"همسة وصل".. معرض مغربي يحتفي بالمرأة بين الماضي والحاضر

الفنانتان آمال الفلاح ونادية غسال تتوفّقان ببراعة في رفع التحدّي بمعزل عن بعضهما البعض لكن معا لتسرّدا عبر ألوانهما تاريخ الجنس الأنثوي.
الثلاثاء 2021/08/03
وجوه غرائبية تنهل من الموروث الشعبي المغربي (لوحة لنادية غسال)

الدار البيضاء (المغرب)- يستضيف رواق “أمالغام” بمدينة الدار البيضاء إلى غاية التاسع من أغسطس الجاري معرضا تشكيليا يضمّ نحو أربعين لوحة فنية من توقيع الفنانتين المغربيتين آمال الفلاح ونادية غسال، بعنوان “همسة وصل” تهتم كلها بالمرأة في تفاعلها مع محيطها، وفي أدائها لواجباتها الأسرية والمجتمعية.

وكشفت غسال أنها تشتغل في أعمالها على ثيمة المرأة وروحها، مؤكّدة أن لوحاتها تحمل في طياتها صرخة مفادها أن المرأة ليست جسدا فقط، وأن جمالها لا يقتصر على المظهر الخارجي بل على جمالها في روحها وعقلها.

وفي ما يخصّ الأدوات التي تستخدمها في أعمالها التشكيلية، أشارت غسال إلى أنها تعتمد على الصباغة المائية مع الاستعانة بالرخام والرمل والورق، مضيفة أن المواضيع التي تشتغل عليها هي التي تحدّد اختيار الألوان، وأن تقنيات الرسم لديها تتنوّع حسب الموضوع الذي تشتغل عليه.

ومن جانبها، أشارت التشكيلية آمال الفلاح إلى أنها ساهمت في هذا المعرض بعشرين لوحة فنية، تتمحور كلها حول ثيمة المرأة في كل تجلياتها وبكافة حالاتها.

وأضافت أن لوحتها تعتمد على شخصية واحدة وإن تعدّدت صورها في بعض الأعمال، مبرزة الدور الطلائعي للمرأة، التي أبانت عن قوة حضورها ومدى تأثيرها في العديد من المجالات، معتمدة في ذلك على قدراتها الفكرية والتعليمية.

وسافرت الفلاح بصورة المرأة بين عوالم المعيش اليومي وتدبير الحياة اليومية، وكذلك حياتها خارج المحيط الأسري دون أن يؤثّر ذلك على جمالها كأنثى.

وأوضحت أن ما يميّز هذا المعرض التشكيلي هو احتضانه للمرّة الأولى عملا ثنائيا نسائيا مغربيا كان ثمرة عمل مشترك بين الفنانتين توّج بلوحتين تشكيليتين جادت بهما فرشاتهما، تحمل الأولى عنوان “توثيق”، وتوحي بأن الأجيال تتبادل المشعل لتوثيق تاريخها من أجل استمرار الرسالة الفنية والثقافية. وفي حين يستمد موضوع العمل الثاني روحه من مسقط رأس الفنانتين بخريبكة، تقديرا منهما لعمال مناجم الفوسفات بتلك المدينة التي تحظى بقيمة خاصة لديهما.

وعن المعرض قال الناقد والفنان التشكيلي المغربي شفيق الزكاري إن “الجسد لدى الفنانة التشكيلية نادية غسال اتخذ تمثلات من بنيات استنبطت أسئلتها من الواقع المعيش بكل نماذجه المختلفة، لكن بتقنية حداثية مع تداخل الأزمنة القديمة والحديثة”.

