياستها لكسب تأييد الرأي العام الغربي من البوابة الفرنسية، ويعدّ أبرز مثال على تطويع قطر للرياضة كورقة قوة ناعمة.

باريس - قبل نحو عشر سنوات، أدركت قطر الإمارة الخليجية الغنية، أنّه ليس هناك أحسن من رياضة جماعية شعبية ككرة القدم لتخدم أيديولوجيات توسيع نفوذها، فاستثمرت في الرياضة التي تعدّ أفيون الشعوب في العصر الحديث، لتسهّل عليها الطريق نحو كسب الرأي العام العالمي.

وضخت قطر في العام 2011 الكثير من أموالها لشراء نادي باريس سان جيرمان الفرنسي الذي يحظى بشعبية كبيرة، والذي أصبح منذ ذلك الحين على ملك شركة قطر للاستثمارات الرياضية، وهي شركة تابعة للصندوق السيادي القطري جهاز قطر للاستثمار.

ويرى خبراء أن قطر فرضت نفسها بقوة على الساحة الرياضية العالمية على مدى سنوات خلت، وبالتالي فإن استثمارها في نادي باريس سان جرمان واستخدامه كأداة مركزية في دبلوماسية القوّة الناعمة للإمارة الخليجية الغنية بالغاز، يجب ألا يتغيّر بمرور كأس العالم لكرة القدم في غضون عام.

وتعبير “القوة الناعمة” الذي برز في أوائل التسعينات، كان وصفا أطلقه المنظر الأميركي للعلاقات الدولية جوزيف ناي. وهو يحدّد قوّة التأثير والإقناع لدى كيان ما على فاعل آخر، دون وسائل قسرية.

ممر قطري

مارك لافيرن: قطر مع نادي باريس سان جيرمان تؤثر في العالم بأسره

ماذا ستفعل قطر بعد انتهاء المونديال؟ هل ستواصل استثمارها الكبير في النادي الباريسي، في الوقت الذي أنفقت فيه الإمارة بالفعل أكثر من مليار يورو منذ استحواذ شركة قطر للاستثمارات الرياضية على النادي في العام 2011، من دون أن تتمكن من الفوز بدوري أبطال أوروبا؟

يدور هذا السؤال بصمت في صفوف مراقبي الكرة الفرنسية، وخصوصا أنصار النادي الباريسي الذين شاهدوا كيليان مبابي والبرازيلي نيمار والأرجنتيني ليونيل ميسي يوقعون في باريس، بصفقات مالية غير منطقية أحيانا.

لكن حتى الآن، يبدو هذا الأمر خارج حسابات قطر. إذ يقول الباحث في العلوم الجيوسياسية والمتخصّص في شؤون دول الخليج رافايل لو ماغوارييك “أعتقد أن كأس العالم ما هو إلا ممر، إنه انتصار بحد ذاته لقطر. لكن هذا لا ينبغي أن يغيّر سياستها بأي شكل من الأشكال”.

ولا يبدو أن قطر تستثمر في الرياضة وخاصة منها كرة القدم، بعيدا عن التوجه العام الذي يتبعه السياسيون والحكومات، من خلال شراء بعض الأندية مثلا أو إنشاء علاقات شخصية مع مشاهير الكرة، لاستغلال شعبية اللاعبين في ترويج الأفكار والإقناع بها وحتى إلهاء الشعوب عن قضاياها الأساسية.

ويحذر الخبراء من أن التنبؤ بالمستقبل والاستراتيجية الدبلوماسية لبلد ما، هو أمر محفوف بالمخاطر.

والمخاطر تتعدّد هنا، ويمكن لعوامل عدّة التدخل وربما تعديل شبكة تحليل صالحة في لحظة معينة. لكن موجة التمدّد التي قادتها الإمارة الخليجية لما يقارب 30 عاما تبدو راسخة جيدا في استراتيجيتها.

يشير مدير الأبحاث في معهد “سي.أن.أر.أس” وجامعة تور مارك لافيرن إلى أنه “بعد فترة وجيزة من الغزو الأميركي للعراق، طرحت قطر على نفسها سؤالا: ما الذي يمكن أن يجنّبها هجوما مماثلا؟ ليس جيشها ولا شركاتها النفطية ولا تقنياتها. إنه الرأي العام الغربي”.

ويضيف المتخصّص في العلوم الجيوسياسية “لقد طوّرت قطر مجموعة كاملة من الركائز التي يمكن ربطها بالقوّة الناعمة، الفن، والسياسة الرياضية العالمية، والتي يُعدّ فيها باريس سان جرمان أداة للإغواء العالمي. إنها عملية بناء صورة سلسة، غريبة، ومثالية. قطر لن تتوقف عن تطوير هذه الاستراتيجية غدا”.

