التنوع البيولوجي لأرخبيل سقطرى يواجه خطرا متصاعدا

يعد أرخبيل سقطرى في اليمن موقعا استثنائيا من حيث التنوع الكبير في نباتاته ونسبة الأنواع المستوطنة فيه من الطيور والزواحف، لكن هذا الكنز البيئي أصبح اليوم مهددا بسبب التغييرات المناخية والرعي العشوائي وتوسع البناء، وهو أمر يستدعي تدخلا سريعا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
سقطرى (اليمن) - تنتشر أشجار “دم التنين” المعمّرة والشبيهة بالمظلات على قمم جبال جزر أرخبيل سقطرى اليمني الوعرة، وتشهد على تنوع بيولوجي فريد من نوعه تتهدّده أزمة بيئية كبرى في بلد فقير غارق في الحرب.
وتتسبّب العواصف التي تزداد شدة سنة بعد سنة، باقتلاع هذه الأشجار التي يشتهر بها الأرخبيل، بينما تقضي قطعان الماعز على الأشجار اليانعة منها، ما يضع النظام البيئي الهش والفريد برمته في مواجهة خطر متصاعد.
ويوضح مدرّس الرياضيات والمرشد السياحي الشغوف بالنباتات والحيوانات أحمد عدنان، “توفّر الأشجار المياه وهي مهمة جدا لحياتنا”، محذرا “من دون الأشجار، سنواجه المشاكل”.
وتقع جزيرة سقطرى في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، وهي أكبر جزر الأرخبيل الذي يحمل الاسم نفسه ويتألف من أربع جزر وجزيرتين صخريتين صغيرتين.
ويسكن سقطرى نحو 50 ألف نسمة. وبفضل موقعه، تمكن الأرخبيل من تجنّب الكثير من ويلات الحرب التي تسبّبت بمقتل الآلاف ودمار هائل في اليمن منذ اندلاعها في 2014.
وأرخبيل سقطرى مدرج على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” منذ 2008 نظرا لكونه “موقعا استثنائيا من حيث التنوع الكبير في نباتاته ونسبة الأنواع المستوطنة” فيه.
وتشير المنظمة الأممية إلى أن “73 في المئة من أنواع النباتات (من أصل 825 نوعًا)، و90 في المئة من أنواع الزواحف، و95 في المئة من أنواع الحلزونيات البرية الموجودة فيه غير موجودة في أي مناطق أخرى من العالم”.
وتوضح على موقعها الإلكتروني، أن الأرخبيل أيضًا يعدّ موطنًا لعشرات الأنواع من الطيور وتزخر الحياة البحرية فيه بالشعاب المرجانية والأسماك الساحلية، كما تصف المنظمة الأممية الأرخبيل بأنه “غالاباغوس المحيط الهندي”، نسبةً إلى الأرخبيل الإكوادوري الشهير عالميًا بغناه البيولوجي الاستثنائي.
وتعدّ شجرة “دم التنين” التي تمتلك فوائد طبية، أكثرها تميّزا، لكن السكان والعلماء على حد سواء قلقون بشكل خاص على مصير هذه الشجرة المعروفة أيضا باسم شجرة “دم الأخوين” التي تواجه من جهة الارتفاع في درجة حرارة الأرض ومن جهة أخرى الرعي غير المنظّم، بالإضافة إلى البناء العشوائي.
ويقول عدنان، “الماعز تأكل الأشجار الصغيرة التي أصبحت محصورة بالمنحدرات وفي الأماكن التي يصعب الوصول إليها”، مشيرا إلى أن الشجرة تستغرق نصف قرن لتصبح قادرة على التكاثر.
العجز عن إعادة زرع الأشجار والعمل على تكاثرها قد يقضي على ما تبقّى منها في غضون بضعة عقود
ويضيف، “لن يمر وقت طويل قبل اختفائها، إذا لم يتم التحرك” لإنقاذها. بحسب عالم الأحياء البلجيكي كاي فان دام، لا يزال الأرخبيل بمثابة “كنز للتنوع البيولوجي”، إلّا أنّ “الوقت اللازم لحماية الأنواع الأكثر تميّزا فيه قد ينفد قريبا”.
