متطوعون في كولومبيا يعملون نهارا ويعالجون المتظاهرين ليلا

بوغوتا - خلال النهار يعملون كممرضين أو بائعين في السوق أما في الليل فيتسللون بين القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية لإنقاذ المتظاهرين الذين يشاركون في الانتفاضة الشعبية التي تهز كولومبيا منذ أكثر من شهر. بعضهم حاصل على تدريب طبي والبعض الآخر يتعلم خلال قيامه بالعمل.
وكانت شوارع العاصمة الكولومبية مسرحا لمواجهات بين متظاهرين وشرطيين ومدنيين مسلحين. وجاء ذلك بعد حوالي شهر من احتجاجات الـ28 من أبريل الماضي ضد مشروع ضريبي تم التخلي عنه، قدمه الرئيس اليميني لزيادة الضريبة على القيمة المضافة، وتوسيع قاعدة ضريبة الدخل.
وأثار القمع العنيف للاحتجاجات انتقادات شديدة ولاسيما من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال شاب يعمل في مجال الإعلانات يبلغ 32 عاما ويساعد في عيادة أقيمت مؤقتا في ملعب لكرة السلة في جنوب بوغوتا “لديّ معرفة أساسية بالإسعافات الأولية.. وأشعر بالحاجة إلى تطبيقها في وضع مثل الذي نعيشه في كولومبيا، هناك الكثير من المصابين الذين يحتاجونني”.
لجأ البعض في بوغوتا إلى المسرح والموسيقى للتعبير عن رفضهم للعنف المستخدم من قبل الشرطة ضد المتظاهرين
وأوضح مواطن آخر يبلغ 23 عاما ينضم إلى هذه المجموعة ليلا بعد إنهاء عمله في السوق “تعرضت صديقة لي لاعتداء جنسي من قبل الشرطة هنا”. وقال آخر “نحن نقوم بما يجب على الشرطة فعله: إنقاذ الأرواح”.
وأقيمت هذه العيادة التي يديرها متطوعون يبلغ عددهم 12 شخصا وتتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، قرب الحاجز المقام في محطة بورتال دي لاس أميريكاس، وهي تحصل على إمداد كهربائي من منازل جيران قريبة.
ومنذ أسابيع، يغلق متظاهرون مركز النقل احتجاجا على ما قالوا إنه احتجاز غير قانوني للعشرات من بينهم.
وأصبحت المحطة معروفة باسم “بوابة المقاومة” وهي رمز للاحتجاجات المستمرة منذ خمسة أسابيع ضد حكومة الرئيس إيفان دوكي، فيما آثار الفقر والبطالة وعدم المساواة وتداعيات فايروس كورونا، غضبا واستياء واسعي النطاق.
في خمسة أسابيع من الاضطرابات قتل أكثر من 60 شخصا في كل أنحاء كولومبيا وفقا لبيانات رسمية، وأصيب أكثر من 2300 من المدنيين والقوات الأمنية. جميع القتلى مدنيون باستثناء شخصين، فيما أثارت حملة القوات الأمنية القمعية لحركة الاحتجاج إدانة دولية.
وقالت لينا غاليغاس (31 عاما)، وهي واحدة من سكان المدينة، “نشعر بالتهديد نشعر أكثر بالخطر”، وتابعت “إذا حدث شيء لا يمكننا الاتصال بالشرطة لأنهم من يرتكبون القتل”.

وقالت ممرضة تبلغ 24 عاما تطوعت أيضا لمعالجة الأشخاص الذين أصيبوا على حاجز بورتال دي لاس أميريكاس “استخدمنا النقالة كدرع”.
وأضافت ممرضة أخرى تبلغ 34 عاما “شاهدت في الأخبار العدد اليومي للجرحى وشعرت بأنني عديمة الفائدة في المنزل.. قررت أن آخذ حقيبة الإسعافات الطبية وأذهب لتقديم المساعدة”.
ولا يرغب مقدّمو الرعاية والمهنيون والهواة على حد سواء كشف أسمائهم خوفا على سلامتهم.
وفي مايو قتل أرماندو ألفاريز وهو طبيب عالج متظاهرين أصيبوا بجروح في مدينة كالي بالرصاص أثناء مغادرته مكان عمله.
ومساء الـ26 من مايو الماضي وعند حاجز “بوابة المقاومة” كان منقذون يقومون برحلات من خط المواجهة وإليه حيث واجه متظاهرون مسلحين بالحجارة والدروع المصنوعة من الخشب والصفيح، شرطة مكافحة الشغب المدججة بالسلاح.
وسقط المصابون واحدا تلو الآخر مختنقين بالغاز المسيل للدموع أو بعدما أصيبوا بمقذوفات الشرطة. وكانت أخطر الإصابات في الوجه والعينين.
وقبل منتصف الليل نقل رجل مسافة 200 متر من خط الجبهة إلى العيادة المؤقتة، ويقول أحد المتطوعين إنه أول مريض لهذه الليلة وهو يعاني من ألم في الكاحل بعدما أصابته عبوة غاز قال إنها أطلقت من مبنى قريب.
وبعد فترة وجيزة وصل شاب وهو مصاب في كتفه نتيجة مقذوفة غير محددة أطلقتها الشرطة.
وقالت الممرضة البالغة 34 عاما، إن بعض الأيام تكون أصعب من غيرها. وأضافت “هناك أمور تصدمك مثلما عندما يقول لك شاب: أخبروني بالحقيقة. هل فقدت عيني؟”. ورغم أن الاشتباكات أثّرت أيضا على الأحياء المجاورة، يواصل الجيران التبرّع بالأدوية والغذاء للمتطوعين.
ولجأت نساء في العاصمة الكولومبية إلى المسرح للتعبير عن رفضهن للعنف المستخدم ضد المتظاهرين من خلال مسرحية تروي آلام الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن، رافقتها وقفة احتجاجية على ضوء الشموع.
وعبّرت منظمات نسائية في بوغوتا عن رفضها واستنكارها للعنف المفرط الذي تعرّض له المتظاهرون على يد رجال الشرطة الكولومبية خلال المظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء البلاد قبل فترة.
وقبل ذلك أقامت أوركسترا بوغوتا الفيلهارمونية حفلاً موسيقياً في حديقة وسط بوغوتا “لإرسال رسالة تضامن وسلام واتحاد” بعد تزايد أعداد الوفيات في صفوف المتظاهرين نتيجة القمع.
ويقول أحد السكان المحليين الذين حضروا الحفل “إننا ندعو بإخلاص إلى اللاعنف والسلام والمصالحة”.