اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة: لبنان في خطر

العديد من اللبنانيين يعملون لخدمة لبنان بالتنسيق مع مراكز سياسية أميركية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.
الثلاثاء 2021/05/11
بول سالم صوت لبناني مؤثر في الولايات المتحدة

واشنطن – ينشط اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة بشكل فاعل في الأوساط السياسية ومراكز القرار الأميركي، كما مراكز الأبحاث والدراسات المتعلقة بلبنان والشرق الأوسط. وللمنتشرين اللبنانيين في أميركا الشمالية والجنوبية وسواها من بلدان الانتشار الأخرى مثل أستراليا وكندا والبرازيل والمكسيك دور أساسي في دعم لبنان في هذه الظروف الصعبة والمصيرية التي تهدّد سيادته واستقلاله ومصيره. وقد تحدّث البابا فرنسيس عن “خطر وجودي” يهدّد لبنان قد يؤدي إلى غيابه أو تفكّكه.

لقد عرف الاغتراب اللبناني على مرّ الزمان شخصيات سياسية وأدبية وثقافية مبدعة. وشكّل المغتربون اللبنانيون على الدوام قوة فاعلة وقادرة ومساندة للدول التي تعيش فيها. النابغة اللبناني جبران خليل جبران قال يومًا أمام مدينة نيويورك حيث كان يعيش “أيتها المدينة نحن المهاجرون القادمون من لبنان لسنا هنا فقط لنأخذ منكِ، بل جئنا أيضًا لنعطيكِ”.

يقيم اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة علاقات وثيقة مع الطاقم الأساسي في الإدارة الجديدة، بدءًا من وزير الخارجية في إدارة الرئيس بايدن أنتوني بلينكن الذي يعمل جاهدًا لتفعيل العلاقات الأميركية – اللبنانية ودعم لبنان سياسيًا واقتصاديًا وفق رؤية وخطة اللوبي اللبناني والشخصيات الأساسية التي تتمحور وتنشط في هذا الإطار.

أولاً، يشكل “معهد الشرق الأوسط” الذي يرأسه بول سالم (ابن وزير خارجية لبنان السابق إيلي سالم) عنصرًا أساسيًا لدعم لبنان عبر دراسات أكاديمية تتعلق بأوضاع لبنان والمنطقة بأسرها. إلاّ أن الاهتمام بالأوضاع اللبنانية هو أساسي وأولي، أي أنه يتقدّم على سواه من القضايا، خاصة أن رئيس المعهد يتمتع بخبرة واسعة في القضايا اللبنانية كأستاذ جامعي ثم رئيسًا لمعهد “كارنيغي” الأميركي في بيروت والذي يهتمّ بإجراء أبحاث ودراسات يتعلق معظمها بالوضع اللبناني وقضايا المنطقة.

رئيس معهد الشرق الأوسط بول سالم يرى في رسالته أن الحياد الفاعل هو المدخل الأساسي لقيامة لبنان

ويقيم المعهد رئيسًا وأعضاء علاقات مميّزة مع الإدارة الأميركية الجديدة، وخاصة مع وزير الخارجية الذي يحاول دومًا الاستفادة من رأي الباحثين في المعهد حول تصوراتهم لحلّ المشاكل اللبنانية الحالية وطرح رؤىً مستقبلية للبنان الذي يتخبّط في أسوأ أزمة اقتصادية مالية وسياسية عرفها في تاريخه.

وقدّم المعهد مؤخرًا ورقة عمل إلى الإدارة الأميركية الجديدة يطلب فيها المساعدة لتشكيل حكومة لبنانية وإجراء إصلاحات وتقديم مساعدات للجيش اللبناني، وكذلك مساعدة لبنان للعمل مع البنك الدولي وتنسيق الجهود في هذا المجال عندما يتمّ تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

ثانيًا، يضم “فريق العمل الأميركي من أجل لبنان” مجموعة بارزة من اللبنانيين المنتشرين في مختلف الولايات الأميركية ومقرّه الرئيس في العاصمة واشنطن، ورئيسه هو إدوارد غبريال اللبناني الأصل والذي عمل سفيرًا للولايات المتحدة في المغرب بين 1997 و2001 في عهد الرئيس بيل كلينتون. وهو رجل متّزن جدًا ويقيم علاقات وطيدة مع مختلف أطراف الإدارة الأميركية. ويعمل هذا الفريق منذ تأسيسه لبناء جسر تواصل بين الولايات المتحدة ولبنان، وهو ينسّق مع القوى والمراكز الأساسية في لبنان. وتاريخ هذا الفريق يشهد له بالإنجازات والمساعدات العديدة التي قدّمها لـ”وطن الأرز” في مجالات عديدة، وخاصة ما يتعلق بدعم مفاصل أساسية بينها الجيش اللبناني، كما استطاع دعم سياسات لبنانية في طليعتها تنفيذ مقررات دولية تتعلق بلبنان.

