الطرقات في لبنان "معبدة" بالحوادث والموت

قانون السير وضع في الستينات حيث كان عدد المركبات قليلا كما أنه لا يتضمن بنودا متخصصة تتناول الدراجات النارية.
الأربعاء 2021/07/07
الإهمال يحكم البلاد

بيروت ـ تخطت تداعيات الأزمة في لبنان حدود الانهيار المالي والمعيشي، وباتت شظاياها تهدد معظم أوجه الحياة، ولعل أحدثها تدهور حالة الطرقات التي شهدت تزايدا في الحوادث حتى باتت تعرف بـ”طرق الموت”.

وبات “الموت المتنقل” يحصد الأرواح بين المدن والشوارع، بسبب تدهور البنى التحتية والسرعة المفرطة للسائقين.

وتدنت السلامة المرورية من سُلم اهتمامات المسؤولين، في ظل عدم توفر الأموال المخصصة لهذا الغرض، وقانون سير قديم وضع في الستينات حيث كان عدد المركبات في لبنان يقارب الـ60 ألفا، كما أنه لا يتضمن بنودا متخصصة تتناول الدراجات النارية.

وللدلالة على هذا الواقع المأساوي وترديه يوما بعد آخر، سجل في يونيو الماضي رقم قياسي في عدد ضحايا حوادث السير بلبنان خلال السنوات الخمس الماضية، من أسوئها حادث أودى بأربع بنات زهراء (17 عاما) وآية (12 عاما) والتوأم تيا وليا (7 سنوات) وأمهن (38 عاما من بلدة الشرقية)، وقد قضين جميعهن بسيارتهن على أوتوستراد الجية.

وفي التفاصيل أن الأسرة قررت الذهاب برفقة قريب لها بسيارة من نوع بيجو للبحث عن مادة البنزين استعدادا للنزول إلى المطار واستقبال الوالد الذي سافر منذ أربعة أشهر إلى ليبيريا ليفتش عن لقمة عيش تعيله وعائلته بعدما تدهورت الأحوال الاقتصادية هنا، لكنه أصيب بالملاريا وقرر العودة للعلاج في لبنان، وعلى أوتوستراد الجية وقعت الكارثة.

وأشار عم الفتيات الضحايا قاسم حويلي إلى أن عائلة شقيقه فوجئت ومعها العديد من السيارات السالكة الأوتوستراد شمالا بسيارة تسلك عكس السير للوصول إلى محطة البنزين، حينها وقعت الكارثة، حيث تصادمت 5 سيارات ببعضها.

وبحسب إحصائية أعدها فادي الصايغ الناشط في “جمعية حقوق الركب والنقل المستدام”، بلغ عدد الوفيات جراء حوادث السير في يونيو الماضي 57 شخصا وهو أعلى عدد يُسجل خلال شهر واحد منذ 2017.

كما بلغ عدد الجرحى في هذا الشهر نحو 400 شخص، أما إجمالي عدد وفيات حوادث السير في النصف الأول من عام 2021 فبلغ 208 والجرحى 2001 جراء وقوع 1632 حادثا خلال الأشهر الستة الماضية.

Thumbnail

وقال كامل إبراهيم الخبير في إدارة السلامة المرورية إن الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان أثّرت سلبا على السلامة المرورية، محذرا من اختفاء مقوماتها تدريجيا.

وأضاف أن أبرز ذلك التأثير، عدم تجهيز وصيانة الطرقات، وسوء الإنارة ليلا وانعدامها في الأنفاق، وتعطل إشارات المرور لاسيما في العاصمة بيروت والمناطق المحيطة بها.

أسباب عدة تجعل من الطرقات في لبنان تهدد حياة سالكيها، أبرزها انعدام الصيانة وكثرة الحفر فيها، فضلا عن سوء الإضاءة وتوقف إشارات المرور، حسبما أكده الخبراء.

وشهدت بعض الأنفاق المعتمة في شوارع بيروت حوادث مرورية مؤخرا أدت إلى وقوع إصابات، وبحسب تقارير خبراء ووسائل إعلام فإن انعدام الإضاءة كان سبب وقوع تلك الحوادث.

وأردف إبراهيم أن “هذا الواقع لم نشهد مثيلا له منذ 20 عاما”، مبديا خشيته من ارتفاع معدلات حوادث السير وضحاياها في الفترة المقبلة في ظل عدم معالجة الأسباب وراء ذلك.

وكشف إبراهيم أن الانهيار المالي انعكس سلبا على التجهيزات والأعمال المتعلقة بالسلامة المرورية، لناحية صيانة الطرق وتنظيم حركة السير، مشيرا في الوقت عينه إلى غياب هذا الملف عن اهتمامات حكومة تصريف الأعمال الحالية.

ولفت المتحدث إلى أن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين يدفع كثيرا منهم إلى استخدام وسائل نقل أكثر خطورة من السيارات، كالدراجات النارية، أو تحولهم إلى مشاة، وهي الفئة الأكثر عرضة للحوادث المرورية بنسبة تبلغ 35 في المئة.

“التقاطعات تحولت إلى حلبة مصارعة بسبب غياب إشارات المرور”.. هذا ما قاله المواطن خليل عاربيد في إطار حديثه عن معاناته اليومية خلال تنقله في شوارع بيروت، وما يسببه ذلك من حوادث سير وإشكالات بين المواطنين.

ولفت إلى أن المعاناة في لبنان أصبحت كبيرة جدا في كل المجالات، مشيرا إلى أن عدم صيانة الطرقات بات يسبب أيضا ضررا بسيارات المواطنين الذين يعجزون عن تصليحها بسبب غلاء الأسعار.

وأعطى عاربيد مثالا بأن سعر إطار السيارة أصبح يبلغ نحو مليون ليرة لبنانية (نحو 57 دولارا) أي أكثر من الحد الأدنى للأجور بنحو 325 ألفا، مردفا “نحن شعب مكافح لكن ليس إلى هذا الحد.. لقد تعبنا”.

Thumbnail

وقال المواطن مفيد رباح إن “الطرق غير مناسبة للسير ووعرة وغير آمنة”، متسائلا “كيف يمكن للسيارات أن تسير وسط الحفر المنتشرة هنا وهناك من دون وقوع حوادث؟”.

وأضاف “إننا نشهد فوضى مرورية وسط تعطل الإشارات، وإن كان شرطي السير التابع لقوى الأمن الداخلي يحاول تنظيم حركة المرور، لكن أعتقد أن مهمته صعبة جدا هذه الأيام”.

وشكا طليع أبورافع وهو سائق سيارة أجرة من تدهور الأحوال المعيشية لسائقي الأجرة كمعظم اللبنانيين، مشيرا إلى أن سوء حال الطرقات يساهم في تكبدهم خسائر هائلة نتيجة الأضرار التي تلحق بمركباتهم.

وأضاف أنه يشعر “بأن الدولة لم تعد تسأل عن شعبها”، مشيرا إلى أن “الوضع المعيشي لم يعد يحتمل ولا قدرة لدينا على إصلاح مركباتنا في حال تعطلت أو وقع حادث سير، بعدما انهارت قيمة عملتنا”.

وككثير من السلع المستوردة، ارتفعت أسعار قطع السيارات بشكل كبير بالعملة المحلية، في وقت انهارت القدرة الشرائية لمعظم السكان وارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.

20