تأثير عالمي

كارول غوميز: نادي باريس سان جرمان هو الواجهة الأفضل لقطر

يرى خبراء أن هذه السياسة التي اتبعتها قطر أتاحت لها الظهور على الخارطة الجيوسياسية. حيث يقول مارك لافيرن إنه “قبل 15 عاما تقريبا، لم تكن قطر موجودة في الرأي العام”.

ويؤكد هذا الباحث الأكاديمي أن “باريس سان جرمان مركزي في هذه السياسة، فقطر مع النادي، تؤثر في العالم بأسره”.

بدوره، يرى دانيال رايشي الأستاذ المحاضر في جامعة جورج تاون في قطر “تستضيف قطر الألعاب الآسيوية في 2030 ووقعت عقدا لاستضافة سباقات الفورمولا واحد لعشر سنوات، ولديها الكثير من دورات كرة المضرب والغولف ورياضات أخرى”.

ويتابع “أهمية الرياضة تتعدى الرياضة بحد ذاتها بالنسبة إلى قطر، يقومون بذلك لأنهم دولة صغيرة تريد خوض نزالات كبيرة على صعيد الشؤون الدولية. الرياضة تمنحهم هذه الفرصة، لذا ستبقى هامة بالنسبة إليهم”.

واعتبر البعض أن الحلقة الأخيرة من فشل انتقال اللاعب كيليان مبابي هذا الصيف رغم العرض الذي قدمه ريال مدريد الإسباني بقيمة 180 مليون يورو، ليس إلا بدعة مالية.

ويقول لو ماغوارييك “لكن الاقتصاديين الذين تم سؤالهم في فرنسا ليست لديهم آلية قراءة لقطر. يجب أن نقارن تلك الاستثمارات مع تلك الخاصة بوزارة الدفاع”.

دانيال رايشي: الرياضة تمنح قطر فرصة خوض نزالات كبيرة دوليا

ويرى محللون أن أفق المونديال ليس ذا أهمية كبيرة في ضوء نجاح الاستراتيجية القطرية حتى الآن.

وتؤكّد كارول غوميز مديرة الأبحاث في الجيوسياسة الرياضية في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) في فرنسا أنه “منذ البداية وحتى اليوم، يشكل سان جرمان في رأيي، استثمارا كبيرا للبلاد. بالنسبة إلى البعض، هذا هو الواجهة الأفضل للإمارة”.

وتضيف “أنا لا أؤمن بسحب الاستثمارات في اليوم التالي لكأس العالم. أولا، لأن الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية التي دفعت الدوحة إلى الاستثمار في الرياضة ما زالت قائمة. إنها مسألة التأكيد الدائم على الاختلاف عن جيرانها لاسيما السعودية والإمارات، ولكن أيضا لتنويع استثماراتها الاقتصادية من أجل التفكير في حقبة ما بعد الغاز”.

إضافة إلى ذلك، فإن الروابط بين قطر وفرنسا تتجاوز إطار هذه الاستراتيجية الرياضية.

يستذكر لافيرن أن “قطر حليف استراتيجي لفرنسا، وهي كذلك منذ سنوات”. تحالف ليس النادي الباريسي إلا واحدا من عناصره، لكنه عنصر حساس.

ويؤكد لو ماغوارييك أن “كل ما يتعلّق بباريس سان جرمان حسّاس للغاية، فهو في يد الأمير. إنه أمر استراتيجي بشكل بارز”.

وتثير علاقات قطر واستثماراتها في مجال الرياضة على الصعيد الدولي، انتقادات حادة من جماهير كرة القدم في الدول الأوروبية، واحتج مشجعون لبايرن ميونخ الألماني مؤخرا على العلاقات التي تربط مسؤولي النادي بقطر التي ضخت الملايين من الدولارات في الرياضة العالمية، وتستضيف بعد أيام للمرة الأولى سباق الجائزة الكبرى لبطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا1.

كما تثير استعدادات قطر لمونديال 2022، منذ سنوات، حملة تنديد حقوقي واسعة، حيث لقي العشرات من العمال الوافدين حتفهم، فيما تؤكد تقارير أن بقية العمال يواجهون ظروفا صعبة وغير إنسانية. ولا تبدو قطر مبالية بكل ذلك، رغم أنها سعت في بعض المرات إلى إجراء إصلاحات نسبية تخفف بها من حدة الضغوط الحقوقية الممارسة عليها، فهي، عبر باريس سان جيرمان ولاعبيه، تمتلك القدرة في التأثير في الرأي العام بالقدر الذي لا تملكه المنظمات الحقوقية.

6