ثالثًا، تضم مؤسسة (Life Lebanese Diaspora) التي تأسست في لندن منذ سنوات ولها فروع في نيويورك ومدنٍ أخرى شبابًا وشابات لبنانيين منتشرين في العالم أو من أصول لبنانية ينسّقون معًا ويعملون من أجل دعم اقتصاد لبنان. وقد أنجزت بالاتفاق مع معهد الشرق الأوسط وفريق العمل الأميركي من أجل لبنان دراسة وجّهتها إلى الإدارة الأميركية الجديدة تتضمّن مقترحات تفصيلية وموضوعية لمساعدة لبنان ومساندته سياسيًا واقتصاديًا. واقترحت الدراسة أساليب تؤدي إلى وقف الفساد المستشري منذ عقود في النظام اللبناني والإدارة اللبنانية، وإجراء إصلاحات شاملة ومؤثرة وواضحة، وتقديم مساعدات مالية للبنان.

رابعًا، إن العديد من اللبنانيين في الولايات المتحدة يعملون لخدمة لبنان بالتنسيق مع قوى ومراكز سياسية أميركية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها لبنان، بينهم الطبيب اللبناني المعروف البروفسور فيليب سالم الذي يوظّف علاقاته مع شخصيات أميركية فاعلة في هذا المجال. وهو قد عمل مستشارًا طبيًا في البيت الأبيض خلال ولاية جورج بوش (الأب) كما خلال النصف الأول من ولاية الرئيس كلينتون.

وسالم صاحب أفق واسع ولبناني ملتزم “حتّى العظم” في الدفاع عن القضية اللبنانية ويقيم علاقات ممتازة مع أركان الإدارة الأميركية، بينهم مسؤولون أساسيون في الخارجية والدفاع وبالتنسيق مع شخصيات لبنانية مقيمة في الولايات المتحدة، مثل فارس وهبه وتجمع” لبناننا الجديد”، كما بالتعاون مع مؤسسات أميركية هامة تهتمّ بالشأن اللبناني، خاصة معهد الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات.

علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية الجديدة
علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية الجديدة

ويحظى سالم بعلاقات متينة مع الجاليات اللبنانية في دول الانتشار. وقد وجّه كتابًا في نوفمبر الماضي إلى لجنة السياسة الخارجية في الكونغرس الأميركي دعا فيها لانعقاد مؤتمر دولي من أجل لبنان، وحدد ثلاثة أهداف لهذا المؤتمر: الهدف الأول هو وضع (خطة مارشال) لبنانية مماثلة للخطة الأميركية لإعادة إعمار أوروبا التي طُبقّت بعد الحرب العالمية الثانية، ضمان سيادة واستقلال لبنان ضمن آلية دولية بإشراف الأمم المتحدة، وضمان حياد لبنان الفاعل من قبل مجلس الأمن.

ويرى سالم “أن مأساة لبنان هي في جغرافيته؛ إذ أنه مصلوب في الشرق بين سوريا وإسرائيل والبحر الأبيض المتوسط ووحده البحر يعانقه بمحبة”. وقد اقترح حديثا على الإدارة الأميركية في مفاوضاتها مع إيران أن تعمل لتوقف التمدد الإيراني في الشرق العربي.

ويشدد سالم في رسالته على أن الحياد الفاعل هو المدخل الأساسي لقيامة لبنان. ويستحضر في رسالته زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في مايو سنة 1997 حين أعلن أن “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة إلى العالم”.

لكن ما هي هذه الرسالة وما مغزاها؟ هنا يجيب سالم بالقول “إنها رسالة التعايش بين الأديان والثقافات المتعدّدة (…) إن لبنان وحده في الشرق العربي هو نموذج للتعددية الحضارية ونموذج لقيم الغرب”. ودعا في رسالته الغرب ألا يدير ظهره للبنان ويتركه يذبل وينهار ويموت، لأن من مصلحته إعادة لبنان إلى الحياة.

ويتواصل البروفسور سالم مع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بأركانها الفاعلين بينهم رئيس الجامعة ستيف ستانتن للتنسيق من أجل دعم لبنان سياسيًا واقتصاديًا وحياتيًا في هذه المرحلة المصيرية من تاريخه؛ والتعاون الكامل مع قوى الانتشار في العالم كلّه لدعم لبنان أولاً، والالتزام الكامل بالقضية اللبنانية وبسيادة لبنان وحريته وديمقراطيته وحياده الفاعل.

7