ضعف التعليم الحكومي يدفع الأسر التونسية للمدارس الدينية

الوزير السابق والأستاذ الجامعي مهدي مبروك يعارض كافة أشكال التربية الموازية في تونس.
الأربعاء 2021/06/09
التعليم الديني العادي يبقى منقوصا في نظر بعض الأسر

تونس - دفع ضعف التعليم الحكومي الأسر التونسية إلى المدارس الدينية ذلك أن هجران التلاميذ لمادة التربية الدينية جعلها تبحث عن بدائل تمثل محاولة لسد النقص الموجود على الساحة.

وقالت آمال قرامي الأستاذة الجامعية بكليّة الآداب بمنوبة إن الوضع في تونس يحتاج إلى إعادة النظر في مناهج التدريس وهذا ليس بجديد، مشيرة إلى أن المطالبة بالإصلاحات كانت تلاقي مقاومة من داخل المؤسسات المعنيّة التي لا تقوم بمراجعات وتجديد للمناهج والمقاربات وتحيين للمعارف لتواكب التطوّر الحاصل في العالم.

وأضافت أن مادة التفكير الإسلامي ومنذ أكثر من ثلاثين سنة تعاني من معضلة أساسية وهي هجران التلاميذ لهذه الحصص، إذ أن الأجيال الجديدة تعاني من مشكلة الانضباط داخل المؤسسات، وتعدّ هذه المسألة من أصعب الحصص التي تواجه المدرسين، بالإضافة إلى أن طريقة التلقين وتغييب الفكر النقدي يجعلان التلاميذ يخرجون بتكوين هزيل على مستوى معرفتهم بمختلف الديانات.

وقال الكحلاوي  إنه لما كان هؤلاء الأولياء طلابا من قبل فهم يحملون نفس الانطباع عن مادة التربية الإسلامية والتفكير الإسلامي، فهم لا يثقون بهذه البرامج ويرونها ضعيفة المحتوى، ولا تستجيب لجميع مطالب المتديّن لما تعانيه من نقص في تحفيظ القرآن بقواعده السليمة وما يلحق به من تفسير وفقه وغير ذلك من بقية العلوم الشرعية.

آمال القرامي: مادة التفكير الإسلامي من أصعب الحصص التي تواجه الإطار التعليمي
آمال القرامي: مادة التفكير الإسلامي من أصعب الحصص التي تواجه الإطار التعليمي

وتابع “لذلك فهي في وعيهم لا تفي بالأغراض العلمية المطلوبة منها، كما أنها لا تحقق للطالب نقلة نوعية في تكوينه ولا توفر له الكفاية المعرفية اللازمة التي تجعله قادرا على التمييز بين الفهم السليم للنصوص والفهم المنحرف والبعيد عن الاعتدال والوسطية المطلوبة في الإسلام”.

وأشار إلى أن من يستقرئ منظومة التعليم الديني في تونس يلاحظ أنها لا تحظى بنفس القيمة التي تحظى بها بقية المواد التعليمية، سواء كان ذلك في المستوى الابتدائي أو التعليم الإعدادي أو الثانوي أو حتى الجامعي.

وقال الكحلاوي إنه “في المراحل ما قبل الجامعية نجدها ضعيفة وهو ما يعكس النظرة الدونيّة للجهة التي أشرفت على وضع التخطيط العام للمواد التعليمية على حدّ تعبيره، وذلك ما ينعكس في ذهن الطالب الذي يراها مادة ثانوية ولا يوليها اهتماما كبيرا في مساحة الإعداد، كما يتماهى أولياء الأمور مع هذه النظرة السلبية لهذه المادة”.

وأضاف أن المساحة الزمنية المقررة لتدريس هذه المادة محدودة جدا، ولا يتمكن خلالها المدرس من تحقيق التدريب الكافي وتمكين الطالب من المهارات المطلوبة للفهم والتفكيك والتحليل وبناء الموقف النقدي النظري الضروري في حياته اليومية.

وشنّت الحكومة التونسية حملات ضد المدارس القرآنية العشوائية.

وفي العام 2019 تم غلق المدرسة القرآنية المشبوهة بمدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط) والتي ثبت أنها شبيهة بمعسكر داعشي لدمغجة عقول الأطفال وتفريخ الإرهاب، ما طرح العديد من التساؤلات حول حقيقة ما يحدث داخل أسوار ما يعرف بالمدارس القرآنية خاصة منها المنضوية تحت جمعيات دينية متطرفة، من انتهاكات ومخاطر باتت تهدّد بنيان المجتمع التونسي.

