الليبيون يسبحون في مياه الشواطئ الملوثة

حرارة الصيف وانقطاع الكهرباء يجبران سكان طرابلس على الهروب إلى البحر.
الخميس 2021/08/26
السباحة في المياه العكرة

تزداد معاناة الليبيين من أزمة تلوث مياه البحر في فصل الصيف، حيث يقضون معظم أوقاتهم على شواطئ البحر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرّر في معظم أنحاء البلاد رغم أن مخاطر المرض والعدوى تحدق بهم وبأطفالهم، فيما ينتظر ناشطو البيئة التفاتة من السلطات المعنية للحد من هذه الكارثة.

طرابلس – يحرم تلوث شاطئ العاصمة الليبية طرابلس وضواحيها على المتوسط السكان من الاستمتاع بموسم الصيف والتخفيف من وطأة تردي الخدمات ولاسيما المعاناة المتكررة من انقطاع الكهرباء.

وكانت وزارة البيئة الليبية منعت الشهر الماضي المواطنين من السباحة في عدد من الشواطئ نظرا لقربها من مصبات الصرف الصحي التي تنقل كميات ضخمة إلى البحر مباشرة من دون معالجة.

ويصف عبدالباسط الميري مسؤول مسح الشواطئ في وزارة البيئة الليبية تلوث الشواطئ بأنه “كارثي”.

ويوضح “للأسف وضع شواطئ طرابلس كارثي وبحاجة إلى حلول سريعة تعالج هذا الملف الذي يضر الإنسان والبيئة على حد سواء”.

وتصب مياه الصرف الصحي في البحر منذ عقود، لكن هذه المياه المبتذلة كانت سابقاً تمر عبر محطة معالجة قديمة توقف العمل بها منذ سنوات من دون إيجاد بدائل، مع تداعي المنشآت في البلاد بسبب النزاع الدائر منذ عقد بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.

وتقول سارة النعمي العضو في مجلس بلدية طرابلس “مشكلة تلوث شاطئ طرابلس تكمن في توقف محطة معالجة مياه الصرف الصحي، وبالتالي التصريف يكون باتجاه الشاطئ للتخلص من كميات ضخمة يومياً”.

وتصب أكثر من 600 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في الشاطئ يوميًا من 44 مخرجًا، ملوّثة نحو 40 كيلومترًا من سواحل طرابلس وضواحيها.

Thumbnail

وتقول النعمي “قمنا بإجراء تحاليل لعينات من خمسة مواقع، وتبين أن الشاطئ ملوث بالكامل لاحتوائه على نسب عالية من البكتيريا تتجاوز 500 في المئة”.

وتوضح مسؤولة البيئة في البلدية “تحدثنا مع الحكومة السابقة والجديدة أيضا حول الحاجة إلى مشروع متكامل لمعالجة مياه الصرف الصحي”.

لكنها تقول “يجب اعتماد حلول مؤقتة للتخفيف من حجم تلوث المياه والشواطئ، وهي ممكنة من خلال مرور المياه السوداء في أحواض خاصة لترسيب المخلفات لتصفيتها قبل نقلها إلى البحر”.

ولا يقتصر التلوّث البيئي على البحر في ليبيا على الصرف الصحي فحسب، بل هناك تلوث كيميائيّ وبتروليّ وعضويّ وما يخلّفه المواطنون، خاصّة في فصل الصيف، من تكدّس النفايات ومخلّفات الأكل والمواد البلاستيكيّة الضارّة.

وبمجرد الاقتراب من الشاطئ، يلاحظ وجود بقع شديدة التلوث تمتد لمسافات كبيرة على سطح المياه، إلى جانب تراكم المخلفات الصلبة بمختلف أشكالها، الأمر الذي دفع السلطات إلى وضع لافتات تحذيرية من السباحة في مساحات شاطئية ذات معدلات التلوث الأعلى.

وتتكدس النفايات الصلبة من عبوات بلاستيكية ومعدنية وغيرها على الشاطئ ما يساهم في تلوث شاطئ طرابلس التي يتجاوز عدد سكانها المليوني نسمة.

