الهجمات الإسرائيلية على إيران غير مجدية

التخريب والعقوبات الاقتصادية حلول طويلة الأمد للمأزق مع طهران.
السبت 2021/05/01
التصعيد الإسرائيلي لم يحد من طموحات إيران

تمثل العقوبات على البرنامج النووي والنشاط الاستخباراتي الإسرائيلي وعمليات اختراق المنشآت النووية الإيرانية سلاحا ذا حدين لتل أبيب في مواجهة التهديدات النووية الإيرانية. فهي ولئن نجحت فعلا في إبطاء وتعطيل تقدم البرنامج النووي الإيراني كما إضعاف موقف إيران التفاوضي، فإنها لم تردع طموحات إيران النووية بل اعطت النظام في طهران ورقة “الشرعية” التي يقنع بها شعبه بأحقيته في امتلاك السلاح النووي وضرورة تحمل قسوة العقوبات من أجل مستقبل برنامج بلده النووي.

طهران - أدت الأنشطة السرية الإسرائيلية داخل إيران بلا شك إلى تأخير إنتاج المواد التي تحتاجها إيران لصنع قنبلة نووية. وتم نشر الجواسيس قبل أشهر لزرع متفجرات داخل محطة نووية إيرانية، كما شنت إسرائيل هجوما إلكترونيا لتعطيل أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي، واغتيل عالم نووي بارز، كل حادثة من هذه الحوادث يمكن أن تشكل حلقة في قصة تجسس مثيرة.

ومع ذلك تبدو الهجمات الإسرائيلية على إيران غير مجدية ولم تحقق نتائج ناجعة حسب ما لاحظه انشال فوهرا في تقريره على مجلة فورين بوليسي.

وفيما أدت هذه الهجمات السرية، إلى جانب العقوبات التي فرضتها واشنطن في السنوات الأخيرة، إلى إحداث اضطرابات في إيران إلا أنها لم تنجح في إقناع الجمهورية الإسلامية بالتخلي عن طموحاتها النووية تماما. وبدلا من ذلك، فشلت في تغيير نهج إيران في المفاوضات النووية، بل وعززت هذه المحاولات من عزمها على مواصلة تخصيب اليورانيوم وبالتالي تصنيع سلاح نووي.

حادثة نطنز

في 11 أبريل الماضي تسبب انفجار في انقطاع التيار الكهربائي في موقع تخصيب اليورانيوم في نطنز، أحد المنشآت النووية الإيرانية المعروفة. وتوقفت الأنشطة النووية هناك من بضعة أسابيع إلى تسعة أشهر، وفقا لضباط استخبارات إسرائيليين وأميركيين.

ويعد هذا الهجوم الثالث والثاني خلال عام على محطة نطنز النووية. وفي يوليو الماضي انفجرت قنبلة في جزء من المبنى كان ينتج مجموعة جديدة من أجهزة الطرد المركزي مما أخر البرنامج لشهور.

وقال الخبراء إن كلا الهجومين كان من الممكن تنفيذهما فقط من خلال التسلل الجسدي. وقد تم شن الهجوم الأول على نطنز منذ أكثر من عقد. وقام سلاح إلكتروني يسمى “ساكس نت” بتعطيل 1000 جهاز طرد مركزي من إجمالي 5 آلاف جهاز.

وأجهزة الطرد المركزي هي أجهزة أسطوانية تدور بسرعات عالية لعزل اليورانيوم 235، وهو نظير مشع يولد الطاقة عند تخصيبه بنسبة أقل من 5 في المئة ويتحول إلى وقود للقنبلة النووية عند تخصيبه بنسبة 90 في المئة.

