المرأة المصرية تواجه قانونا يجردها من مكتسبات حققتها على امتداد قرنين

يرفض الحقوقيون في مصر مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يمنع النساء من التوقيع على شهادات الزواج أو تسجيل ولادة أبنائهن أو السفر إلى الخارج دون موافقة الرجل، واصفين إياه بـ"القمعي" و"الذكوري"، مطالبين بتعديله. ويرى المناصرون لحقوق المرأة، أن هذا القانون بإمكانه نسف ما حققته المرأة المصرية على امتداد مائتي عام.
القاهرة – أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية المصري جدلا متواصلا، حيث تستمر المناشدات لإعادة النظر في التعديلات المقدمة من الحكومة المصرية.
وقال نشطاء حقوقيون إن حقوق المرأة قد تتراجع 200 عام في مصر، بموجب قانون مقترح يمنعهن من التوقيع على شهادات الزواج أو تسجيل ولادة أبنائهن أو السفر إلى الخارج دون موافقة الرجل.
سيعطي مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في يناير الماضي، الآباء أيضا أولوية في حضانة الأطفال -عكس القانون الحالي الذي يأتي في صف الأمهات- ويسمح للآباء بمنع الأمهات من السفر مع أبنائهن.
وقالت سوسن بشير فتاة مصرية حاصلة على درجة الليسونس في الفلسفة في تغريدة على حسابها على تويتر، إنها مواطنة مصرية كاملة الأهلية لها حق تزويج وتطليق نفسها ولها الولاية على أبنائها ولها الحق في السفر، وذلك كرد على مشروع قانون الأحوال الشخصية المصري الجديد.
مفاهيم ذكورية
بدوره دعا الصحافي المصري خالد البلشي إلى “مراجعة القوانين المكرسة للتمييز”، معتبرا أن مشروع تعديل القانون “تكريس للمفهوم الذكوري”.
وقال في تغريدة له على تويتر، إن المؤتمر الدائم للمرأة العاملة ودار الخدمات يطالبان بمراجعة القوانين المكرسة للتمييز، مشيرا إلى أن مشروع الحكومة لقانون الأحوال الشخصية يكرس المفهوم الذكوري، وقانون العمل يتجاهل جرائم العنف والتحرش.
وقالت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبوالقمصان، في بيان مصور على فيسبوك “نرفض مشروع القانون الصادم هذا رفضا تاما. إنه يعيدنا 200 عام إلى الوراء”، واصفة مشروع القانون بـ”القمعي” و”الذكوري”. وأضافت أبوالقمصان “في مصر، يمكن للمرأة أن تكون وزيرة وتوقع اتفاقيات بالملايين من الدولارات للحكومة، ولكن بموجب هذا القانون لن يكون بإمكانها حتى توقيع عقود زواجها”.
وأشارت أبوالقمصان إلى أن التعديلات المطروحة “لا تتناسب مع مقتضيات العصر”، مضيفة أنها “تستند إلى أكثر الرؤى تشددا ولا تتعامل مع واقع تساهم فيه النساء ماليا وإنسانيا”.
وحول الأمر نفسه، أعرب المحامي والباحث القانوني نجاد البرعي، عبر حسابه على موقع تويتر، عن استغرابه لـ”ما وصلنا له من جمود”. كما تساءل البرعي عن أسباب الاكتفاء بالاعتماد على تفسيرات الإمام أبوحنيفة وحده دون غيره من العلماء، متهما إياه بالتشدد في بعض مواضيع الأحوال الشخصية.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت النساء في الدولة المحافظة اجتماعيا أكثر جرأة، حيث لجأت المئات إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة عدم المساواة بين الجنسين. وتشكل النساء الآن رقما قياسيا يبلغ 27 في المئة من جملة المشرعين، وفقا للاتحاد البرلماني الدولي.
لكن المرأة لا تزال تواجه التمييز في قضايا مثل الحصول على الطلاق وحضانة الأطفال والميراث، في حوالي ستة قوانين للأحوال الشخصية مشتقة من الشريعة الإسلامية، والتي يعود تاريخها إلى عام 1920.
وقال مجلس الوزراء في بيان صدر في وقت سابق هذا العام، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد “يتماشى مع التطور الاجتماعي الكبير في المجتمع المصري، وأنه من الضروري أن يتم تجميع القوانين المبعثرة في قانون واحد”.
العشرات من جماعات حقوق المرأة والشخصيات العامة أدانت مشروع القانون، ودعت إلى إجراء «إصلاحات حقيقية» تلبي مطالب المرأة وتحترم حقوقها الدستورية وتضمن العدالة لجميع أفراد الأسرة
ووقعت العشرات من جماعات حقوق المرأة والشخصيات العامة بيانا الأسبوع الماضي، يدين مشروع القانون ويدعو إلى إجراء “إصلاحات حقيقية” تلبي مطالب المرأة وتحترم حقوقها الدستورية وتضمن العدالة لجميع أفراد الأسرة.
وبموجب مشروع القانون، يوقع الولي الذكر -مثل الأب أو الأخ- على عقد الزواج، وليس العروس. يمكنه أيضا رفع دعوى لإلغاء الزواج في غضون عام، إذا رأى أن الزوجين غير لائقين أو أن المهر صغير جدا.
وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة القاهرة للتنمية والقانون وهي منظمة غير حكومية انتصار السعيد، إن “مشروع القانون الجديد هو بمثابة عودة الدولة إلى عصر ما قبل الحداثة”.
وأضافت أن هذا القانون يتعارض مع التزامات مصر الدستورية بحماية حقوق المواطنة، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن على مصر التوقف عن معاملة النساء كمواطنات من الدرجة الثانية.
وحصل أحد المقترحات الواردة في مشروع القانون على موافقة بعض النساء، وهو معاقبة الرجل إذا تزوج بزوجة ثانية دون إخطار الأولى، بالسجن لمدة تصل إلى عام وغرامة من 20 إلى 50 ألف جنيه مصري. لكن السعيد قالت إنه من الأفضل للرجل وزوجاته حل المسألة في المحكمة.
وقالت “إذا وافقت الزوجة الأولى فيجوز للزوج أن يتزوج ثانية، وإلا تحصل على الطلاق ونصف مال الزوج”.
وتتم مراجعة مشروع القانون الآن من قبل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، قبل عرضه على مجلس النواب.
لا يعد مشروع إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية في مصر بالأمر الجديد، إذ تم عرض التعديلات المقترحة على مجلس النواب المصري العام الماضي. وبعد أن تسببت تلك التعديلات في إثارة الجدل والغضب تحت قبة البرلمان، تقرر تأجيل مناقشتها للدورة التشريعية الجديدة.
ويرى البعض أن إيجابيات مشروع القانون، تتمثل في النص على معاقبة من يتعدى على حقوق رؤية واستضافة الأطفال في حال انفصال الزوجين، وتمتع أحدهما بحق حضانة الطفل دون الآخر. كما اعتبر آخرون تغيير القانون لترتيب الحاضنين “وجعل الأب في المرتبة الرابعة بدلا من السادسة عشرة” بالأمر الإيجابي.
بيد أن عددا من المتخصصين عبروا عن تخوفهم من أن مشروع القانون “ينهي الأهلية القانونية للمرأة”، ولا يتناول التحديات التي تواجه الأسرة المصرية عند الانفصال أو زواج الأب من سيدة أخرى بما يتسبب عادة في “ضياع الكثير من الحقوق”.
وبالتزامن مع تناول وسائل الإعلام للأمر، انطلق الجدل من جديد، وأبدت شخصيات نسائية عديدة في مصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تخوفهن من تمرير التعديلات.
وتشاركت العديد من الجهات الحقوقية والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة المصرية هذه المخاوف. ليس هذا فحسب بل أبدى عدد كبير من المتخصصين والناشطين بمجال حقوق المرأة في مصر، رفضهم للتعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية.
كما وقعت منظمات حقوقية مصرية على بيان يصف التعديلات المقترحة بأنها “تعصف بنضال امتد لـ100 عام للحركة النسوية المصرية”.
قوانين تمييزية
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة تومسون رويترز عام 2013 أن التحرش الجنسي، وارتفاع معدلات الختان، وتصاعد العنف بعد انتفاضات الربيع العربي، جعلت مصر أسوأ دولة في العالم العربي بالنسبة للمرأة.
وكشفت دراسة بنيت على استطلاع لخبراء في مجال قضايا النوع الاجتماعي (الجندر)، أن مصر هي أسوأ مكان تعيش فيه المرأة مقارنة بالدول العربية الأخرى.
وقال المشرفون عن الدراسة إن القوانين التمييزية وتصاعد ظاهرة استغلال النساء ساهما في تدني ترتيب مصر، لتحتل المركز الأخير.
وقالت زهرة رضوان عضو منظمة حقوقية في الولايات المتحدة “هناك قرى كاملة في ضواحي القاهرة أساس نشاطها الاقتصادي التهريب والتجارة بالنساء، والزواج القسري”.
ولكن العامل الأساسي الذي أشارت إليه الدراسة، هو التحرش الجنسي.
التحرش الجنسي، وارتفاع معدلات الختان، وتصاعد العنف بعد انتفاضات الربيع العربي، جعلت مصر أسوأ دولة في العالم العربي بالنسبة للمرأة
وكان تقرير للأمم المتحدة أشار في شهر أبريل من عام 2013، إلى أن 99.3 في المئة من النساء والبنات في مصر تعرضن للتحرش الجنسي.
وقالت نورا فلنكمان المديرة بوحدة التسويق والاتصال بمجموعة “خارطة التحرش” التي تعمل في مجال مكافحة التحرش بالقاهرة، “إن التحرش الجنسي أصبح واقعا يوميا للمرأة في مصر بغض النظر عن السن، أو الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، أو كونها متزوجة أو غير متزوجة، وبغض النظر عن لباسها”.
وفي دراسة إحصائية شاملة أعدّها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وصدرت بالقاهرة عام 2018، وضّحت البيانات أن 46 في المئة من الذكور يرون أن المرأة هي المسؤولة عن التحرش مقابل 28 في المئة فقط من الإناث. وقد اعتمدت البيانات على إجابات عينة ممثلة للجمهور المصري، قوامها 3000 شخص (1500 ذكور و1500 إناث) أعمارهم بين 18 وأكثر من 55 عاما، يسكنون المدن والأرياف.
