المعاناة من الالتهاب سمة أساسية للإصابة بالاكتئاب

دراسة حديثة تبيّن أن  الارتباط الجيني بالاكتئاب يرجع في الغالب إلى مؤشر كتلة الجسم وما إذا كان الشخص يدخن أم لا.
الخميس 2021/05/20
المجال مفتوح أمام طرق جديدة للعلاج

لندن - كشفت أكبر دراسة من نوعها أجريت على عينة تتكون من أكثر من 85 ألف شخص في المملكة المتحدة أن خطر الإصابة بالاكتئاب يرتبط بالمستويات المرتفعة من الالتهابات في الجسم، ما قد يفتح المجال لإيجاد طرق أخرى لعلاج اضطراب المزاج.

وقالت عالمة النفس ماريا بيتارولي من جامعة كينغز كوليدج لندن في المملكة المتحدة “تقدم دراستنا الدليل الأكثر حسما حتى الآن على أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لديهم بروتينات في دمائهم تشير إلى تنشيط الاستجابة الالتهابية”.

وأضافت من خلال التحليل المتعمق لبيانات أكثر من 85 ألف شخص “اكتشفنا المزيد حول الآليات التي قد تكون وراء العلاقة بين الالتهاب والاكتئاب”.

ومن خلال عينات الدم والبيانات الوراثية واستبيانات الصحة البدنية والعقلية التي تم جمعها كجزء من مشروع بيوبنك في المملكة المتحدة، تمكن الباحثون من التحكم في عوامل مثل العمر والجنس ومؤشر كتلة الجسم (BMI) والتدخين وشرب الكحول والتجارب الصادمة لمقتبل العمر والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

وهذه العوامل أوضحت جزئيا الرابط بين الالتهاب والاكتئاب، في حين لم يتوفر الدليل لإثبات أن أحدهما يسبب الآخر بشكل مباشر.

وقال الباحثون المشرفون على الدراسة إنه من الممكن أن يكون هنالك رابط بيولوجي مباشر في مكان ما لم يتم اكتشافه بعد.

ويعد الالتهاب أحد دفاعات الجسم الرئيسية ضد أي هجوم سواء من العدوى الفايروسية أو الصدمة، أو قد يكون داخليّا مثل تلك التي تتمّ ملاحظتها في أمراض المناعة الذاتية، ولكن إذا تُرك دون تشخيصه ومعالجته، فإنه يمكن أن يسبب الكثير من الضرر من تلقاء نفسه.

عوامل بيولوجية واجتماعية كشفت الرابط بين الالتهاب والاكتئاب، لكنها لم توفر الدليل لإثبات أن أحدهما يسبب الآخر

وقام فريق البحث بقياس مستوى بروتين سي التفاعلي CRP باستخدام عينة دم تم سحبها من أوردة بعض المشاركين في الدراسة، فعثروا على مستويات CRP مرتفعة لدى حوالي 31 في المئة (النسبة تتطابق مع دراسات أخرى) من الأفراد الذين أبلغوا عن تعرضهم لاضطراب اكتئابي كبير (MDD) في مرحلة ما من حياتهم، مقارنة مع أولئك الذين لم يبلغوا عن ذلك.

وقام الباحثون أيضا بحساب درجة الخطر متعدد الجينات للمشاركين في الدراسة، وهو مقياس لمدى احتمالية إصابة شخص ما بحالة تعتمد بالأساس على الجينات وحدها.

وفي حين أن درجة المخاطر الجينية المتعددة لدى أولئك الذين عانوا من اضطراب اكتئابي كبير كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمستويات المرتفعة من بروتين سي التفاعلي، فإن هذا الارتباط قد اختفى عند التحكم في مؤشر كتلة الجسم والتدخين.

وبعبارة أخرى، يبدو أن الارتباط الجيني بالاكتئاب يرجع في الغالب إلى مؤشر كتلة الجسم وما إذا كان الشخص يدخن أم لا.

وهذا الارتباط مشابه في القوة لتلك التي لوحظت بين الالتهاب وأمراض المناعة الذاتية الثلاثة: تليف الكبد الصفراوي، ومرض كرون، والتهاب المفاصل الروماتويدي.

وقالت عالمة الأوبئة الجينية كاثرين لويس من جامعة كينغز كوليدج لندن “تسلط دراستنا الضوء على كيفية استخدام الجينات كأداة لتشريح اضطرابات الصحة العقلية”.

Thumbnail

وأضافت لويس “لقد أظهرنا هنا أن المساهمة الجينية للالتهاب في الاكتئاب تأتي في الغالب من عادات الأكل والتدخين، وهذه النتيجة مهمة لمساعدتنا على فهم الاكتئاب بشكل أفضل لتحسين رعاية الأشخاص المصابين به”.

أما المرحلة التالية بالنسبة إلى الباحثين فتتمثل في محاولة اكتشاف الصلة بين الالتهاب والاكتئاب، إن وجدت.

ويقر الباحثون بأن “عوامل الخلط النفسي والإكلينيكي غير المعروفة أو التي لم يتم قياسها”، مثل التعرض لاكتئاب الحامل أثناء النمو في الرحم، أو النظم الغذائية غير الصحية، يمكن أن تفسر أيضا النتائج التي توصلوا إليها.

وبالرغم من أنه قد تم الربط بين الالتهاب والاكتئاب في العديد من الدراسات السابقة، فإن ما وراء هذا الارتباط يظل غامضا، فقد يكون هناك شيء لم يتم اكتشافه بعد يسبب كلا من الالتهاب والاكتئاب، أو أن أحدهما يزيد بطريقة ما من خطر الإصابة بأحدهما.

وقال عالم الوراثة ديفيد كيرتس من جامعة كوليدج لندن الذي لم يشارك في الدراسة، إنه “يشك” في أن يؤدي الالتهاب إلى لعب دور رئيسي في الإصابة بالاكتئاب.

وأضاف كيرتس “بالتأكيد لا يوجد ما يشير إلى أن الناس يجب أن يحاولوا علاج اكتئابهم بالأدوية المضادة للالتهابات”. وأوضح “عدم وجود تأثير مؤكد للالتهاب على الاكتئاب، فإن هذه الأدوية قد تكون لها آثار جانبية خطيرة بينما مضادات الاكتئاب آمنة وفعالة، ويُعتقد أن الأدوية المضادة للالتهابات مسؤولة عن عدة آلاف من الوفيات كل عام في الولايات المتحدة”.

17