هدى قطب ثورية من طراز خاص يكتشفها المصريون أخيرا

مقدمة البرامج الأميركية من أصول مصرية واحدة من بين قلائل من الأميركيين من أصول عربية الذين يمتلكون تأثيراً كبيراً في الولايات المتحدة
الثلاثاء 2021/11/16
إعلامية أميركية - مصرية بطلة لحوار واشنطن والقاهرة

لم تنحصر دروس جولة الحوار الاستراتيجي التي عقدت بين مصر والولايات المتحدة في واشنطن يومي الثامن والتاسع من نوفمبر الجاري على النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، بل حملت جوانب ثقافية واجتماعية داخلها كمؤشر على أهمية الحوار الشامل، وأن هناك قواسم رمزية جيدة غير مطروقة يمكن استثمارها في تعزيزه، ويؤكد تسليط الأضواء عليها عمق الشراكة بين الجانبين.

استشهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بمقدمة البرامج الأميركية من أصول مصرية هدى قطب كمثال يحتذى به في العلاقات بين واشنطن والقاهرة، ولم يستطرد بلينكن كثيرا في التعريف بهذه الشخصية فغالبية من يتابعون الإعلام الأميركي يعرفونها، وشريحة ليست بالقليلة من المصريين سمعوا عنها مؤخرا.

الوزير الأميركي استخدم نموذج قطب الإنساني والإعلامي كدليل على إمكانية أن تتطور العلاقات لتصل إلى مرحلة متقدمة من التفاهم إلى حد الانصهار، وسواء قصد ذلك بالضبط أم لا، فالرجل لجأ إلى مثال ساطع يشير إلى أن اقتراب القاهرة من واشنطن كثيرا سوف تكون له روافد إيجابية وفوائد تتجاوز ما هو ظاهر على السطح.

تزايد البحث على محرك غوغل في مصر عن قطب منذ إشارة بليكنن إليها العفوية أو المقصودة، وحاول مصريون كثيرون معرفة المزيد من التفاصيل من خلال الوصول إلى معلومات عنها باللغتين العربية والإنجليزية، فوجدوا شحا نسبيا في الأولى، وغزارة في الثانية، وتيقنوا أنها مذيعة شهيرة في الولايات المتحدة ولها إسهامات وتأثيرات تتجاوز حدود مهنة الإعلام.

اكتشاف مصرية

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يستشهد بقطب كمثال يحتذى به في العلاقات بين واشنطن والقاهرة
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يستشهد بقطب كمثال يحتذى به في العلاقات بين واشنطن والقاهرة

اللافت في المنشور بالعربية أن هناك صياغة واحدة بثتها غالبية المواقع المصرية، وكأن هناك جهة ما تولت مسألة التعريف بقطب، وبدت حريصة على ذلك، لأن التشابه لحد التطابق أحيانا يرجح أن هناك بيانا رسميا أو شبه رسمي جرى توزيعه على وسائل الإعلام، فمن الصعوبة أن تصل الصدفة إلى حد التماثل في الصياغة والتوقيت.

تشير الرسالة التي حملتها المواقع والصحف المصرية الإلكترونية إلى أهمية هذه الشخصية الإعلامية، وأن ما قاله بلينكن قد لا يخلو من أغراض سياسية، ولذلك جاء اهتمام الإعلام المصري بها تاليا لهذه الإشارة التي تؤكد أن واشنطن تريد تقاربا كبيرا مع القاهرة، وعلى الأخيرة أن تراعي منظومة القيم الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان، والتي جعلت من هدى قطب تتقدم في الولايات المتحدة.

طرح توقف الدبلوماسية الأميركية عند اسم قطب أسئلة كثيرة، لأن هناك أسماء من أصول مصرية عاشت ونبغت في الولايات المتحدة لم تحظ بالاهتمام ذاته في مصر، ربما لأنهم عرفوها عن قرب، فالعالم الراحل أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 كان حريصا على زيارة مصر في مناسبات عديدة، والحديث بالعامية المصرية، بمعنى آخر كان قريبا منهم.

الفارق بين الأسماء الثلاثة، أحمد زويل وفاروق الباز وهدى قطب، أن الأخيرة لم تعش في مصر، وتشربت منذ صغرها بالثقافة الأميركية، ويظل حنينها غير ملموس لدى عموم المصريين

كما أن مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة واشنطن فاروق الباز لا يزال يحرص على التواجد في مصر، وله حكايات وقصص جعلته قريبا من وجدان الكثير من المواطنين، بينما في حالة هدى قطب يبدو الوضع مختلفا، فهي عازفة عن ذلك، ولا يعلم عنها المصريون شيئا سوى عندما تتحدث عن نشأتها وطفولتها وشغفها المعنوي ببلدها الأصلي من حين لآخر، الأمر الذي جعل هناك حرصا على اكتشافها.

