الانتخابات الفلسطينية بارقة أمل أخيرة للشباب المنهك

الشباب جزء من الكتلة الكبيرة الصامتة القادرة على حسم نتائج الانتخابات.
الأحد 2021/04/11
طموح الفلسطينيين تحقيق التقدم في جميع المجالات

يتطلع الشباب الفلسطيني إلى الانتخابات التي يشارك غالبيتهم فيها لأول مرة آملين أن تحمل تغييرا في الواقع السياسي والحياتي الداخلي وأن تنعكس على مستقبل أسرهم وأطفالهم بعد أن أنهكتهم الأزمات جراء الانقسام السياسي والنزاع على السلطة.

غزة - يتعلق الشاب طارق عبيد وزوجته مروة بأمل التغيير عند إجراء أول انتخابات برلمانية فلسطينية منذ 15 عاما على أمل التعبير عن إرادتهما وتحسين مجال عملهما من أجل إحداث تغيير ملموس في حياتهما الأسرية الناشئة.

وتمثل انتخابات 22 مايو المقبل في الضفة الغربية وقطاع غزة بارقة أمل لحوالي مليون ناخب من فئة الشباب (18 – 31 عاماً) لم ينتخبوا من قبل، وهو رقم أقل بقليل من عدد الذين صوتوا في آخر انتخابات، إذ بلغ عددهم مليوناً و42 ألف ناخب آنذاك.

حالة إحباط

لكن البعض من الشباب لا يبدون متحمّسين للمشاركة بسبب انشغالهم بالهموم الاقتصادية، فضلا عن حالة الإحباط التي تسود أوساطهم جرّاء الانقسام السياسي الداخلي منذ عام 2007 وتداعياته.

وأجرى الفلسطينيون آخر انتخابات برلمانية في عام 2006 فازت بها حركة “حماس”، ما ولّد صراعاً على السلطة بينها وبين حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلّف العشرات من القتلى، وانتهى بسيطرة الحركة الإسلامية على قطاع غزة صيف 2007.

ويدير عبيد وزوجته، وكلاهما حاصل على شهادة جامعية، متجرًا صغيرًا في مخيم رفح جنوب القطاع، ويعتمدان على تسويق منتجاتهما لزبائنهما بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهذا العمل كان بارقة الأمل التي ساهمت في إتمام زواجهما قبل سبعة أعوام. ومنذ ذلك الحين يُخصِّصان جل وقتهما للعمل على تلبية طلبات زبائنهما وتحقيق دخل مالي يساعدهما في مواجهة متطلبات الحياة.

وخلال تلك الفترة أنجبت زوجته طفلين، وعلى الرغم من ذلك تواصل عملها داخل المتجر، وتعتمد على أسرتها في رعايتهما في أثناء ساعات العمل الطويلة.

يقول طارق (32 عامًا) “نحن شباب نتطلع إلى حدوث تغيير في الواقع السياسي والحياتي الداخلي ينعكس على مستقبلنا ومستقبل أسرنا وأطفالنا، ولا نريد أن يواجهوا مصاعب الحياة مثلنا”.

بدورها تقول زوجته مروة (27 عامًا) “نجحنا في بناء أسرة ومشروع عمل، لكن يوجد آخرون من أصدقائنا فشلوا في كل شيء بفعل ظروف الحياة القاسية هنا”.

ومع ذلك يفصح الزوجان عن مشاعر بداخلهما مختلطة بين الخوف والأمل كونهما يشاركان لأول مرة في اختيار من يمثلهما في الانتخابات.

70 في المئة نسبة البطالة بين فئة الشباب في قطاع غزة بعد ارتفاعها بسبب فايروس كورونا

وبينما عبر طارق عن أمله بأن ينجح الفلسطينيون في إجراء الانتخابات، قالت زوجته إن انهيار العملية الانتخابية سيمثل “كابوسًا للشباب”.

وأُغلق باب طلبات الترشح للانتخابات البرلمانية مع نهاية شهر مارس الماضي بتسجيل 26 قائمة انتخابية.

وخلافاً لانتخابات عامي 1996 و2006، لن يصوت الفلسطينيون لمرشحين فرديين، بل لأحزاب أو قوائم تحتوي على ما بين 16 و132 مرشحاً.

ووفق لجنة الانتخابات فإن الدعاية الانتخابية تبدأ في 30 أبريل الجاري وتنتهي في 21 مايو المقبل، وسيكون الاقتراع المسبق لقوى الأمن يوم 20 مايو، ويوم الاقتراع للمنتخِبين يوم 22 مايو، على أن تعلن النتائج الأولية بعد ذلك بيوم.