وتمتلك العاصمة الليبية ساحلاً بطول 30 كيلومترا تقريبا يطل على البحر المتوسط، من إجمالي ساحل البلاد الذي يصل طوله إلى 1900 كيلومتر.

ورغم التوصل إلى هدنة وتشكيل حكومة قبل أشهر عدة وتحديد انتخابات في ديسمبر المقبل، لا يزال الليبيون يعانون في حياتهم اليومية من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة ومن أزمة سيولة وتضخم جامح.

وتشكل السباحة في بلد يفتقر إلى المرافق الترفيهية متنفسا لسكان البلاد البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة.

لا مفر من الحر إلا البحر
لا مفر من الحر إلا البحر

ورغم الذهول والاستياء من الظروف الكارثية للبحر هذا الصيف، يواصل البعض النزول إلى الشاطئ رغم الرائحة الكريهة، بل ويقضون ساعات وهم يسبحون مع أولادهم غير آبهين بخطورة الوضع على سلامتهم الجسدية.

ويقول وليد المولدي (39 عاما)، وهو جالس على كرسي بلاستيكي على شاطئ البحر “صارت المياه ملوثة بشكل كبير بمخلفات المجاري (…) خلال هذا الصيف لم أدخل البحر للسباحة في شاطئ طرابلس مطلقاً، فقط أجلس أمام الشاطئ ولفترة قصيرة وأسارع في المغادرة نظرا للرائحة الكريهة التي تشتد بارتفاع درجات الحرارة”.

ويضيف “يدفعني تلوث الشاطئ إلى قطع حوالي 100 كيلومتر شرق طرابلس، والهروب إلى ساحل أنظف”.

واعتبر محمد الكبير صديق وليد أن تلوث مياه الشاطئ جعل الليبيين يعيشون مثل “السجن الصيفي” بحرمانهم من الاستمتاع بالبحر المتوسط الذي تشتهر بلادهم بجماله.

600 ألف متر مكعب

من مياه الصرف الصحي تصب في الشاطئ يوميا ملوثة سواحل مدينة طرابلس

ويقول بعض الخبراء إن تلوث الشواطئ يزيد من خطر العدوى بالأمراض، فالمياه الملوثة تحمل عدة أنواع من الميكروبات، وتسبب أمراضا جلدية، ومشكلات في الجهاز الهضمي على غرار القيء والإسهال، فيما يعتبرون التلوث بالنفايات الصناعية أخطر أنواع التلوث.

وينصح هؤلاء الخبراء مرتادي الشواطئ بوضع فراش على الرمل قبل الجلوس عليه، وتجنب السباحة في مياه تظهر على سطحها بقع زيت أو تغير لونها.

ويقول محمد إن أحد أقربائه نزل إلى البحر مع أطفاله الصغار لينعموا بالمياه قليلا لكنهم عادوا إلى المنزل يعانون من الحمى والإسهال ونوبات قيء، مضيفا أن العديد من الأصدقاء والعائلات ممن قصدوا البحر خلال هذا الصيف في طرابلس قد عانوا من الأعراض ذاتها.

وتدعو الجمعية الليبية لحماية الأحياء البرية إلى ضرورة الإسراع في تدارك الموقف لخطورة الأمر على الأحياء البحرية، وارتفاع نسبة سرطنة الأسماك الموجودة في المسطحات المائية القريبة من الشاطئ، كما حذّرت المواطنين بضرورة الابتعاد عن الشواطئ، والامتناع عن الصيد والنشاطات المتعلقة بالشاطئ لما لها من تأثير سلبي على صحتهم.

وينتظر الناشطون البيئيون أن يكون لوزارة البيئة دور فاعل في المستقبلن مشددين على ضرورة وضع عقوبات صارمة لملوّثي البحر، والتوقيع على اتفاقيات مناخية كاتفاقية باريس لتخفيض درجة حرارة الكوكب درجة ونصفا على الأقل.

Thumbnail
20