وتتعلق قضية حقوق المرأة في مصر برؤية المجتمع ذكورا وإناثا للمرأة، حيث تتموضع صورة المرأة في مخيلة المجتمع المصري على عدة مرتكزات، أهمها الصورة النمطية للمرأة في المجتمع المصري والعادات والتقاليد أو الثقافة السائدة في المجتمع، والتي تشكّل ضغطا على كلّ من الرجل والمرأة، وأخيرا علاقات القوة بين الرجل والمرأة والتي تؤطرها علاقات القوة والسلطة داخل المجتمع.
وحسب نفس الدراسة تبدو الموافقة على الحقوق السياسية للمرأة مثل “شغل وتولّي منصب رئيس الدولة أو رئيس الوزراء” متدنية عند كلّ من الذكور والإناث، مما يعكس الحالة الواقعية المتردية للواقع السياسي المصري ككل، بينما ترتفع نِسَب الموافقة لدى الإناث والذكور على الحقوق الشرعية والتي تمس الحياة اليومية والأسرية مثل “الحق في المهر والميراث واختيار الزوج وطلب
الطلاق”، فيما تقل موافقة الذكور على أغلب الحقوق التي قد يراها الذكور تمس موازين القوة بين الرجل والمرأة في المجتمع المصري، فحقوق المساواة في التعليم والعمل والحقوق السياسية ما زالت تُواجه رفضا ليس فقط من الذكور، بل كذلك من جانب المرأة ذاتها في المجتمع المصري.
ويسعى المدافعون عن قضايا المرأة في مصر، كباقي الدول العربية، لتحصل المرأة على حقوق تضمن لها مكانة متميزة ورائدة تجعل منها عنصرا مماثلا للرجل وليس مكملا له. ويحارب المناصرون لحقوق المرأة من أجل أن تكون تلك الحقوق مضمنة بالدستور والقوانين. وقد تضمّـن دسـتور 2014 عـددا مـن المـواد التـي تمثـل فرصـة جيـدة مـن أجـل تعزيـز المسـاواة بيـن الجنسـين، فأعطـى الدسـتور ضمانـات وحمايـة دسـتورية للنسـاء فـي عـدد مـن مـواده، فألـزم الدولـة فـي المـادة (9) بتحقيـق تكافـؤ الفـرص بيـن جميـع المواطنيـن، وفـي المـادة (53 ) جـرم التمييـز بجميـع أشكاله وأيضـا الحـض علـى الكراهيـة، وأصبـحت أي ممارسـة تمييزيـة جريمـة تسـتوجب العقـاب، والعمـل علـى تعديلهـا. كمـا نصـت نفـس المـادة علـى إنشـاء مفوضيـة لمناهضـة كل أشـكال التمييـز.
ونصـت المـادة (11) علـى ضـرورة قيـام الدولـة بإجـراءات وتدابيـر للتصـدي للتمييـز الـذي تتعـرض لـه النسـاء بشـأن شـغل المناصـب القياديـة والوظائـف العامـة وتولـي الوظائـف فـي الهيئـات القضائيـة. كما تم التنصيص في نفـس المـادة علـى “تكفـل الدولـة بتمكيـن المـرأة مـن التوفيـق بيـن واجبـات الأسرة ومتطلبـات العمـل”.
كما تنـص المـادة (93) مـن الدسـتور علـى أن تلتـزم الدولـة بالاتفاقيات والعهـود والمواثيـق الدوليـة لحقـوق الإنسان التـي تصادق عليهـا مصـر، وتصبـح لهـا قـوة القانـون بعـد نشـرها وفقـا للأوضاع المقـررة، وبموجـب هـذه المـادة تلتـزم الحكومـة المصريـة بتطبيـق الاتفاقيـات الدوليـة التـي وقعـت عليهـا مصـر ومنها العهـد الدولـي للحقـوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة، والتـي صادقـت عليـه فــي العــام 1982، واتفاقيــة إلغــاء جميــع أشــكال التمييــز ضــد النساء “ســيداو” والتــي صادقــت عليهــا فــي العام 1981.
وتدعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر تمكين المرأة والحد من عدم المساواة بين الجنسين. ويقوم عمل مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة بمصر على شراكة قوية مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع ككل، بهدف جعل تمكين المرأة أولوية وطنية لتحقيق النمو الشامل والعدالة الاجتماعية.
ويعد تمكين المرأة هدفا رئيسيا في رؤية وخطة مصر لعام 2030، وتهدف “استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030”، إلى تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من مزايا البلد التنافسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي أوائل عام 2017، وهو العام الذي أعلن أنه عام المرأة، أطلقت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، لتُبنى على استراتيجية التنمية المستدامة من خلال التركيز على التمكين السياسي وتعزيز الدور القيادي للمرأة، والتمكين الاقتصادي للمرأة، والتنمية الاجتماعية للمرأة، وحماية المرأة.