ويشير تعداد السكان الفلسطينيين في العالم حتى بداية عام 2021 إلى أن عددهم بلغ 13.7 مليون نسمة، وعلى الرغم من ذلك فإن نحو 2.8 مليون مواطن فقط يحق لهم الاقتراع، بينهم 118 ألفًا في القدس الشرقية.

وتعد نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والشتات.

وتضمنت القوائم المرشحة للانتخابات التشريعية العديد من القوائم الشبابية المستقلة وركزت في أسمائها وبرامجها على استقطاب فئة الشباب.

ويقول الباحث أحمد عزالدين أسعد إنه “لا يمكن للقوائم الشبابية أو حتى القوائم التي تعتمد على وجوه شابة أن تحقق نتائج لافتة في ظل هيمنة الحزبين الكبيرين ‘فتح’ و’حماس’ على ماكينة إعلامية وشبكة علاقات ونفوذ ومصالح وقوى لا يمتلكها الشباب ولا الحركات الشبابية التي تفتقر إلى أدوات النجاح في الانتخابات”.

لكن أسعد يشير إلى أن “الشباب يبقون قوة انتخابية دون قيادة مركزية أو عنصر شبكي يجمعهم، ولا يخفى أن للشباب طموحاتهم ورهاناتهم على الانتخابات وعلى مستقبلهم السياسي والمهني والحياتي، لكن الرهانات والطموحات مرهونة بالبنى والروافع في المرحلة القادمة”.

معدلات بطالة مرتفعة

Thumbnail

ويعد الشباب الفلسطيني جزءاً من الكتلة الصامتة الكبيرة التي من شأنها أن تحسم نتائج الانتخابات، وهم يعانون مشكلات متعددة، مثل البطالة وانعدام الفرص وفقدان العدالة الاجتماعية وغيرها من المشكلات المرتبطة بالسلوك السياسي لمراكز الحكم في الأراضي الفلسطينية.

وتزايدت معدلات البطالة في فلسطين خلال الربع الثالث من عام 2020 مقارنة بالربع الثاني من ذات العام الذي ازداد بدوره عن الربع الأول بعد أزمة فايروس كورونا المستجد.

ووفقا لتقرير الإحصاء الفلسطيني الذي بحث “القوى العاملة”، فإن نسبة البطالة بلغت 28.5 في المئة خلال الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بـ26.6 في المئة خلال الربع الثاني من العام ذاته.

وأوضح التقرير أن عدد العاطلين عن العمل في الربع الثالث من العام الجاري في فلسطين بلغ 372.7 ألف شخص، بواقع 207.7 آلاف في قطاع غزة و165 ألفا في الضفة الغربية.

وبينت النتائج أن غالبية الأنشطة شهدت انخفاضاً في عدد العاملين وأن العاملين في نشاطي المطاعم والفنادق والبناء والتشييد هم الأكثر تضرراً خلال فترة الجائحة.

وأورد التقرير انخفاض عدد العاملين في إسرائيل والمستوطنات من 120 ألف عامل في الربع الأول من سنة 2020 إلى 94 ألف عامل في الربع الثاني بسبب الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من انتشار فايروس كورونا.

ويعبر الطالب الجامعي عز أبونحل (21 عامًا) من خان يونس جنوب قطاع غزة، عن أمله في أن تساهم الانتخابات في إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي، وبناء منظومة موحدة تساهم في تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين عامة ولفئة الشباب خاصة.

في حين ترى الشابة إسراء العرعير، وهي خريجة جامعية بلا عمل، أن الانتخابات تمثل بالنسبة إلى الشباب “حلمًا” انتظروه منذ سنين، خاصة أنهم سيخوضون التجربة لأول مرة في حياتهم.

وتقول العرعير من مدينة غزة “نتطلع إلى أن تلبي البرامج الانتخابية احتياجات الشباب وتحقق طموحاتهم وأهدافهم، وأن تكون قابلة للتحقيق وليست حبرًا على ورق، خاصة تلك التي تتعلق بالشباب والمرأة”.

وبحسب اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على غزة فإن نحو 80 في المئة من سكان قطاع غزة مهددون بفقد الأمن الغذائي.

البعض من الشباب لا يبدون متحمّسين للمشاركة بسبب انشغالهم بالهموم الاقتصادية

وأشارت اللجنة إلى “ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات فوق خطيرة، حيث يعيش أكثر من 80 في المئة تحت خط الفقر، فيما ارتفعت نسبة البطالة بين فئة الشباب إلى 70 في المئة، وهي نسبة مرتفعة بالنظر إلى أن المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي”.

وقالت إن الانهيار الاقتصادي يتمثل في تراجع معدل الإنتاج في المصانع إلى 20 في المئة، وشمل تدهور الوضع الاقتصادي العمال المياومين وأصحاب المحال التجارية والورش الذين تضرروا بشكل كبير من إجراءات مواجهة فايروس كورونا.