ما يفرق بين الأسماء الثلاثة، زويل والباز وقطب، أن الأخيرة لم تعش في مصر وتشربت منذ صغرها بالثقافة الأميركية، ويظل حنينها غير ملموس لدى عموم المصريين، لكن ما حققته من تفوق على الصعيد الصحافي والإعلامي وفر لها فرصة لتصل إلى جمهور عريض في الولايات المتحدة، ولفت اسمها العربي الأنظار إليها لتكون علامة على قدرة هذا البلد على استيعاب الثقافات المختلفة.

تحوي المسيرة الطويلة للإعلامية الأميركية من أصل مصري الكثير من المحطات الجذابة والشيقة التي تبرر اختيارها كمنوذج يحتذى به بين واشنطن والقاهرة وتذكر على طاولة حوار استراتيجي مهم، بدءا من مقاومتها لمرض السرطان، وحتى إعلانها على الهواء مباشرة الزواج من صديق أميركي لها، في مسيرة تؤكد إنسانيتها وثوريتها وتشبعها بالنمط الثقافي الغربي.

هي رسالة سياسية خفية حملتها تلك الإشارة، فلكي تكون القاهرة قريبة من واشنطن عليها تدارك المزج بين المعادلة الثقافية المصرية والأميركية، مع مراعاة منظومة القيم في الثانية، فلم يحل كون قطب عربية مسلمة أن تشب على الثقافة الأميركية.

رحلة حافلة

شهرة قطب تعود إلى تألقها في برنامج "توداي" على شبكة "إن.بي.سي" مع شريكتها غوثري
شهرة قطب تعود إلى تألقها في برنامج "توداي" على شبكة "إن.بي.سي" مع شريكتها غوثري

خضعت قطب لعملية استئصال الثدي عام 2007 وأصبحت داعية للتوعية به والمخاطر التي يحملها، وواحدة من الأميركيين والأميركيات من أصول عربية الذين لهم تأثير كبير في الولايات المتحدة، واختارتها مجلة “تايم” مع زميلتها سافانا غوثري منذ ثلاثة أعوام من بين مئة شخصية الأكثر تأثيرا حول العالم.

ولدت قطب في التاسع من أغسطس 1964 في مدينة نورمان بولاية أوكلاهوما لعائلة مصرية، ونشأت في مدينتي مورغانتاون والإسكندرية بولاية فيرجينيا الأميركية، وعملت والدتها في مكتبة الكونغرس، ولها أخ وأخت.

تخرجت في مدرسة “هانت هاي”، وخلال دراستها في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا انضمت إلى نادي دلتا النسائي، وحصلت على بكالوريوس في الآداب من قسم الصحافة التلفزيونية عام 1986 وعملت مراسلة لـ”سي.بي.إس” من القاهرة.

تنقلت في العمل الإعلامي بين أماكن مختلفة اكتسبت خلالها خبرات مضاعفة، وحاولت جاهدة أن تجد لها مكانا مناسبا وسط الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة، فعملت كمذيعة ومراسلة في قناة “دبليو.دبليو.إل” التلفزيونية خلال الفترة الفترة من 1992 إلى 1998، وهي واحدة من أشهر المحطات المحلية في لويزيانا.

جاءت شهرتها الحقيقية من عملها كمذيعة مشاركة في برنامج “توداي” في شبكة “إن.بي.سي” مع غوثري في يناير 2018 عقب طرد المذيع مات لاور بسبب اتهامات وجهت له بالتحرش الجنسي مع زملاء له في العمل، وحينها قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها امرأتان في تقديم برنامج “توداي” الذي بدأ في عام 1952، ويعد أهم برامج الشبكة وأكثرها تحقيقا للأرباح.

السيدة ثورية

Thumbnail

وصفت مجلة “تايم” اختيار قطب لتقديم البرنامج بأنها خطوة “إنسانية وثورية” لأن هذا الاختيار يبعد برامج الصباح عن النمط الرجعي الذي يمثل مذيعاً ومذيعة كأنهما زوج وزوجة لإضفاء لمسة حميمية على الأخبار والعرض، أما اليوم فيمثل الثنائي هدى وسافانا الصحافة الحقيقية ذات اللمسة الإنسانية المرحة.

