الزائر الأبيض يرسم البسمة على وجوه أطفال فلسطين

نحت التماثيل والتراشق بالثلج وصور السيلفي تبهج الكبار والصغار.
الجمعة 2021/02/19
لون الصفاء

يستقبل الناس تساقط الثلج بفرح، يحتفلون به كأيام العيد، يلعبون وينحتون ويلتقطون الصور معه. وفي فلسطين فيما خرج الكبار لصلاة الفجر، خرج الأطفال إلى الساحات مستغلين قدوم الزائر الأبيض وحلوله النادر بينهم يتراشقون بكرياته، التي تمحي الحزن من النفوس.

القدس – استيقظت القدس الخميس على مشهد نادر لمواقعها المقدسة وهي مغطاة بالثلوج، حيث غمر اللون الأبيض قبة الصخرة والحائط الغربي وبرج الجرس الخاص بكنيسة المهد بعد عاصفة ثلجية هبت خلال الليل، كما غطت مدينتي الخليل ورام الله بالضفة الغربية المحتلة.

وقبل أن يحلّ الفجر، كان الأطفال يرشقون بعضهم بعضا بكرات الثلج خشية ذوبانه مع ساعات الصباح الأول، خارج أبواب البلدة القديمة فيما توافد المصلون على الأماكن المقدسة.

وتناقل الفلسطينيون عبر منصات التواصل الاجتماعي مشاهد التساقط الكثيف للثلوج والصور مع أطفالهم، الذين يصنعون من قطع الثلج مجسمات على شكل رجل الثلج في الشوارع شبه الخاوية.

وقال أبوراضي (27 سنة)، “أتينا إلى ساحة القدس الشريف للعب في الثلج.. إنه أمر نادر أن نرى ثلوجا في القدس”، مضيفا، أنه وأبناء جيرانه انتظروا لحظة بدء تساقط الثلوج للزحف إلى الأقصى المبارك والتقاط الصور الأولية له ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهبت العاصفة الثلجية مساء الأربعاء مما دفع السلطات إلى وقف وسائل النقل العامة وإغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى القدس، لكن مع تراجع حدة العاصفة خلال الليل، قالت البلدية إنها ستستأنف الخدمات، حتى أن سكانا خرجوا وقادوا سياراتهم للاستمتاع بالمشهد.

وعبّر الطفل أيمن (12 سنة) من الخليل عن حبه وانتظاره لقدوم الثلوج المتوقعة “يا رب ينزل الثلج وتصير ساحات المدينة كلها بيضاء، أحب الثلج لأنه بغطي كل شي مسيء للنظر”، كما عبر عدد من الأطفال عن انتظارهم بفارغ الصبر للثلوج التي توقعتها دوائر الأرصاد الجوية الأربعاء.

Thumbnail

ولشدة تعلقها بأجواء الثلج تابعت سهير (15 عاما) الأحوال الجوية خلال هذا الأسبوع بعد أن علمت أن الثلج وصل إلى لبنان والأردن وسوريا، وسمعت في نشرات أخبار الطقس عن احتمال سقوط الثلوج على القدس الشرقية حيث تسكن، قالت، “ليلة الأربعاء وقفت أنا وإخوتي في ساعات الليل على شبابيك البيت انتظارا للثلوج القادمة، وسهرت برغم أن والدتي كانت تصرخ علينا وتحثنا على النوم، ولكنني كنت أخاف أن يبدأ تساقط الثلوج دون أن أتمكن من مشاهدته”.

ومنذ ساعات الفجر الأولى نزلت مع أخيها سامر أقرب إخوتها إليها إلى ساحات المسجد الأقصى ليجدا مجموعة من الأطفال المقدسيين يلعبون ويلهون بالثلج، منهم من يعد تمثالا ومنهم من يضربون بعضهم بكرياته، ومنهم من يأكل الثلج وكأنه آيس كريم في عز الصيف.

أما الطفل إياد (17 عاما) من الخليل فقال، إنه شديد العشق للثلج لأنه يغطي كل شيء ويجعله يكتسي باللون الأبيض، الذي يعتبر لون الصفاء والنقاء، الذي نفتقر إليه في الكثير من الأحيان والأماكن في عالم اليوم.

