مدرسة الصنائع والفنون بتطوان قلعة الحرف في المغرب

المدرسة تتميز بقدرتها ومساهمتها في حماية ونقل المعرفة العريقة لرواد الصناع التقليديين إلى جيل الشباب.
الجمعة 2021/08/20
ورش متنوعة

تطوان (المغرب) - تشكل مدرسة الصنائع والفنون بتطوان، البناية التي تنضح فنا وثقافة، معلمة تاريخية كرست نفسها لأكثر من 100 سنة في خدمة النهوض بالإبداع وحماية ونقل الموروث الثقافي والفني المغربي الأندلسي للأجيال القادمة.

وتتميز هذه المعلمة الفريدة الواقعة قبالة باب العقلة، أحد الأبواب السبعة التاريخية للمدينة العتيقة لتطوان، بجماليتها المعمارية المصممة وفق الطراز الأندلسي الموريسكي، الذي يشهد على حقبة متميزة للصناعة التقليدية التطوانية كان خلالها يتعايش صناع تقليديون يهود ومغاربة وإسبان.

مدرسة الصنائع والفنون، التي تأسست سنة 1919 خلال حقبة كانت المدينة تقبع خلالها تحت الاحتلال الإسباني وأطلق عليها اسم “دار الصنعة”، تعتبر منذ ذلك الزمن مؤسسة فريدة من نوعها للتكوين. إذ كانت مهمتها الأساسية تتمثل في المحافظة على الموروث الفني الأندلسي الموريسكي الذي نجح على مر السنين في جعل المدينة رائدة على مستوى التقاليد الحرفية بالمغرب.

وبحمولة تاريخية كبيرة ودفء إنساني ينبع من روح الصانع التي تنساب إلى الإبداعات المنجزة بمنتهى الدقة من قبل الحرفيين بهذ الفضاء الفريد الذي صار جزءا من التراث المعاصر للمملكة، تتميز المدرسة بقدرتها ومساهمتها في حماية ونقل المعرفة العريقة لرواد الصناع التقليديين إلى التلاميذ الشباب، بفضل الدعم الثمين “للمعلمين” الذين يشاركون جسدا وروحا في تطوير وإقلاع مختلف المهن الحرفية.

وتتكون هذه البناية التاريخية من ثلاثة طوابق على شكل رواق دائم للعرض يضم أجود الإنتاجات الحرفية، بالإضافة إلى الجوائز والهدايا التقديرية التي تجسد للمنجزات التي حققها تلاميذ المدرسة.

وتضم هذه المؤسسة، التي تحيط بها حديقة رائعة، إدارة ومكتبة وأروقة للعرض ضمنها رواق الرسام الإسباني ماريانو بيرتوتشي، والفضاء المتحفي الحاج عبدالسلام بنونة، وورشات للتعلم في العديد من الحرف، وفضاء سيدي المنظري للفن والتراث، المحدث في إطار برنامج التعاون الدولي للتنمية بين وزارة الثقافة وحكومة جهة الأندلس.

المدرسة تتميز بقدرتها  على حماية ونقل المعرفة  العريقة من رواد الصناع  التقليديين إلى جيل الشباب
"دار الصنعة".. مؤسسة فريدة من نوعها للتكوين

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد المدير الإقليمي للثقافة بتطوان أحمد يعلاوي أن هذه المدرسة المرموقة اضطلعت منذ تأسيسها سنة 1919 بدور هام في تكوين الشباب المنحدرين من مدينة تطوان والمناطق المجاورة في مهن الصناعة التقليدية، لاسيما التي في طريقها للانقراض من أجل الحفاظ على هذه الحرف وتشجيع الأجيال القادمة على الاستثمار في الفن الحرفي والمساهمة في المحافظة على مختلف التقاليد الفنية التي تميز مدينة الحمامة البيضاء وتعتبر مصدر فخر للسكان.