استفادت قطب من مروحتها الثقافية الواسعة وعمق اطلاعها على تجارب الآخرين، فضلا عن خبرتها الممتدة التي مكنتها من التعرف على مناح عديدة للحياة أثقلتها اجتماعيا ووظفتها عمليا، حيث مارست هوايتها في الكتابة بجانب تقديم البرامج.

ألفت كتابا عام 2010 بعنوان “كيف نجوت من منطقة حرب، شعر متساقط، وسرطان”، وكان من أكثر الكتب مبيعا، وهو من إصدارات صحيفة “نيويورك تايمز”، حكت فيه تجربتها المريرة مع سرطان الثدي، وفازت بجائزة “إيمي” عن فئة البرامج التلفزيونية الصباحية كجزء من فريق عمل “توداي”.

وفرت الكتابة عن تجارب حقيقية لقطب مساحة كبيرة للإبداع مكنها من الوصول إلى شريحة كبيرة من الناس المغرمين بهذا النوع من الكتابات التي تلمس وترا عاطفيا لديهم يجعلهم يعيشون مع المؤلف، وهي ثيمة رئيسية اعتمدت عليها قطب في مؤلفاتها وساعدتها على زيادة شعبيتها في الولايات المتحدة وخارجها.

بعد حوالي ثلاثة أعوام، أي في عام 2013، ألفت كتابها الثاني بعنوان “10 سنوات لاحقة.. 6 أشخاص واجهوا الاختلاف وحولوا حياتهم”، وعرضت فيه نماذج من تجارب ست من القصص الإنسانية عن أشخاص تمكنوا من تغيير حياتهم بالإرادة، ثم عادت إليهم بعد عشر سنوات لترصد التغيرات وخرجت بكمية غزيرة من الاستنتاجات عن حجم التحولات التي يمكن أن تحدث للإنسان خلال فترة معينة.

كتابها “10 سنوات لاحقة.. 6 أشخاص واجهوا الاختلاف وحوّلوا حياتهم” عرضت فيه نماذج من القصص الإنسانية عن ستة أشخاص تمكنوا من تغيير حياتهم بالإرادة، ثم عادت إليهم بعد عشر سنوات لترصد تلك التغيرات

وبعد ثلاثة أعوام أخرى، في عام 2016، أصدرت كتابها الثالث بعنوان “إلى من ينتمون.. أفضل القرارات التي لا يتخذها الناس”، وتناولت فيه مجموعة من القصص المختلفة لأشخاص وجدوا أنفسهم في ظروف مفاجئة، الأمر يوحي في النهاية بمدى القدرة على التأقلم ودرجة التغيير التي يمكن أن تحدث لكل إنسان.

تبدو حياة قطب نموذجا يجسد قدرة الإنسان على التعامل مع البيئة الاجتماعية التي يعيشها وقدرته على تحمل مطباتها، وهو ما جعلها تعكس في المحتوى النهائي قدرة على مواجهة التحديات الصعبة، وهي السمة التي يمكن أن تكون فرضت على بلينكن اختيارها في صدد حديثه مع وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال جولة الحوار الاسترتيجي.

تزوجت في عام 2005 من المدرب السابق لكرة المضرب بجامعة نيو أورليانز كانغا بورزيس، وهو الزواج الذي انتهى بالطلاق بعد نحو سنتين. وقد أثرت معاناتها مع سرطان الثدي على موقفها من الزواج، إلى أن فاجأت جمهورها في نوفمبر 2019، حين قالت على الهواء مباشرة من خلال برنامجها “سأطلعكم على سر، طلب مني صديقي جويل شيمفان أن أشارككم به”، ثم أردفت “لقد خُطبت” مع ابتسامة عريضة، حيث عرض عليها الزواج أثناء تناولهما العشاء على الشاطئ خلال العطلة، ولفتت إلى أنها أصيبت بالدهشة والفرح بعد سماع حديثه.

وعلى حسابها الرسمي على موقع إنستغرام شاركت قطب متابعيها بنشر صورة لها برفقة خطيبها شيمفان وأظهرت خلالها دبلة الخطوبة.

لعبت الجوانب الإنسانية والثورية في حياة قطب دورا في تحقيق شهرة واسعة، ويمكن أن تكون واحدة من حلقات الإلهام غير المباشر بين واشنطن والقاهرة، فقد رمى بلينكن بالكرة في الملعب المصري وينتظر تلقيها مرة أخرى.

12