الذكاء الاصطناعي يحل لغز البروتيوم ويمهد لثورة في الطب والزراعة

لندن - على الرغم من سنوات العمل المخبري الشاق والمكلف الذي بدأ في الخمسينات من القرن الماضي لم ينجح العلماء في فك رموز سوى عدد صغير جدا من بنية البروتينات البشرية. لتبقى البروتينات لغزا حيّر الباحثين على مدى عقود.
في تجربة علمية مهمة، استخدم فيها برنامج للذكاء الاصطناعي يدعى “ألفافولد”، للتنبؤ ببنية البروتينات التي ينتجها الجسم، وحسب مصدر من شركة “ديبمايند” البريطانية المطورة للبرنامج، نجح الباحثون في الكشف عن بنية بـ20 ألفا من البروتينات البشرية، هي كامل الخارطة الوراثية للبشر التي يطلق عليها العلماء اسم “بروتيوم”، إضافة إلى أكثر من 300 ألف بنية أخرى لكائنات حية مختلفة.
وتتضمن الخارطة الوراثية للبشر، أي الحمض النووي الموجود في نواة الخلايا البشرية، التعليمات الضرورية حول كيفية تشكيل البروتينات في الجسم.
ويمكن أن نفهم أهمية هذه التجربة إذا علمنا أن التنبؤ ببنية البروتينات أمر معقد وصعب للغاية، ويحتاج إلى وقت طويل في التجارب المخبرية.
وكما هو معروف، فإنّ البروتينات هي أشبه باللبنات الأساسية بالنسبة إلى بناء الكائنات الحية، فكل خلية في أجسامنا، مليئة بالبروتين.
والقدرة على فهم هياكل البروتينات مهمة جداً لتطور الطب، والعثور على علاجات جديدة.
تمكن البرنامج من التكهّن “بشكل دقيق”، بهياكل 58 في المئة من الأحماض الأمينية (مكونات البروتينات) في الـ”بروتيوم” البشري.
كذلك تنبأ وعلى “درجة عالية من الدقة”، بنحو 35.7 في المئة من الأحماض الأمينية، وهي ضعف النسبة التي خلصت إليها تجارب علمية حتى الآن.
وقال ديميس هسابيس، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لمؤسسة “ديبمايند”، المبتكرة للبرنامج “نعتقد أن ما توصلنا إليه هو أكمل وأدق صورة للبروتيوم البشري حتى الآن”.
وأضاف قائلاً “يمثل هذا العمل أهم مساهمة للذكاء الاصطناعي في تطور حالة المعرفة العلمية حتى يومنا هذا”.
وقد عملت مؤسسة “ديبمايند” مع مختبر الأحياء الجزيئية الأوروبي من أجل جعل شيفرة “ألفافولد” وتنبؤاته بهياكل البروتين متاحة مجانا للباحثين.
وفي مجلة “نيتشر” العلمية المرموقة شرح باحثو “ديبمايند” بالتفصيل كيف تمكن برنامج “ألفافولد” من التنبؤ بهياكل موجودة في البروتيوم البشري، وفي كائنات مسماة نموذجية في البحث العلمي، مثل إي. كولي والخميرة وذبابة الفاكهة والفأر.
وتعليقاً على تنبؤات برنامج “ألفافولد” قال البروفيسور ماك جيهان “كنا نستغرق ستة أشهر للتنبؤ بهيكل واحد والآن يستغرق الأمر دقيقتين”.
وقالت البروفيسور إديث هيرد من مختبر الأحياء الجزيئية الأوروبي “نعتقد بأن هذا سيحدث تحولاً في فهمنا لكيفية سير الحياة”.
المفتاح لفهم آليتنا البيولوجية الأساسية هو بنيتها، حيث تلتف جدائل الأحماض الأمينية التي تتكون منها البروتينات وتتحول لعمل الأشكال ثلاثية الأبعاد التي طالما اعتبرت لغزا حير العلماء. وهو الشكل الدقيق الذي يفسر وظيفة البروتين؛ من الإنزيمات الضرورية لعملية التمثيل الغذائي إلى الأجسام المضادة التي تقاوم الفايروسات.
وتأمل شركة “ديبمايند”، التي دخلت في شراكة مع المعهد الأوروبي للمعلومات الحيوية التابع للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية، أن تساعد قاعدة البيانات الباحثين في تحليل كيفية عمل الحياة، لتطوير عقاقير وعلاجات للأمراض وتصميم محاصيل زراعية مستقبلية يمكنها مقاومة التغير المناخي، أو إنزيمات يمكنها تحليل مادة البلاستيك التي تلوث البيئة.
لقد بدأ بالفعل التعاون في الأشهر الأخيرة مع العلماء الذين يعملون في مجموعة من المشاريع؛ من الأمراض التي تؤثر بشكل غير متناسب على الأجزاء الفقيرة من العالم إلى دراسة مقاومة المضادات الحيوية أو بيولوجيا الفايروس الذي يسبب مرض كوفيد.
تطبيقات هذا الاكتشاف محدودة فقط بخيالنا، وفق هيرد، التي أكدت أن “قاعدة بيانات ستزيد من فهمنا لكيفية عمل البروتينات ودورها في العمليات الأساسية للحياة”.
سيمكننا هذا الفهم من أن نكون جاهزين بشكل أفضل لكشف الآليات الجزيئية للحياة وتسريع مساعينا لحماية ومعالجة صحة الإنسان، بالإضافة إلى صحة كوكبنا. وسيسرّع طرح الأداة مجانا أمام الجميع من وتيرة الاكتشاف البحث وابتكار للعلماء في جميع أنحاء العالم.
وتم الكشف عن قدرة “ألفافولد” على التنبؤ ببنية البروتين بدقة مذهلة في “أولمبياد البروتين” الذي يُعقد كل عامين. تم إعطاء المشاركين متواليات الأحماض الأمينية لحوالي 100 بروتين وتم تحديهم للعمل عليها. لم يتفوق “ألفافولد” على أداء برامج الكمبيوتر الأخرى فحسب، بل حقق دقة مماثلة للطرق المخبرية الشاقة.
قال البروفيسور إيوان بيرني من المعهد الأوروبي بعد تقديم النتائج لأول مرة “كدت أسقط من مقعدي في حالة من الإثارة والدهشة لأن هذه المشكلة طويلة الأمد المتعلقة بكيفية تشكل البروتينات قد تم حلها. مجموعة البيانات هذه تشبه إلى حد ما الجينوم البشري.. وستمكننا من خوض تجارب علمية لم نكن قادرين على القيام بها مسبقًا. أنا متحمس جدًا لبدء السير على هذا الطريق”.