وأشار إلى أن “الحرفيين الخاضعين للتكوين” بهذه المدرسة يتلقون دروسهم وفق أحدث التقنيات المعمول بها، مسجلا أن التلاميذ الذين غادر أغلبهم حجرات الدراسة يستفيدون من تكوين مجاني يمتد لأربع سنوات في مهن الصناعة التقليدية، من شأنه منحهم تكوينا مهنيا يخول لهم نيل شهادة، إلى جانب تقوية كفاءاتهم، بما يمكن من تسهيل ولوجهم لسوق الشغل.

وأشار يعلاوي، وهو مدير المؤسسة بالنيابة، إلى أن المدرسة تضم العديد من ورشات الصناعة التقليدية ضمنها الفخار والسيراميك والجبص والحديد المسبوك والطرز، بالإضافة إلى الخشب المطرز والمنحوت، يؤطرها صناع تقليديون مهرة يحرصون على نقل خبرتهم وتجاربهم للتلاميذ وزرع حب هذه المهن فيهم.

وتابع أنه خلال كل سنة دراسية يتابع أكثر من 100 تلميذ دروسا في مختلف التخصصات كالنجارة والطرز والسيراميك التقليدي (الزليج التطواني) والجبص والحدادة، معلنا أن عدد التلاميذ المسجلين هذه السنة بالمؤسسة بلغ 76 تلميذا يتوزعون على مجموعتين بمختلف الورشات، بسب الظروف المرتبطة بجائحة كورونا.

Thumbnail

وسجل أنه بالإضافة إلى دورها الرئيسي المتمثل في التكوين، تساهم مدرسة الصنائع والفنون في التنشيط الثقافي لمدينة تطوان، باحتضان على امتداد السنة أنشطة فنية وندوات وقراءات شعرية وحفلات توقيع كتب، وذلك بتنسيق فعاليات المجتمع المدني، مشيرا إلى أن هذه المنشأة تشكل فضاء متحفيا بامتياز يضم رواقا دائما للعرض.

وأكد يعلاوي على ضرورة تعزيز الإمكانيات المالية والبشرية الموضوعة رهن إشارة المدرسة، من أجل دعم تأطير وتشجيع التلاميذ على إكمال تكوينهم في أحسن الظروف، مشيرا إلى أن مدينة تطوان شكلت منذ سنة 2017 جزءا من شبكة المدن المبدعة لمنظمة اليونيسكو بفضل مآثرها التاريخية وتقاليدها وحضارتها، وإرثها العربي – الأندلسي، ونسيجها الثقافي المتميز الذي تحتل هذه المدرسة ضمنه مكانة خاصة.

وأكد المؤطر بورشة “الحدادة الفنية” محمد الخنشوف أن المدرسة تسعى إلى نقل الخبرة الحرفية التطوانية المتجذرة للأجيال الصاعدة، ومساعدة المتعلمين الشباب على اكتشاف وصقل طاقاتهم الإبداعية، وتطوير ملكة الإبداع لديهم، حتى يتمكنوا من أخذ المشغل والمساهمة بفعالية في الحفاظ على الموروث الحرفي المغربي، لاسيما حرف الصناعة التقليدية المهددة بالاندثار.

أما حاتم فعواج متدرب بورشة الحدادة فأكد أن المؤسسة فسحت له المجال لتقوية معارفه وكفاءاته في هذا الميدان وتطوير حسه الإبداعي، ما سيمكنه من التمكن من تقنيات الحدادة الفنية وتحقيق حلمه بأن يكون له مستقبل في هذا التخصص.

وبمناسبة تخليد نهاية كل سنة دراسية، تنظم المدرسة مسابقة خاصة مع توزيع الجوائز والهدايا على المعلمين والتلاميذ المستحقين، الذين تمكنوا من إنجاز أجود الأعمال الفنية.

وتعتبر مدرسة الصنائع والفنون بتطوان أكثر من مجرد مدرسة للتكوين على اعتبار أنها تشكل متحفا حيا بامتياز يزخر بالعديد من الكنوز التي تبرز بجلاء عبق التاريخ وفن الصناعة التقليدية.

Thumbnail
20