هل يتجه تحالف الساحل الأفريقي نحو التفكك؟

نجامينا - تعرّض تحالف مكافحة الإرهاب بالساحل الأفريقي الذي تقوده فرنسا إلى نكسة جديدة تنذر بقرب تفككه مع سحب تشاد نصف قواتها من منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بالتزامن مع تصعيد الجماعات المسلّحة خلال الأسابيع الأخيرة.
ومن بين ألف ومئتي جندي نشرتهم تشاد في فبراير الماضي بالحدود الثلاثة لمواجهة المنظمات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، أعلنت نجامينا في الحادي والعشرين من أغسطس إعادة 600 منهم للبلاد، بعد الاتفاق مع قوات مجموعة دول الخمسة ساحل.
وتوصف القوات التشادية بأنها الأكثر خبرة وكفاءة بين جيوش الساحل في قتال الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى وحول بحيرة تشاد، سواء في النيجر أو مالي وحتى في الكاميرون.
وجاء سحب الجيش التشادي نصف قواته بعد نحو أسبوعين من تعرّض قواته لهجوم عنيف لتنظيم “بوكو حرام”، في منطقة بحيرة تشاد، التي تعتبر الخاصرة الغربية الرخوة للبلاد.
وبحيرة تشاد أكبر بحيرة في منطقة الساحل الأفريقي، وتتقاسمها 4 دول (النيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد)، وتتميز بكثرة جزرها وضحالة مستنقعاتها، وضفافها الطينية، وغطائها النباتي الذي يساعد التنظيمات المسلحة بالاختباء والتمركز ببعض جزرها التي تشكلت بفعل التبخر والتغير المناخي.
ويُعدّ هذا الهجوم الأعنف من نوعه ضد الجيش التشادي منذ مارس 2020، حينما قتل 98 جنديا في محافظة بحيرة تشاد على يد بوكو حرام، قبل أن تعلن باماكو في الشهر التالي تطهير المنطقة من كامل عناصر التنظيم المصنف إرهابيا.
ويؤشر ذلك على أن جماعة بوكو حرام عادت للنشاط مجددا في منطقة بحيرة تشاد بعد 17 شهرا من طردها منها، ما يشكل تهديدا أمنيا خطيرا ضد نجامينا.
وتتزامن عودة بوكو حرام إلى المنطقة، بعد صد الجيش التشادي في أبريل الماضي هجوما عنيفا لمتمردي جبهة الوفاق والتغيير “فاكت” القادمين من الحدود الليبية في الشمال، ومقتل الرئيس إدريس ديبي في تلك المعارك، وتولي مجلس عسكري بقيادة ابنه محمد زمام السلطة.
وهذا الوضع الداخلي المتأزم سياسيا وأمنيا يضغط على نجامينا لسحب المزيد من قواتها خارج البلاد، وخاصة بالمثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو. لكن مع ذلك من المستبعد أن يسحب المجلس العسكري في تشاد كامل قواته في الساحل، بالنظر إلى حاجته للدعم المالي والدبلوماسي الفرنسي والدولي للبقاء في السلطة.
وتزامن إعلان نجامينا سحب نصف قواتها من الحدود الثلاثة مع حصول مجازر سقط فيها المئات من القتلى خلال أغسطس وحده في كلّ من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، أي في منطقة انتشار القوات التشادية، وهو ما يعكس إخفاقها في التصدي للجماعات المسلحة التي يعتقد أنها تنتمي لجماعة “النصرة”، المقربة من القاعدة، أو تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى.

ورغم ذلك، تطرح نجامينا تصورا آخر بشأن مكافحة الإرهاب في منطقة الحدود الثلاثة، فبحسب الناطق باسم الحكومة التشادية عبدالرحمن كولامالاه، فإن “عدد الجنود الموجودين في منطقة الحدود الثلاثية كان زائدا عن الحاجة”.
ويوضح كولامالاه أن “الوضع على الأرض يتطلب قوة متحركة وديناميكية أكثر، ما جعلنا نسحب بعض قواتنا ذات التسليح الثقيل”.
وتبدو وجهة نظر كولامالاه منطقية بعض الشيء لأن الجماعات المسلحة تتحرك في منطقة صحراوية شاسعة عبر دراجات نارية خفيفة وسريعة الحركة، وتستخدم أسلوب حرب العصابات (الكر والفر) وتهجم على قرى نائية ومتباعدة، لكن يقطنها الجزء الأكبر من السكان، مما يصعب مطاردتها عبر مدرعات ثقيلة الحركة.
لذلك فإن القوات الثقيلة والمتمركزة في المدن والبلدات الرئيسية تكون في الغالب غير فعالة في مكافحة الإرهاب، وهو ما انتبهت إليه فرنسا عندما لجأت إلى القوات الخاصة الأوروبية في عملية “تاكوبا”، بالإضافة إلى الطائرات العمودية والمسيرة، والاستعلامات التي توفرها الولايات المتحدة.
ومع ذلك فإن كل هذه الأساليب والتقنيات مجتمعة لم توقف تلك المجازر بحق المدنيين، بل تورطت أحيانا قوات محلية وغربية في استهداف مدنيين، على غرار اتهام الأمم المتحدة لفرنسا بالوقوف وراء مقتل مدنيين في غارة جوية وسط مالي، في يناير الماضي.
وفي خطوة جريئة، تشبه ما أقدم عليه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عند توليه السلطة في 2018، دعا محمد ديبي رئيس المجلس العسكري التشادي في العاشر من أغسطس إلى مشاركة المجموعات السياسية والعسكرية في “حوار وطني شامل” من أجل تعزيز “الوحدة الوطنية والعيش المشترك”.
ومن المنتظر أن يعقد هذا المؤتمر في ديسمبر المقبل بمشاركة الجماعات المتمردة المتمركزة في ليبيا والسودان، بما فيها جبهة الوفاق والتغيير (فاكت) المتهمة بقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل الماضي، بعد يوم من إعلان فوزه بولاية رئاسية جديدة.
ويعول ديبي الابن على هذا المؤتمر لإقناع المتمردين بترك السلاح والانخراط في الحياة السياسية، ورسم معالم جديدة للمرحلة الانتقالية، بمشاركة “المعارضة السياسية والمسلحة”، حيث ينتظر أن تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. لذلك ليس من المستبعد أن استدعاء نصف جنود التشاد من الحدود الثلاثة يهدف لتعزيز الوضع الأمني في العاصمة استعدادا لانعقاد هذا المؤتمر المصيري بالنسبة إلى ديبي ونظامه.
ومهما كانت الأسباب التي أدت إلى سحب تشاد نصف قواتها، إلا أن تأثير ذلك لا يبدو كبيرا على الوضع الأمني في المنطقة، نظرا لوقوع مجازر كبيرة مع وجودها. لكن إذا تمّ تقييم هذا التغير التكتيكي بالنظر إلى المشهد الشامل في المنطقة والعالم، وما يميزه من قرار باريس تقليص نصف قواتها في الساحل البالغة 5100 عنصر حتى مطلع 2022، فنحن أمام تفكك وشيك لتحالف دول الساحل.