الهدف من الهجمات الأخيرة أن تُظهر إسرائيل للولايات المتحدة أنها قادرة على التصدي بمفردها لإيران

وأدى هذا الهجوم إلى تأخير البرنامج لمدة 18 شهرا إلى عامين. وفي نوفمبر الماضي قُتل محسن فخري زاده، وهو عالم نووي إيراني يعتقد أنه العقل المدبر وراء البرنامج النووي الإيراني، بالقرب من طهران بسلاح مسير. وتم اغتيال سبعة علماء ومسؤولين عسكريين إيرانيين آخرين مرتبطين بالبرنامج النووي منذ عام 2007.

لكن لم تؤكد إسرائيل ولم تنف مسؤوليتها عن أي من هذه الهجمات. واعترفت فقط بسرقة مجموعة من الوثائق في عام 2018 والتي كشفت كيف كان فخري زاده يضع خططا مفصلة لمواصلة تطوير قنبلة سرا، وبالتالي انتهاك شروط الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 بين إيران والقوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة سرا.

وأدى نشاط إسرائيل السري بالفعل إلى إبطاء صناعة القنبلة، ويعتقد بعض ضباط المخابرات الإسرائيلية أن هذا هو السبيل الوحيد لاحتواء برنامج إيران النووي. كما يؤكد هؤلاء أن إحياء الاتفاق النووي لن يردع طموحات إيران النووية، ولكنه سيكون بمثابة مكافأة غير مبررة من شأنها إضفاء الشرعية على تخصيب اليورانيوم وتمهيد الطريق لإيران لصنع القنبلة.

ويزعم ضباط المخابرات الإسرائيلية أيضا أن رفع العقوبات سيسمح لإيران ببيع نفطها وملء خزائنها الفارغة واستخدام جزء كبير من السيولة لتمويل ميليشياتها المختلفة في المنطقة. ويقولون كذلك إنه بدلا من التوصل إلى اتفاق، يجب استخدام الضغط الاقتصادي والعسكري لإكراه إيران على الحد من نفوذها في المنطقة.

لكن كثيرين غيرهم يختلفون ويقولون إن الهجمات الإسرائيلية المتكررة فشلت في إقناع إيران بالتخلي عن تصنيع القنابل أو إقناع إدارة بايدن بعقد صفقة أكثر صعوبة في المحادثات التي تم تجديدها مؤخرا.

ووظفت إيران الهجوم الأخير لزيادة تخصيب اليورانيوم من 20 في المئة إلى 60 في المئة، مما أدى إلى تقصير وقت الاختراق اللازم لصنع قنبلة.

إسرائيل شنت هجوما إلكترونيا لتعطيل أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي

ولاحظ علي فايز مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية أن الهجمات الإسرائيلية السرية أدت فقط إلى تأخير ولم تقلص بشكل دائم الأنشطة النووية الإيرانية.

وأشار إلى أنهم إذا استمروا في هذه الهجمات، فإنهم سيشجعون المتشددين الإيرانيين الذين يضغطون من أجل تطوير سلاح نووي.

وقال فايز “أعمال التخريب والعقوبات أدت فقط إلى النمو الهائل لبرنامج إيران النووي. الدبلوماسية فقط هي التي ردعتها”.

في المقابل، دافع يوسي كوبرفاسر، وهو عميد متقاعد في الجيش الإسرائيلي ورئيس الأبحاث في المخابرات العسكرية، عن الأنشطة السرية كجزء من جهد شامل شمل ضغوطا اقتصادية وخيارا عسكريا موثوقا به.

وأوضح كوبرفاسر “إنها سياسة طويلة الأمد، ولا أرى فائدة في السؤال عما إذا كانت السياسة ناجحة أم لا. وفي هذا الوقت، تعمل الأنشطة السرية أيضا على توضيح أن هناك طرقا أخرى للتعامل مع المشروع النووي الإيراني غير شراء الوقت مقابل ضمان مسار آمن لإيران للحصول على ترسانة نووية كبيرة”.

ولطالما عارضت إسرائيل صفقة الاتفاق النووي من دون عرض مخاوف مشروعة.

