"الفزعة" القبلية تغذي عنف الشباب في الجامعات الأردنية

تسيطر العقلية العشائرية على التعامل بين الطلبة داخل الجامعات الأردنية، وتعتبر السبب الرئيسي في انتشار العنف الجامعي وخروجه عن السيطرة، ويعززه نظام القبول الجامعي المبني على “المكرمات” وليس المعدل التعليمي.
عمان - تشهد الجامعات الأردنية أعمال عنف ومشاجرات طلابية لتصبح ظاهرة مقلقة للمجتمع والعاملين في الجامعة والأكاديميين، ويخشى الكثيرون من أنها باتت معيارا لتدني قيمة التعليم مع تراجع تصنيف الجامعات الأردنية عالميا.
وينفرد الأردن إلى حد كبير بين البلدان العربية في حجم أعمال العنف التي تشهدها الجامعات. وتعتبر الظاهرة امتدادا للعنف الاجتماعي، من أبسط تجلياته إلى المستويات العالية التي تتضمن إطلاق الرصاص وإشعال الحرائق والتكسير وحتى محاولة القتل والطعن، فما أن تبدأ مشكلة بسيطة حتى تصبح شرارة لوقوع خلاف بين عدد من الشباب مهما كان السبب صغيرا.
ولا ينتهي الخلاف دون أن تأتي مواكب الدعم والمؤازة والمناصرة أي “الفزعة” من أبناء العشيرة الواحدة ليتحول الأمر إلى حالة من الهستيريا الجماعية والضرب والطعن والشتم والتحقير لتمتد للأهل ويتطوّر الأمر في بعض الأحيان إلى حدوث النزاع والصراع الاجتماعي والتشرذم والفتن ما بين أفراد العائلة والأسرة والعشيرة الواحدة وبين العشائر.
وتسيطر العقلية العشائرية على التعامل بين الشباب داخل الجامعات؛ فابن المنطقة يقف غالباً إلى جانب الطالب المعتدي ويؤجج المشكلة بدلا من ردعه، في حين أن المفترض أن يمتلك طلاب الجامعات الوعي والمسؤولية لتغيير العادات السلبية في المجتمع الأردني لا تغذيتها ومفاقمتها.
وغالباً ما يتم ربط الشرف القبلي بسلوك الفتيات؛ وتندلع في أحيان كثيرة شجارات على خلفية اتهام فتيات من قبيلة معيّنة بمواعدة شبّان من قبيلة أخرى. وكثيرا ما اندلع شجار في الجامعات عندما يرى طالب قريبةً له تتحدّث مع شبّان من قبيلة أخرى، وتمتدّ الشجارات القبلية إلى خارج حرم الجامعات وتتسبّب في أضرار في المدن المحيطة بها.
وقالت مها العثمان “هذه الظاهرة مقلقة بشكل عنيف في مجتمعنا وخصوصا مكان حدوثها بالجامعات.. دليل على عدم وعي طلاب الجامعات”.
وأضافت العثمان وهي طالبة في جامعة مؤتة في محافظة الكرك، أن العنف الجامعي بات يأخذ شكلا من أشكال التخبط الاجتماعي وانعدام المسؤولية عند طلبتنا الجامعيين ولا يفكر الشاب منهم بعواقب مثل هذا السلوك من بث النزاع والفرقة بين كافة أطياف المجتمع.
وفي إحدى المرات شارك المئات من الطلاب في شجار اندلع على خلفية انتخابات مجلس الطلبة، وأُضِرمَت خلاله النيران في سيارة للشرطة، كما لقي شاب في الحادية والعشرين من العمر مصرعه خلال محاولته الهروب من العنف متأثّراً بأزمة قلبية أصيب بها جرّاء مشاكل مزمنة في القلب.
ويشكل هذا العنف تهديداً ليس لقدرة الشباب على التعلّم وحسب، إنما أيضاً لتطلّعات الأردن إلى بناء منظومة جامعية تنسجم مع الخطاب الأردني عن اقتصاد المعرفة.
وكشفت دراسة حول العنف الطلابي في الجامعة الأردنية أن التعصب القبلي يحتل المرتبة الأولى من حيث أسباب العنف داخل الجامعات بنسبة 91.9 في المئة.
ووفق الدراسة، فإن عدم الخوف من العقاب يأتي بالمرتبة الثانية بنسبة 85.2 في المئة، ثم عدم استثمار وقت الفراغ بنسبة 69.4 في المئة، وقبول طلبة بمعدلات متدنية بنسبة 48.2 في المئة.
وشملت الدراسة التي أعدها الدكتور صلاح حمدان اللوزي ويحيى الفرحان ونشرت في مجلة العلوم الاجتماعية الصادرة عن الجامعة الأردنية عينة من 629 طالبا وطالبة في الجامعة لاستطلاع آرائهم حول أسباب العنف الطلابي.