وبعد مدرسة الرقاب  تم غلق عدد من المدارس القرآنية المشبوهة في مناطق مختلفة بالحمامات (شمال) والسيجومي (غرب العاصمة) وفوشانة. كما تم إصدار قرارات تقضي بإخلاء مبيتات للطلاب غير مرخصة ولا تتوفر فيها شروط حفظ الصحة، ويقيم فيه أطفال قصّر دون أوليائهم يرتادون مدارس قرآنية غير مرخصة هي الأخرى.

وكانت الحكومة التونسية قد اتخذت إجراءات صارمة ضد الجمعيات غير القانونية التي تتولى التمويل أو الإشراف المباشر على مدارس قرآنية، فيما كشفت هيئة الاتجار بالبشر عن انتهاكات صادمة تعرض لها الأطفال المقيمون في المدرسة القرآنية بالرقاب، كما وقّع عدد من النواب عريضة برلمانية تطالب بمساءلة وزراء الداخلية والمرأة والشؤون الدينية حول الانتهاكات التي حدثت في المدرسة المذكورة.

Thumbnail

وكانت السلطات التونسية أغلقت مدرسة “ابن عمر” القرآنية، حيث أوقفت مدير المدرسة بتهمة الاتجار بالبشر، كما قامت قوات الأمن بحجز مجموعة من الحواسيب والكتب الدينية، بعد أن تم إخراج الطلاب من المدرسة وإيواؤهم في أحد المراكز التابعة لوزارة المرأة لتأمين الإحاطة النفسية لهم.

وقال الدكتور مهدي مبروك الأستاذ الجامعي والوزير السابق إنه ضد كافّة أشكال التربية الموازية في تونس لأن الدولة التونسية وحّدت التعليم منذ الستينات بعد أن كان التعليم متعددا، مضيفا أن محمود المسعدي هو الذي سعى لتوحيده وجعله إلزاميا ومجانيا، معتبرا ذلك مكسبا للمدرسة الوطنية التي تعتبر أحد منتجات الهوية الوطنية.

ويبيّن مبروك أن إيجاد أشكال جديدة من التعليم خارج الدولة سواء كان دينيا أو اجتماعيا أو مهنيا دون الحصول على ترخيص مسبق يعدّ خطرا على المتكونين نظرا لحساسية تنشئة الطفل على قيم الوطنية والاعتدال.

وشدّد على ضرورة أن تكون هذه المؤسسات تحت رقابة الدولة وإشراف جهاز حكومي يتولى ضبط المحتوى البيداغوجي وضبط الشروط المراقبة البيداغوجية والإدارية والمالية لكي لا تصبح هذه الأطر أماكن لغسيل الأدمغة.

وأشار علماء الاجتماع  إلى أن المجتمع التونسي حافظ في العقود الأخيرة على هذا التعليم في شكل كتاتيب تحت رقابة وزارة الشؤون الدينية، كما أن هناك نوعا من الروضات تلقّن مبادئ التربية الإسلامية.

ودعوا إلى عدم الخلط بين الإسلام والقرآن ومبادئه من جهة وبين التعليم بطرق عشوائية من جهة أخرى، ففي هذه الطرق الكثير من التعصب على مدارك الأطفال وخيالهم مما يؤثر على مزاجهم ويشكل خطرا.

وأكد الخبراء أنه إذا كانت هناك ثغرات على مستوى التشريع فلا بدّ من تداركها، لافتين إلى أن الرابطة الوطنية للحفاظ على القرآن تلعب هذا الدور وهذا لا يتنافى مع مبدأ الحريات لكن يقننها ويجعلها تخدم السلم المدني والهوية الوطنية.

كما حذّرت نبيهة كمون رئيسة الغرفة الوطنية لرياض الأطفال والمحاضن من رياض الأطفال العشوائية والرياض القرآنية غير المرخص لها التي ينشط معظمها تحت غطاء بعض الجمعيات مجهولة التمويل والتي تزرع في عقول الناشئة أفكارا وصفتها بالمتطرفة، مشيرة إلى أن المشرفين عليها يتعمدون الفصل بين الذكور والإناث واتباع مناهج لا تمتّ للثقافة التونسية بصلة.

13