ومنعت الصفقة، المعروفة رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة، وهي درجة صنع الأسلحة،  فقط حتى عام 2031 ولم تحظر تطوير الصواريخ الباليستية طويلة المدى، والتي من المحتمل أن تطلقها إيران تجاه إسرائيل.

ويصر الإسرائيليون على أن الصفقة ليست حلا سحريا لصراعهم مع إيران وتجلب مخاطر أمنية إضافية مثل توسع الميليشيات الإيرانية على حدود إسرائيل. لكن على عكس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان يحقق الأمنيات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يرغب جو بايدن في تكرار الأمر.

رسائل إلى بايدن

رسائل موجهة للنظام الإيراني
رسائل موجهة للنظام الإيراني

يعتقد محللون ومتابعون أن الهجمات الأخيرة كانت تهدف إلى إيصال رسالة إلى إدارة بايدن أكثر من عرقلة برنامج إيران النووي.

وكانت الفكرة هي ثني الولايات المتحدة عن إجراء محادثات أو على الأقل الاستفادة من عدم قدرة إيران على حماية موقعها النووي للحصول على المزيد من التنازلات في المفاوضات حيث تشعر إسرائيل بالقلق من احتمال انضمام بايدن إلى الصفقة في شكلها السابق. وكان الهدف من الهجمات الأخيرة أن تُظهر إسرائيل للولايات المتحدة أنها قادرة على التصدي بمفردها لإيران، سواء وافق بايدن أم لا.

وقالت سنام وكيل نائب المدير وزميل باحث كبير في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، إن استراتيجية إسرائيل الاستباقية مصممة للضغط على إدارة بايدن للتعامل مع أنشطة إيران الإقليمية، حيث لا يتطلع فريق بايدن حاليا إلى تعديل خطة العمل الشاملة المشتركة. 

واعتبرت أن الهدف في الوقت الحالي هو إجبار إيران للامتثال للصفقة ودحر التقدم في برنامجها. واستبعدت وكيل أن تسعى الولايات المتحدة للحصول على المزيد من التنازلات التي قد تهدئ المخاوف الإسرائيلية. واستنتجت بالقول “في حالة نجاح هذه العملية، فسيكون الهدف، بمرور الوقت، هو تعزيز وإطالة الصفقة لبناء الجداول الزمنية وبعض البنود، وربما حتى معالجة قضية الصواريخ الباليستية العابرة للقارات”.

وكانت إيران قد طالبت الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق أولا، وحينها فقط ستتراجع عن الخطوات التي اتخذتها لتقويض الاتفاق.

وبرأي سيد حسين موسويان خبير أمن الشرق الأوسط والسياسة النووية بجامعة برينستون، فإن إيران امتثلت تماما للاتفاق حتى بعد عام من تراجع ترامب عنها وإن العبء يقع على عاتق الولايات المتحدة لإثبات التزامها أولا. وحذر موسفيان من أن “الحالة النهائية للتخريب الإسرائيلي المستمر ستكون تسليح إيران نوويا، وكسرا لتفوق الإسرائيلي على الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أنه لا يمكن حرمان إيران من الصواريخ بعيدة المدى عندما يكون أعداؤها في المنطقة يمتلكون مخزونا كافيا من الصواريخ.

ويبلغ مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية 2000 كيلومتر كحد أقصى، بينما يبلغ مدى الصواريخ الباليستية الإسرائيلية 5 آلاف كيلومتر.

وفيما يخلص المتابعون إلى أن للتخريب والعقوبات الاقتصادية المطولة تأثيرا تكتيكيا من خلال إضعاف موقف إيران التفاوضي في المفاوضات حول مستقبل برنامجها النووي، لكن يبقى السؤال الاستراتيجي المهم هنا هو ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستفهمان، ومتى، أن أيّا منهما لا يقدم حلا طويل الأمد للمأزق مع إيران.

المنشأت

 

7