وأشار إلى أنه استعد للحدث الذي يحتفل به الكبار والصغار، وتسلح بالملابس الدافئة والقفازات وغطاء الرأس وباقي الأمور المتعلقة بالثلج، وشرع في بناء رجل ثلج أبيض أمام المنزل والتقاط الصور معه، مؤكدا أن مثل هذه التماثيل يصنعها الكبار أيضا، من خلال فن النحت بالثلج.

حمل العرب الثلج من بغداد إلى مكة سنة 160هـ، حين حُمل للخليفة المهدي أثناء تأديته للحج في منطقة يندر فيها وجوده

وعبر عن شعوره بالغيرة عندما يشاهد في التلفاز الثلوج التي تتساقط على بعض الدول ولاسيما المجاورة، وظهور الأطفال وهم يلعبون ويمرحون سعيدين بالثلج، الذي يعتبر من أحب الأشياء إلى الأطفال.

وقالت الطفلة نور، إن الثلوج عندما تتساقط يكون الجو باردا جدا، وأشعر أن كل شيء في جسمي قد تجمد، ولكن مع ذلك أذهب مع إخوتي وصديقاتي للعب فيه، ونتراشق به ونتسابق في بناء رجل الثلج الأبيض، وكنا نواجه أحياناً التوبيخ من قبل أهلنا لخروجنا خارج البيت أثناء تساقط الثلوج وفي البرد القارس، حيث كانوا يحذروننا من ذلك بسبب الخوف علينا من التجمد والمرض، ولكن أدعو الله دائماـ بأن يسقط الثلوج على مدينتنا لكي يتسنى لنا مشاهدة الأرض مغطية باللون الأبيض الخالص، وتغطية الشوارع وأماكن القمامة وغيرها من الأشياء والأماكن غير الجميلة.

ولا يوجد الكثير عن الثلج في الموروث الفلسطيني الشعبي، ومنبعُ ذلك مُرتبطٌ بطبيعة البلاد التي لا يزورها الثلج بشكلٍ سنويٍّ، ويقتصر سقوطه غالباً على المُرتفعات. وإن كانت النصوص التاريخية تُشير إلى أن العرب عرفوا الثلج مُبكّراً، واهتموا بتخزينه لاستخدامه في تبريد الماء.

ولعلّ واحداً من بين هذه النصوص هو خبر حمل الثلج من بغداد إلى مكّة سنة 160هـ، حين حُمل للخليفة المهدي أثناء تأديته للحج في منطقة يندر فيها وجوده.

ومن الأساطير المحكيّة عن الثلج قولهم “إنّ الثلج في الأصل كان ينزل شبيهاً بالدقيق ناعماً لطيفاً، وذات مرةٍ قامت امرأةٌ مُستهترةٌ بمسح  طفلها بالثلج فغضب الله من فعلها، وجعله بعدها قاسيا شديد البرودة”.

وتلتصق في ذاكرة الكاتب عبدالباسط خلف أجواء فبرابر 1992، حين ضربت فلسطين والمنطقة عواصف ثلجية، غطى خلالها الزائر الأبيض بلدته برقين، والتي لا تعلو البحر سوى بنحو 280 مترا.

قال، “يومها، وفي الرابع والخامس والسادس والعشرين منه، شاهدنا شيئا لم نره من قبل، وأخذنا نلهو فيه، ونحتفل بقدومه. ولشدة سعادتنا به، وبعد ذوبانه من بلدتنا، صعدنا إلى الجبال الأكثر علوًا، والمحيطة بنا للمزيد من اللهو، ولالتقاط صور تذكارية”.

ويضيف، “وقتئذ، كان التصوير يدويا، ويحتاج عدة أيام لنرى نتائجه، فما أن نشاهد أنفسنا، والبياض يحيط بنا، كنا نطير من الفرح، ونتمنى أن يتكرر المشهد تارة أخرى، ولوقت أطول. ومما لا يطير من ذاكرتنا، روايات الآباء والأجداد عن الثلج، وربطهم سنوات تساقطه بمواليد تلك الفترة، وبأحداث اجتماعية عديدة وزواج وقصص تراثية”.

20