انطباع سلبي

ووافق 76.6 في المئة من الطلبة على أن التنشئة غير السوية هي سبب العنف، و32 في المئة أرجعوه إلى ضعف العبء الدراسي، و55.2 في المئة إلى الصدمة الاجتماعية، و47.9 في المئة إلى عدم المعرفة بالتعامل مع الإناث.
وبينت الدراسة أن الطلبة الأكثر التزاما بالقانون والاجتماعيين والذين يجيدون إدارة الوقت لا يمارسون العنف، وعادة ما تتركز هذه السمات في الطالبات الإناث.
ولخصت الدراسة نتائج العنف الطلابي بضعف الشعور بالأمن بين الطلبة بنسبة 83.5 في المئة، والتأثير السلبي على عملية البناء بنسبة 76.3 في المئة، وتخريب الممتلكات الجامعية بنسبة 91.1 في المئة، وخلق سمعة سيئة عن الجامعة بنسبة 91.9 في المئة، والاستغلال السلبي من قبل الإعلام بنسبة 83.5 في المئة، وترك انطباع سلبي لدى الطلبة الأجانب بنسبة 84.6 في المئة، وترك سمعة سيئة عن الأردن بنسبة 73.8 في المئة.
ولفتت الدراسة إلى أنه رغم أن الجامعة الأردنية تقع في عمان التي شهدت نهضة حداثة خلال العقود الماضية، إلا أن غالبية المشاجرات والعنف التي تقع في داخل حرمها يعودان إلى أسباب قبائلية وعشائرية.
نظام المكرمات يؤدي إلى المزيد من عدم المساواة في نوعية التعليم التي يحصل عليها الشباب من مختلف الخلفيات
ويرى بعض الشباب أن ظاهرة العنف الجامعي هي نتيجة عدة عوامل مجتمعة مع بعضها البعض منها الفراغ والتعصب القبلي والخلافات الشخصية على الأمور البسيطة ومعاكسة الطالبات وحب الظهور وقلة الدراسة، فإذا كان هناك استغلال لوقت الشباب عموما لما تفرّغ للعنف.
ويقترحون على الجامعات التركيز على استغلال الطالب لفراغه الجامعي وبنسبة لا تقل عن 85 في المئة في دراسته وهذا يتطلب أن يكون هناك حزم بالعلامات وبوضع هذه الدرجات من قبل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات حتى يدرك الطالب أن وقته من ذهب ويجب عليه استغلاله في الدراسة وإلا سيكلفه التراجع الدراسي الكثير ماديا ومعنويا، خصوصا في ظل الظروف الراهنة.
ويقول الطالب أمين حمدان من جامعة الأردن “الجميع يعرف أسباب العنف في الجامعات، وإذا بقينا نناقش هذا الموضوع طيلة سنوات لن يتم حله، يجب أولا معالجة المشكلة الأساسية وهي العشائرية في هذا البلد، ثم يمكن النظر في الأسباب الأخرى”.
وأضاف حمدان أنه ما دامت العشائرية موجودة ستبقى المشكلة موجودة مهما جرى نقاشها. ويرتبط العنف في الجامعات الأردنية مباشرة بالخصومات القبلية التي يزيد من حدّتها الدور الذي يؤدّيه النفوذ القبلي في السياسات الوطنية المعتمدة في قبول الطلاب في الجامعات وفي القرارات التي تتّخذها الإدارات الجامعية.
وتساهم هذه السياسات في اندلاع أعمال العنف، فهي تمنح الطلاب المنتمين إلى بعض القبائل أو الخلفيات القبول والمنح الدراسية من خلال سياسات التمييز الإيجابي واسعة النطاق (المكرمات)، بما يؤدّي إلى قبول طلاب ذوي مستوى أكاديمي متدنٍّ في الجامعات الوطنية.
ويعتبر هؤلاء الطلاب عادةً الأكثر ضلوعاً في أعمال العنف في الجامعات، ربما لأنهم قادمون من مناطق حيث يُعتبَر العنف رداً مناسباً للدفاع عن الشرف القبلي. وقد حاولت بعض الجامعات، لاسيما جامعة الأردن، خفض عدد الطلاب المقبولين بموجب نظام المكرمات، رغم أنها لم تنجح دائماً في ذلك. لكن إذا ظلّ العنف يتحوّل أكثر فأكثر نحو الجامعات التي تستمر في قبول أعداد كبيرة من الطلاب عن طريق المكرمات، فقد يؤدّي ذلك إلى المزيد من عدم المساواة في نوعية التعليم التي يحصل عليها الطلاب من مختلف الخلفيات.