وتنتشر الأشجار الميتة في محمية ديكسام قرب جبال هاجر في الجزيرة الرئيسية على ارتفاع 1500 متر بعدما دمّرتها الرياح. ويقول فان دام إنّ العجز عن إعادة زرع الأشجار والعمل على تكاثرها قد يقضي على ما تبقّى منها في غضون بضعة عقود.
وتواجه الأنواع العشرة المختلفة من أشجار اللبان في الجزيرة المصير نفسه. وبحسب دراسة استندت إلى صور مأخوذة من الأرخبيل، انخفضت أعداد هذه الأشجار بنسبة 78 في المئة بين عامي 1956 و2017.
ويوضح عالم الأحياء أنّه “إذا استمر هذا الأمر، فلن ترى الأجيال القادمة أشجار اللبان سوى داخل حدائق نباتية مع لوحة صغيرة كتب عليها: انقرضت في البر”.
ويتعرض كذلك “نظام المناعة في سقطرى للخطر”، لأن تراجع التنوع النباتي سيؤدي إلى المزيد من تآكل التربة والانهيارات الأرضية، وفقا للعالم.
وبدأ سكان الأرخبيل يشعرون بالفعل بعواقب تغيّر المناخ، يقول عبدالله أحمد، وهو أحد سكّان قرية صيادين يبلغ عدد قاطنيها 40 نسمة “حطّمت العواصف الأخيرة نوافذ منازلنا”، مضيفا، “كانت الرياح الموسمية الأخيرة الأسوأ التي شهدناها”.
وخوفا من ارتفاع منسوب المياه والانهيارات الأرضية، قرّر المجتمع الصغير بناء قرية جديدة أكثر بعدا عن مياه المحيط.
ويبذل السكّان كل ما في وسعهم لحماية جزرهم وقراهم. فعلى سبيل المثال، أقاموا مشتلا بحجم ملعب كرة قدم في محاولة لحماية أشجار “دم التنين” من الماعز. وتوجد فيه العشرات من الشتلات هي ثمرة 15 عاما من الزرع.
ويقول عدنان أحمد، “إنها مجرّد بداية، لكننا بحاجة إلى المزيد. نحن بحاجة إلى الدعم”، مشيرا إلى وجود العشرات من النباتات إلى جانب الأشجار في المشتل بعد 15 عاما من انطلاق المشروع.
وترعرعت سعدية عيسى سليمان عند بحيرة مصنّفة كأرض رطبة ذات أهمية عالمية وفقا لاتفاقية رامسار، المعاهدة الدولية للحفاظ على هذا النوع من الأراضي.
وتقول المرأة البالغة من العمر 61 عاما والتي عايشت التغيير، “شاهدت كيف تغيّرت البحيرة”، متحدّثة عن ظهور قطع من الأشجار والبلاستيك وشبكات الصيد في مياهها.
وتتابع، “قال الجميع إن طرفا آخر سيأتي ليفعل شيئا ما. لكنني قلت: كفى، سأفعل ذلك بنفسي، وسيرى الناس الفرق”.
وتقود سليمان حملات من أجل حظر صيد الأسماك، وتجمع الأموال لحماية الأشجار بينما تسعى لجمع القمامة من أنحاء الجزيرة. ويشاركها العلماء القلق نفسه، ويسعون لضمان ألا تصبح سقطرى في المستقبل مجرد موقع لدراسة اختفاء التنوع البيولوجي.
ويقول فان دام “سقطرى هي الجزيرة الوحيدة في العالم التي لم تختف فيها زواحف أو طيور أو نباتات خلال المئة عام الماضية. علينا أن نتأكد من أن هذا الأمر سيستمر”.