وفي رام الله وسط الضفة الغربية يتطلع كثير من الشباب إلى إجراء انتخابات برلمانية نزيهة تفرز قيادة جديدة، وتمنح الشباب حقهم وتلبي طموحاتهم المسلوبة منذ سنوات طويلة في حياة كريمة.

ويدعم طارق تايه (29 عاما) تشكيل قائمة شبابية لخوض الانتخابات البرلمانية، لكنه يرى أن غياب القيادة المركزية سيشتت شملهم في ظل افتقارهم للخبرات ومصادر التمويل.

فيما تقول سارة دراغمة من طولكرم إنها تعتزم انتخاب قائمة شبابية ذات مهنية ومصداقية، ولديها طموح ووعي سياسي.

وترى دراغمة أن الفلسطينيين يجب أن يستغلوا الانتخابات في جسر هوة الانقسام، وبناء نظام موحد يواجه سياسات التغول الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.

انتماءات متعددة

وينتمي الآلاف من الشباب إلى فصائل فلسطينية مختلفة، ما يعني أن أصواتهم في الانتخابات قد تذهب إلى تلك الفصائل، بحسب الكاتب السياسي مصطفى إبراهيم.

وأوضح إبراهيم أن دعم الشباب الفلسطيني للفصائل “من شأنه أن يغيّر موازين ونتائج الانتخابات”، لكن عدم ممارسة فئة الشباب لـ”العملية الانتخابية في السنوات السابقة، أدى إلى عدم نضوج ووضوح الكثير من تفاصيلها لديهم”.

وأشار إلى أن الشباب المستقل غير المنتمي إلى لأحزاب قد تقوده “الحماسة والرغبة في التغيير إلى تشكيل تكتلات شبابية” الأمر الذي يقود إلى وجود عدد من تلك التكتلات.

وذكر أن غياب جسم (تكتل انتخابي)  يوحّد فئة الشباب سيؤدي إلى تشتيت أصواتهم.  وأضاف “ربما نسمع عن كتل شبابية كثيرة، لكن ذلك لن ينجح طالما لم يستطيعوا توحيد هويتهم بكتلة واحدة تعبّر عنهم”.

وجوه شابة

وحرصت معظم القوائم الانتخابية على الدفع بوجوه شابة ضمن مرشحيها، إلى جانب أسرى تعتقلهم إسرائيل وشخصيات سياسية ومجتمعية وأكاديمية فلسطينية.

وقالت حركتا “فتح” و”حماس” عقب تسجيل قائمتيهما لدى لجنة الانتخابات المركزية أخيرًا إنهما خصصتا ما بين 20 و25 في المئة من مقاعد قائمتيهما لمرشحين شباب من الجنسين.

وتنظر دعاء الخطيب (29 عاما)، خريجة جامعية من غزة، بتفاؤل حذر إلى خطوة الانتخابات.

وقالت إنها ستشارك للمرة الأولى في حياتها في العملية الانتخابية، وستتوجه بالفعل لانتخاب قائمة أو تكتل شبابي مستقل “قادر على إجراء تغييرات حقيقية داخل الأراضي الفلسطينية”.

وأضافت أن “الجيل الشاب أحق في استلام دفة الحكم وتسيير المؤسسات الرسمية بعيدا عن نظام التعيين الذي يتم على أساسه اختيار المسؤولين، وهم في العادة كبار في السن وغير قريبين من الجيل الشاب ولا يعرفون تطلعاتهم أو متطلباتهم”.

وأعرب الكثير من الشبان أنهم لم يعد لديهم الثقة بمن يحكم في الوقت الحالي وأنهم لن يقبلوا بتكرار هذه التجربة، فالشباب الفلسطيني مليء بالحماسة ويرغب في المشاركة في هذه العملية ليتنزع دورا أساسيا فيها.

وقال صمود بشارات (32 عاما)، من الضفة الغربية، “نتمنى أن تكون الانتخابات إيجابية وأن تفرز قيادة جديدة تعطي الشباب حقهم وتلبي طموحاتهم”.

وأشار بشارات إلى أنه سينتخب قائمة شبابية في حال استطاع الشباب بلورة قائمة ذات مهنية ومصداقية، ولديها طموح ووعي سياسي.

ولأول مرة يشارك بشارات في عملية انتخابية، لكنه يخشى من أنها لن تأتي بجديد، موضحا “ما نسمعه من قيادات الحركتين فتح وحماس أن الانتخابات مسألة إعادة ترتيب الشرعية للخروج بحكومة ومجلس تشريعي ورئاسة بشكل قانوني ليس أكثر”.

19