زيادة رسوم الدراسة الجامعية تهدد مستقبل الطلاب في لبنان

باتت الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي تضرب مختلف مفاصل الحياة، هاجسا مزعجا للطلاب حيث فرض تهاوي سعر الصرف ضغوطا على الأسر التي تتقاضى أجورها بالليرة وتدفع رسوما جامعية بالدولار، مما هدد مستقبل الآلاف من الطلاب في ظل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع التكلفة.
بيروت - قوضت زيادة رسوم الدراسة الجامعية فرص طلاب لبنان في التعليم الخاص حيث باتت هذه الأزمة تهدد بإبعاد عدد كبير منهم عن مدرجات الجامعات نظرا لتهاوي سعر صرف الليرة الذي تسبب في فجوة مالية عقّدت الإيفاء بالالتزامات بالدولار.
وعبر عدد من الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الأجنبية الخاصة في لبنان عن استيائهم من هذه الأزمة التي لم تستثن أيضا الطلاب في الخارج.
وأعرب علي سليم البالغ من العمر 21 عامًا عن إحساسه بالإحباط، ذلك أنه يشعر بأن مهنته التي يحلم بها في الطب قد تنتهي من قبل أن تبدأ، عندما أعلنت الجامعة الأميركية في بيروت أن تكلفة الدراسة فيها ستتجاوز الضعف.
ومثل معظم اللبنانيين يحصل والداه على رواتبهما بالعملة المحلية، التي تراجعت قيمتها مقابل الدولار بسبب الانهيار المالي للبلاد، مما جعلهما غير قادرين تمامًا على تلبية الزيادة بنسبة 160 في المئة في الرسوم الدراسية لابنهما.
وعززت الجامعة الأميركية في بيروت المساعدات المالية للطلاب، لكنها قالت إن الأزمة جعلت رفع الرسوم أمراً لا مفر منه.
وسرعان ما حذت مدرسة عليا أخرى -الجامعة اللبنانية الأميركية- حذوها، مما أثار مخاوف من أن آلاف الطلاب مثل سليم قد يُحرمون من التعليم العالي الخاص في دولة لا يوجد فيها سوى البديل الحكومي الذي يعاني من نقص التمويل والدعم. لذلك اجتمع الطلاب معًا وتعهدوا بالقيام برد فعل.
وإلى جانب العشرات من زملائه الطلاب رفع سليم دعوى قضائية في فبراير لدفع الرسوم بالسعر الرسمي البالغ 1500 ليرة لبنانية للدولار، بدلاً من السعر شبه الرسمي البالغ 3900 ليرة للدولار الذي تستخدمه الجامعات.
وقال سليم في تصريحات صحافية “إنها ليست مجرد معركة من أجل التعليم، إنها معركة من أجل إحقاق الحق وحث النظام القضائي على حماية الفئات الأكثر ضعفاً”.
160 في المئة
نسبة ارتفاع رسوم الدراسة في الجامعات الأجنبية في بيروت
وعندما بدأ الطلاب في الدفع بالسعر الرسمي رفضت الجامعة الأميركية في بيروت مدفوعاتهم وقالت إنهم سيحتاجون إلى دفع السعر الجديد، وإلا لن يتم قبول طلبات التقديم الخاصة بهم.
وقام الطلاب بعد ذلك برفع قضيتين: إحداهما تؤكد حقهم في دفع الرسوم بسعر الصرف الرسمي، والأخرى تطالب بوقف جميع المدفوعات حتى تسوية القضية الأولى.
وقضت محكمة للأمور المستعجلة لصالحهم في القضية الثانية، قائلة إن الجامعة الأميركية في بيروت لا يمكنها استبعاد الطلاب حتى صدور حكم نهائي بشأن ما إذا كانت مدفوعاتهم قانونية.
وقال مكتب الاتصالات في الجامعة الأميركية في بيروت إنه لم يترك أي طالب الجامعة بسبب ارتفاع الأسعار وأن أكثر من 99 في المئة من الطلبة دفعوا رسومهم.
ولم يرد وزير التربية والتعليم طارق مجذوب على طلب للتعليق.
وبينما تفكر جامعات أخرى في رفع الرسوم أيضا يمكن أن تكون لقرار المحكمة آثار بعيدة المدى على عشرات الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء البلاد.
وقال جاد هاني البالغ من العمر 20 عامًا، وهو خبير اقتصادي في الجامعة الأميركية في بيروت، “نتطلع أساسًا إلى تأمين شبكة أمان اجتماعي تحمي الطلاب. ولكن هذا غير موجود في الوقت الحالي”.
وبعد ارتفاع الأسعار ارتفعت الرسوم الدراسية السنوية للحصول على درجة الآداب والعلوم من حوالي 35 مليون جنيه إلى حوالي 90 مليون جنيه.
الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة شهرياً، أي ما يعادل 8.1 مليون ليرة في السنة. ولأن الأزمة تقوض دخل الأسرة يبدو أن الكثير من الطلاب يفضلون الجامعة اللبنانية الممولة حكوميًا على المؤسسات الخاصة. ويعد تغيير رئيسها، فؤاد أيوب، مرتبطا بالعوامل الاقتصادية.
وقال أيوب “انضم حوالي 5 آلاف طالب هذا العام، بعد الإعلان عن ارتفاع الأسعار، وهو أكثر بكثير من متوسط الاستيعاب مما أدى إلى تضخم إجمالي عدد الطلاب إلى 87 ألفاً”.
وذكر أيوب أن الجامعة لا تستطيع استيعاب هذا العدد لأن ميزانيتها لم تتغير لكن قوتها الشرائية انهارت بالتوازي مع انهيار العملة المحلية.
وأضاف أيوب إن الجامعة واجهت صعوبة في شراء حتى الأساسيات -مستلزمات المعامل والإلكترونيات والكتب- حيث أرجأ الموردون المزايدة على العقود خوفًا من تقلب سعر الصرف، وقال “نقنن استخدام الورق. الوضع صعب للغاية”.

والجامعة اللبنانية ليست الوحيدة التي تعاني من مشاكل مرتبطة بالدولة اللبنانية المفلسة بشكل متزايد.
وقالت الجامعة الأميركية في بيروت إنها مدينة بحوالي 150 مليون دولار للدولة، مما يجعل وضعها المزري أسوأ.
وقالت الجامعة في تعليقات مكتوبة “الجامعة الأميركية في بيروت، مثل باقي أنحاء البلاد، عليها أن تتغلب على أزمة ليست من صنعها ومن دون أي دعم”.
ومع ذلك عززت الجامعة الدعم المالي مما أدى إلى خفض تكاليف التعليم، الأمر الذي ساعد حوالي 4 آلاف طالب مسجل بالجامعات هذا العام الدراسي، أي بمعدل واحد من كل اثنين تقريبًا.
ولضمان استمرارها لمدة 150 عامًا أخرى، قالت المؤسسة إنه ليس لديها خيار سوى رفع سعر الصرف، وأصرت على أن السعر شبه الرسمي الجديد -المستخدم في المعاملات في البنوك التجارية- لا يزال على أي حال أقل بكثير من سعر السوق المتقلب.
طلاب لبنان يخوضون معركة من أجل إحقاق الحق وحث النظام القضائي على حماية الفئات الأكثر ضعفًا
ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للانهيار المالي في البلاد، قال الطلاب إنهم شعروا بضرورة مساعدة بعضهم البعض.
وتقول رزان هيشي، البالغة من العمر 19 عامًا، وهي طالبة في هندسة البرمجيات في الجامعة الأميركية في بيروت، إنها اختارت الانضمام إلى المعركة القانونية بشأن سعر الصرف بدافع التضامن وليس الحاجة. وقالت هيشي “إنه واجب أخلاقي بالنسبة إلي للمساعدة في حماية الآخرين الذين قد يحتاجون إلى هذا الآن. وإذا استمر هذا الاتجاه، فكيف يُفترض أن يتحمل أي منا تكاليف التعليم في المستقبل؟”.
ويكافح طلاب لبنان في الخارج أيضا إشكاليات كثيرة نظرا لتقييد البنوك للسحب مما أجبر الأهالي على عدم سحب كامل المستحقات، الأمر الذي تسبب في ضائقة مالية لأبنائهم الطلاب الذين تعسّر عليهم سداد أقساطهم الجامعية.
وفي غضون ذلك ينفذ أهالي الطلاب اعتصامات دورية أمام البنوك التي رفضت تنفيذ قانون أقره البرلمان في وقت سابق يتم بمقتضاه تحويل مبلغ لا يتجاوز عشرة آلاف دولار لكل طالب جامعي خارج لبنان وفق سعر الصرف الرسمي للدولار.
واعتاد لبنان أن يفخر بنظام التعليم فيه، وكانت البعثات التبشيرية الأميركية والفرنسية قد أقامت مدارس وجامعات في القرن التاسع عشر أصبحت منصات لدفع الطلبة اللبنانيين إلى استكمال دراساتهم في الخارج، وهو ما أصبح الآن حلما صعبا للجميع باستثناء الأثرياء الذين تمكنوا من الاحتفاظ بما يكفي من ثرواتهم خارج لبنان.
ويواجه بعض الطلبة صعوبات في تلبية احتياجاتهم حتى في دول منخفضة التكاليف نسبيا مثل روسيا.
