البرلمان العربي ظاهرة صوتية شعارها الشجب والإدانة

إسراف البرلمان العربي في البيانات الصادرة عن رئيسه توحي بأنه أحد الأركان الرئيسية في العمل العربي المشترك التي يصعب التخلي عنها. لكن على أرض الواقع لا يُلمس له وجود مادي في القضايا الساخنة والعاجلة التي تهم الدول العربية.
القاهرة - تعزز تصرفات البرلمان العربي الكثير من معالم الحالة العربية القاتمة في شقها العام والخاص، فالمظلة التي تضم جميع الدول وهي الجامعة العربية فقدت جزءا كبيرا من تأثيرها وتكتفي بالنواحي الشكلية التي تشير إلى أنها لا تزال على قيد الحياة، وأداء غالبية البرلمانات لا علاقة له بنبض الشارع أو يعبر عن التعددية السياسية.
من الطبيعي أن يصبح البرلمان العربي ظاهرة متسقة مع هذين البعدين ويُختزل دوره في شخص رئيسه تقريبا منذ تأسيسه وحتى الآن، فلا أحد يعلم شيئا عن أسماء الأعضاء ونواب الرئيس والأمناء والمهام الموكلة لكل منهم والهدف منها، وهل هم أحياء أصلا أم أصبح بعضهم في عداد الأموات.
كما أن الدور الذي يقوم به البرلمان يكاد يتطابق نظريا مع الجامعة العربية نفسها في زاوية دعم العمل العربي المشترك وبقية الديباجة التي تحوي الكثير من الملامح السريالية السياسية، بما يجعل مفرداتها بعيدة عن الواقع، وبطريقة تقلل من مصداقية تنفيذ النصوص التي حواها الهيكل التأسيسي.
دور صوري
ينحصر الدور الذي يلعبه البرلمان العربي تقريبا في أنه أصبح ظاهرة صوتية بامتياز، يؤيد ويطالب ويدين ويشجب على غرار العديد من الأنظمة العربية والجامعة الأم التي وجدت نفسها محصورة في هذا الدور تقريبا، حيث تعتقد أن ذلك قد يعفيها من الاستغراق في التباسات الحالة العربية والنأي عن تقديم مقاربات لتفكيكها والاستغراق في تسوية المشكلات التي زادت وعجزت مؤسساتها المتباينة عن التعامل معها.
وأدى إسراف البرلمان العربي في البيانات الصادرة عن رئيسه إلى الإيحاء بأنه أحد الأركان الرئيسية في العمل العربي المشترك التي يصعب التخلي عنها، إذ أدمن الاشتباك مع قضايا ساخنة تهم بعض الدول العربية ولها علاقة بخلافات بينها وبين أي جهة خارجية.
البرلمان العربي يعد الهيئة التشريعية لجامعة الدول العربية ولكل دولة أربعة أعضاء يمثلونها من مجمل أعضاء البرلمان
وقد وقف من خلال بيان له مع المغرب ضد إسبانيا في أزمته الأخيرة بسبب الصحراء المغربية، وأيّد السعودية ضد المتمردين الحوثيين، ووصل الأمر إلى أنه يمنح جوائز تقديرية لبعض الشخصيات العربية، فالمهم أن يحدث ضجيجا يشير إلى وجوده الرمزي من دون البحث في حقيقة وجوده المادي والملموس.
من طالعوا خطاب البرلمان العربي الاثنين الماضي إلى مجلس الأمن بخصوص ملف سد النهضة الذي ناقشه المجلس الخميس، يعتقدون أن هناك دورا مؤثرا سيلعبه البرلمان، حيث وجه رئيسه عادل بن عبدالرحمن العسومي رسالة وصفت بـ”العاجلة” إلى نيكولا دو ريفيير رئيس مجلس الأمن، طالبه فيها بأن يقوم بمسؤولياته التي أوكلها إليه المجتمع الدولي للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهي في المجمل لا تختلف عن رسائل ومناشدات الجامعة العربية وتكرار خطابها السياسي.
وبصرف النظر عن دعم موقفي مصر والسودان في هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات التي رأى ضرورة في الاشتباك معها لصالح هذه الدولة أو تلك، فالبرلمان لا يملك من أمره سوى البيانات الطنانة التي يصدرها من وقت لآخر، وأسهمت في خلق حالة تشي بأنه جهة ضخمة أو سلطة فوق سلطة الجامعة العربية ذاتها، مع أن كثيرين لا يعرفون طبيعة المهام التي يقوم بها بصورة واضحة.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن كل ما يمتلكه هذا البرلمان مكتبا في وسط القاهرة يضم مجموعة من الإعلاميين المتعاونين يقومون بإصدار نشرات شبه دورية ويتم توزيعها على وكالات الأنباء والصحف والمحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية ويقود النشر والاحتفاء به إلى الشعور بأن هناك جهازا كاملا ينشط على الساحة ويختلف عن الهياكل المتعددة التي تحفل بها الجامعة العربية.
