"بين الجنة والأرض".. زوجان يخوضان رحلة للطلاق تنتهي بمفاجأة

سينما الطريق هي التي تنطبق على رحلة بطلي الفيلم التي تتميز بالكثير من الواقعية والمفردات اليومية الخالصة.
الأحد 2021/04/25
فيلم جمع بين البساطة في البناء الدرامي والواقعية

هنالك الكثير مما يكتب ويصوّر ويقال عن تلك الرحلة التراجيدية بين الحواجز الإسرائيلية التي يمر الفلسطينيون بتجربتها المرّة كل يوم.

انعدام الثقة وحيثيات الصراع والنظام البوليسي – المخابراتي وشجون البقاء وأصداء الماضي، كلها تتكدّس في تلك الرحلة اليومية ولكنها في هذه المرة مع فيلم “بين الجنة والأرض” رحلة البحث عن الطلاق بين زوجين.

بتلك الأريحية والحوار اليومي الرتيب تبدأ رحلة سلمى (الممثلة منى حوا) مع زوجها تامر (الممثل فراس نصار) في هذا الفيلم للمخرجة الفلسطينية نجوى نجار، باتجاه اجتياز كل تلك المعابر والبوابات الإسرائيلية لغرض الحصول على ورقة الطلاق.

في البدء لا تتضح تماما تفاصيل تلك العلاقة، ويبدو أننا أمام تمثيل فعلي، بل هو عرض يومي لوقائع تكتسب طابعا تسجيليا، فالفيلم مقتصد إنتاجيا إلى أبعد الحدود، والتصوير كله تقريبا في أماكن حقيقية، والممثلون الرئيسيون لا يتعدون أصابع اليدين، إن لم يكن أقل، ومع ذلك احتشدت جهات عديدة ومؤسسات دعم أوروبية وعربية من أجل إنتاجه.

مع انطلاق سلمى وتامر بالسيارة سوف نفهم أنهما بصدد الطلاق، هكذا مباشرة، سوف يتاح لتامر تصريح لمدة ثلاثة أيام يسمح له بدخول الأراضي المحتلة، وصولا إلى مدينة الناصرة، حيث يفترض أن تتم إجراءات الطلاق التي سوف تصطدم بعدم تطابق معلومات قاعدة البيانات الخاصة بتامر مع المعلومات المسجلة في بطاقة هويته.

سوف تكون هذه الحبكة الثانوية سببا لكي يتنقل الزوجان – الطليقان في رحلة عبر مدن وبلدات فلسطينية عديدة يتوقّفان عندها في رحلة البحث عن امرأة يهودية من أصول عراقية، يفترض أن والد تامر كان قد اقترن بها، ويحضر هنا والد سلمى الشيوعي القديم الذي يعرف الكثير من اليساريين وسوف يساعد في العثور على السيدة اليهودية المفترضة.

سينما الطريق هي التي تنطبق على تلك الرحلة التي تتميز بالكثير من الواقعية والمفردات اليومية الخالصة تقدمها المخرجة بعد أن تنتهي من ثيمة الطلاق التي انشغل بها الزوجان إلى نوع من الحوار الموازي مع الواقع ومع شخصيات يلتقونها تباعا وبالمصادفة، ومن خلال تلك الشخصيات يعيشان واقعا مختلفا عن ذلك الذي كانا يعيشانه والذي أصاب علاقتهما بالركود والرتابة.

الاختلاف في طباع الشخصيتين ليس كافيا لمساعي انفصالهما، لم يكن كافيا للذهاب إلى فكرة الطلاق، وهو ما يترسخ في ذهني الزوجين، لكننا أمام إشكالية موازية تتمثل في رحلة الاكتشاف التي سوف تعرّفهما بشاب متصوف ومولع بالغناء، ما يثير غيرة الزوج لاسيما وهو يكشف عن تفاصيل ثقافته الغنائية والصوفية ثم يدعوهما إلى أمسية موسيقية وغنائية، وهي سهرات سوف تتكرّر في الفيلم وتحرّك مشاعر الزوجين.

هذه الرحلة الاستكشافية لا تتحمل الكثير من التفخيم الذي يحمّل به الفيلم في أنه يناقش قضية الوجود والهوية وأن هنالك مستويات للقصة السينمائية متعددة أو ما إلى ذلك.

البساطة في التعبير وفي إدارة الشخصيتين الرئيسيتين كانت علامة فارقة وهما غير معنيين كثيرا بالشعاراتية التي أسبغها بعض من كتبوا عن الفيلم، لاسيما فيما يتعلق بالواقع الفلسطيني، فمشكلة تامر لم تكن كامنة في وجود الاحتلال أو إدانته، بل إن مشكلته في البيانات والمعلومات المتعلقة بشخصه وأسرته التي يجب أن يحصل عليها فضلا عن اقتفاء أثر تلك السيدة العراقية اليهودية المناضلة.

في المقابل وجدنا أن رحلة الطريق قد قادتنا إلى معرفة جديدة بالآخر، ذكرنا مثال ذلك المغني الصوفي ثم الزوجين – السائحين الفرنسيين، اللذين تعطّلت بهما سيارتهما، فيطلبان من الزوجين أن يقلّاهما إلى أقرب محطة للباصات وخلال ذلك يتجادلان ثم يغيبان في قبلة عميقة، وهو أيضا ما يفتح أمام الزوجين نقطة المودّة التي يفتقدانها والجفاف الذي ضرب علاقتهما.

وفي إطار رحلة الطريق تلك سيكون مشهد دخول منطقة قريبة من هضبة الجولان محملا بالكثير من الطرافة، فثمة امرأة تحمل بندقية هي التي تحرس المكان، وهي التي سوف تسمح لهما بنوم تلك الليلة في مكان وفرته لهما، وهي تردد أن مشيا لمدة أقل من ساعة ونصف ساعة سوف يوصلك إلى قلب الشام، إلى دمشق لولا الاحتلال.

ومن جهة أخرى كان الحوار ركنا مهما في الفيلم لاسيما وأنه حوار تميز بالبساطة والكثير من التلقائية أثناء رحلة الزوجين لاقتفاء الأثر، علما أن أية حبكات ثانوية تم وضعها في إطار السيناريو لم توفر سببا قويا لإحداث نقلة نوعية في الأحداث بل إن الفيلم بطابعه الواقعي التسجيلي لا يتحمل أي تصعيد درامي يذكر ولا مشاهد ترقّب وتحوّلات غير متوقعة وإنما كان هنالك هدوء قدر المستطاع يسود أجواء الحوار بين الشخصيتين، وخلال ذلك تبدو الزوجة موجوعة بسبب طبيعة شخصية تامر التي جعلتها غير قادرة على استمرار الحياة الزوجية بينهما بعد مرور خمس سنوات على الزواج.

هنالك الكثير مما يمكن أن يقال ويعرض من خلال دراما وسينما الطريق أما في هذا الفيلم فقد جمع البساطة في البناء الدرامي وقدرا كبيرا من الواقعية التسجيلية التي جعلت الفيلم بلا تعقيدات على صعيد الإنتاج والإخراج والتصوير.

15