ويضيف “بعدما اشتغلت غسال على جسد المرأة من منطلق أهميته كأيقونة أفرزت طاقة إبداعية بتحوّل هذا الجسد من سند للاشتغال، جعلت منه مولدا لطاقة فنية خفية تغرف منه وتصب فيه، بمعنى أن الجسد عند الفنانة أصبحت له وظيفتان موازيتان، الأولى تتعلق بالأداء الفني الكوريغرافي، والثانية هي تلك الطاقة الإبداعية التي ولدت هذا الجسد على القماش بحركية متحوّلة اتخذت مواقع متعدّدة في اللوحة بتقنية جمالية وفق أبعاد ثلاثية هي الأخرى، لتنتقل إلى عملية وصفية لوجوه غرائبية بمواصفات تنهل من الموروث الثقافي والشعبي المغربي”.

وتكمن قوة غسال في تفاصيل عناصر تكوين إنتاجها الفني التي تعتبر المؤثّث الإجمالي للتكوين الأساسي لمشاهدها الجمالية، وفي تركيباتها التلوينية المتنوّعة والغنية بتدرّجاتها وبطريقة معالجتها للسند من منطلق صباغي أصيل تقاطعت فيه كل سبل التقنيات بموادها وأبعادها وأشكالها، لدرجة التماهي الذي اعتمد في مجمله على المبالغة في رسم أيقوناتها بحسّ متعالٍ يرقى للحلول بالمفهوم الصوفي.

شخصية واحدة تتكرّر عند آمال الفلاح
شخصية واحدة تتكرّر عند آمال الفلاح

وحول أعمال الفنانة الفلاح أكّد الزكاري أنها ترتكز على الدهشة بصوت خافت على شكل مونولوغ للخروج بالعمل من طوره التقني والمعرفي بأصول وأبجديات التشكيل إلى عوالم مشدودة ومشدوهة لجمالية الوجود من منطلق تمثلات وتمظهرات تشخيصية كان الجسد موضوعها.

وتجربة الفلاح تتّسم بنوع من الجدية المتحرّرة من كل تابوهات المجتمع المغربي والعربي ومحيطهما، بمنهجية انتقلت بطبيعتها من مرحلة المتخيل الشعبي إلى جدية معرفية اكتسبت أسئلة وجودية تنطوي على أسئلة أخرى لا تفكّر في الأجوبة الجاهزة، لتجعل من المتلقي جزءا من هذه الأسئلة بقلقها في مجال لا يخضع فقط للعناصر الجمالية الجاهزة، بل ينطوي على مشاعر دفينة لصيقة بالتجربة الحياتية.

ولم ترتبط تجربة الفلاح بحقبة محددة ولم تخضع لعامل زمني معيّن، بل كانت تنهل من كل الفترات الزمنية والأمكنة المتعدّدة بتعدّد تحوّلاتها وتقلباتها، فكان الجسد غالبا ما يطفو ويسبح على أسندة بفضاءاتها الهلامية، كحضور كوني لكل زمان ومكان.

ونادية غسال فنانة عصامية تعمل منذ مدة على صقل موهبتها الصباغية من أجل تطوير وتعميق معارفها التشكيلية وإثراء منجزها التشكيلي بالمزيد من الدقة والإتقان، والأمر ذاته ينسحب على آمال الفلاح، فهي أيضا فنانة عصامية امتلكت منذ حداثة سنها ولعا كبيرا بالفن الصباغي وكانت لها العديد من المشاركات في معارض محلية.

وبذلك تجتمع الفنانتان في كونهما عصاميتين ومتحدّرتين من مدينة خريبكة، وما يميّزهما أيضا أنهما لا تمتلكان الجذور المشتركة فحسب بل تكتسبان أيضا الإرادة والحزم لتمثّل المرأة كروح إنسانية لا كجسد فقط.

وتتوفّق الفنانتان ببراعة في رفع التحدّي بمعزل عن بعضهما البعض لكن معا، لتسرّدا عبر ألوانهما تاريخ الجنس الأنثوي بمنأى عن مفهومه الجنسي عبر بورتريهات عدد من النساء ليكنّ في لوحاتهما إلهات، إمبراطورات، نساء علوم وربات بيوت. كلّهنّ يتحلّين بقوة الشخصية الباهرة وبهشاشة لطيفة تجعل الحياة أكثر لطفا والجمال أكثر عمقا.

16