عجز عن الضبط
يقول حمدان “لم يتضح إلى غاية الآن أن المتلبسين بالعنف الجامعي هم من المتفوقين أو أصحاب المعدلات المرتفعة في التوجيهي بل هم من أصحاب المعدلات المتدنية والذين أسعفتهم المنح والمكرمات بأن يصبحوا طلاب جامعات على حساب غيرهم من المتفوقين الذين ليست لهم مقاعد جامعية بسبب ضيق الحال”.
ويتساءل حمدان “من أولى بالمكرمات هؤلاء الذين وصموا البلاد وصمة عار بهذا العنف وهذه المشاجرات أم أصحاب المعدلات المرتفعة الذين لا حظ لهم بالمكرمات”.
ويسلّط عجز الأردن عن ضبط العنف في الجامعات الضوء على وجود تجاذب شديد في قطاع التعليم العالي الأردني، بين رغبة الجامعات في تقديم نموذج تربوي عصري قائم على المساواة من جهة والضغوط التي تمارسها الروابط القبلية والعائلية والتي تتيح للبعض التفلّت من القوانين البيروقراطية من جهة أخرى.
ويبدو أن نظام العقوبات في الجامعات غير فاعل وغير رادع، ما يجعل الطالب المعتدي غير مكترث. لذلك يطالب الكثيرون بتشديد العقوبات لتكون أكثر ردعا وعبرة لمن تسول له نفسه أن يقدم على افتعال مشاجرة أو عنف.
وقد تمارس الحكومة سياسات حازمة، لكن سلطة قبول الطلاب ومعاقبتهم وطردهم تبقى في أيدي مديري الجامعات الذين تقع على عاتقهم مقاومة الضغوط التي تمارسها القبائل النافذة، كي يتمكّن الأردن من لجم العنف في الجامعات.
وعندما يخضع المديرون للضغوط القبلية ويُعيدون قبول الطلاب الضالعين في أعمال العنف في الجامعات، لا يُهدّدون سلامة الطلاب الآخرين وحسب بل أيضاً سمعة قطاع التعليم العالي في الأردن، واضعين بذلك المصالح القبلية الضيّقة فوق المصلحة الوطنيـة العليا. وُتهدّد هذه الحوادث سمعة الأردن كدولة مصدِّرة للتعليم العالي في المنطقة، والأهداف الأوسع المتمثّلة في بناء منظومة جامعية قادرة على المنافسة على الساحة العالمية. حيث يدرس الآلاف من الطلاب الأجانب في الأردن، وعدد كبير منهم يدفعون أقساطاً أغلى بكثير من أقساط الطلاب الأردنيين، كما أن حضورهم يساهم في تعزيز سمعة البلاد في المنطقة على المستوى التعليمي.
وبلغ عدد الطلبة العرب والأجانب في الأردن 44734 طالباً للعام الجامعي 2018 - 2019، يمثلون 105 من دول العالم المختلفة، وفقا لآخر إحصائية للوزارة.
ويتوزع هؤلاء الطلاب في الجامعات الرسمية والخاصة. لكن المسؤولين في الجامعات بدأوا يدقون ناقوس الخطر محذرين من أن العنف الجامعي بات يدفع الطلاب العرب للتوجه نحو جامعات خارج الأردن.
قنوات اتصال
اقترحت الدراسة طرقا للسيطرة على العنف في الجامعات، وحددتها بوسائل وقائية تتمثل في زيادة النشاطات اللامنهجية، ونشر التوعية بين الطلبة حول الوحدة الوطنية، وإعادة نظر الجامعات في سياسات القبول فيها، ونشر التوعية حول الأثر السلبي للعنف، ونشر أسماء الطلبة المشاركين في أعمال العنف، وتفتيش زائري الجامعة من غير طلبتها، كما أن الطلبة المفصولين من الجامعة لأسباب تتعلق بممارسة العنف أو سلوكيات أخرى مشينة يجب ألاّ يقبلوا في جامعات أخرى.
ومن المهمّ عقد لقاءات أكثر بين الطلبة وكلياتهم وأقسامهم، وتصميم ملصقات لتعزيز التعايش ونشرها بين الطلبة.
ويجب الحد من اكتظاظ الطلبة في قاعات التدريس، بسبب الزيادة عن العدد المقرر وفقا للمعايير العالمية. فسعة الجامعات الحكومية تزيد عن الطاقة الاستيعابية المقررة لها، لأسباب مالية دفعتها إلى ذلك، فانعكس ذلك سلبا على المدرّس والطالب.
وعلى إدارات الجامعات فتح قنوات اتصال مع الطلبة مباشرة من خلال اللقاءات والاجتماعات الدورية، والاستماع إلى قضاياهم واحتياجاتهم وما يجول في خواطرهم؛ وكذلك من خلال استبيانات متضمنة لأسئلة محددة توزع على الطلبة حول سير العملية التعليمية بعناصرها كافة.