وقالت المصادر ذاتها إن هناك تعمدا في التركيز على دور رئيس البرلمان والحديث عن أنشطته ولقاءاته في العواصم العربية المختلفة، وخلق صورة ذهنية إيجابية عنه، الأمر الذي بدأ يثير إزعاجا داخل أروقة الجامعة العربية، حيث تمكن البرلمان التابع لها رسميا من التطرق إلى قضايا سياسية في صميمها.
الهروب من الفراغ

تقول المعلومات الأساسية عن البرلمان إنه الهيئة التشريعية لجامعة الدول العربية، وتم الاتفاق عليه في مؤتمر القمة التي عقدت في عمّان عام 2001، وبدأ في ممارسة عمله بعد نحو أربعة أعوام، وعدد الأعضاء 84، ولكل دولة أربعة أعضاء، ويقوم على المساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها عددا ومساحة، استقرارا أو توترا.
فمصر التي يضم مجلس النواب 596 عضوا تتساوى مع جزر القمر التي يضم برلمانها 33 عضوا، وهكذا تمضي الأمور في اتجاه يتعمد المساواة الشكلية، ولا يعبأ مثلا بأن الصومال به أقاليم شبه منفصلة ولها برلماناتها.
ووفقا لما جاء في ديباجة النظام الأساسي للبرلمان العربي وما قررته المادة الثانية من نظامه الداخلي يتولى البرلمان تحقيق جملة من الأهداف التي لا تتناسب مع الواقع.
- أولا- إقامة نظام عربي يكون فضاء لممارسة مبادئ الشورى والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وتكوين إطار جامع للتمثيل النيابي لأبناء الوطن العربي الواحد.
- وثانيا- المشاركة الفاعلة في رسم السياسات العربية المشتركة، وإقامة نظام عربي متكامل يحقق العدالة الاجتماعية ويواجه التحديات ويعزز التطورات التي تشهدها الأمة العربية.
- وثالثا- المشاركة في تكوين وعي لدى الشعوب العربية بمسيرة العمل العربي المشترك والمساهمة في تعزيز الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة العربية.
- رابعا- تحقيق التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة، وصولا إلى تحقيق الوحدة العربية.
وأضافت المصادر لـ”العرب” أن اتخاذ البرلمان طريقا سياسيا والتفاعل مع الملفات المختلفة يمثل نوعا من الهروب من الفراغ، فالنطاق الذي يتحرك فيه في الإطار الخاص بمهامه لن يسمح له بالحركة، وتكاد تكون اجتماعات البرلمانيين العرب نادرة، فبعض الدول لا تحرص على حضورها وأحيانا يتغيب الأعضاء نتيجة انشغالهم بأمور محلية ويثقون في أن النتيجة التي سيتم الخروج بها لن تقدم أو تؤخر في شيء.
يبدو البرلمان العربي ضمن توازنات القوى العربية، فإذا كان أمين عام الجامعة العربية من دولة المقر (مصر)، فرئيس البرلمان العربي يجب أن يكون من إحدى دول الخليج، وبات معبرا عن الأوضاع في البرلمانات التي تولي في معظمها اهتماما بالديكور السياسي لتوحي بأن هذه الدولة أو تلك تؤمن بالتعددية وتأخذ بالديمقراطية.
وتحولت المهام التي تقوم بها هذه النوعية من البرلمانات إلى دور يشبه العلاقات العامة، وهدفها تحسين شكل النظام الذي تنتمي إليه أكثر من انحيازها للشعوب التي تمثلها، وهو الدور الذي تظهر تجلياته في غالبية التحركات التي يقوم بها البرلمان العربي ورئيسه عادل بن عبدالرحمن العسومي الذي يشير تاريخه المهني إلى أنه رجل أعمال وكان مهموما بشؤون الرياضة في بلده البحرين، ومنح له المنصب ضمن حصة عربية تعبر عن ترضية سياسية للبحرين.
قد يرى البعض أن نماذج البرلمانات العابرة للحدود، مثل البرلمان الأوروبي تبدو أدوارها السياسية محدودة عموما، ولا تعكس الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، أو يرون أنها تستكمل شكلا يدغدغ مشاعر المواطنين ويشعرهم أن القيادات الحاكمة لا تتجاهل من يمثلونهم، هذا إذا كانت البرلمانات منتخبة، وهي الحالة التي تخلو منها معظم الدول العربية، لأن عددا كبيرا من الأعضاء جاءوا بالتعيين أو جرى إنشاء هيئة تشريعية بقرارات فوقية تجمعهم لزوم التكيف مع التطورات العالمية.
بافتراض أن المهام العملية محدودة في البرلمانات الإقليمية، ففي الوضع العربي تكاد تكون منعدمة، لأن البرلمان العربي حاصل جمع برلمانات الدول الأعضاء في الجامعة التي يعاني عدد كبير منها في المجال السياسي، وبالتالي سوف تنعكس الحيوية على الحالة العامة.