هل أصبحت متعة السفر تجربة من الماضي

لا تزال المطارات في الغالب مثل المدن الأشباح، والسفر الدولي لمسافات طويلة في حالة موت سريري. ومع انعدام اليقين والخوف من السفر، لا أحد يعرف مدى السرعة التي ستتعافى بها السياحة ورحلات العمل؟ وما إذا كنا سننتقل بالطائرات كما كان عليه الأمر من قبل، وما الذي ستبدو عليه تجربة السفر عند تطبيق إجراءات الأمن الصحي الجديدة؟
لندن - الجميع يسأل متى يعود السفر الدولي كما كان سابقا ونركب الطائرات من جديد؟ بالطبع لا أحد يعلم الإجابة بالضبط، لكن هناك بعض الأمور التي يجب أن تحدث أولا حتى تعود حياة السفر والرحلات إلى سالف عهدها، حيث لم تكن هناك جائحة كورونا تمنع استمرار الحياة الطبيعية.
وبالنسبة إلى منظمة “كوارتز” المهتمة بريادة الأعمال والتجارة، فإن السفر قد يعود ببطء خلال 2021، لكنه لن يكون ممتعا، لأن السفر سيكون رحلة مليئة بالمطبّات التي تضعها حكومات مختلف الدول وشركات الطيران.
وسيكون عام 2021 انتقاليا يعيد تشكيل هذا القطاع المسؤول عن حوالي 208 ملايين رحلة سنوية حول العالم. وعلى أفضل تقدير لا يزال الطريق وعرا أمام هذا القطاع، إذ تعتمد عودة السفر على وتيرة طرح اللقاح أمام الجمهور، وتوافر رأس المال، والسياسات الحكومية، وتوفر جواز سفر محصّن.
وقال بارت بورينغ، رئيس المبيعات والتسويق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لشركة ماريوت الدولية، “سنسافر مرة أخرى، لكن نحن بحاجة إلى التحلي بالصبر قليلا لبضعة أشهر أخرى قادمة”.
ويؤكد مراقبون أن الأحداث العالمية الكبيرة لن يكون فتحها مرة أخرى قرارا سهلا أو قريبا، لذلك قد تكون الأسباب التي تشجع على السفر بالأساس، والتي تجعل من الرحلات أكثر إمتاعا غير موجودة أساسا.
وأكد لويس فيليبي دي أوليفيرا، المدير العام لمجلس المطارات الدولي، وهي منظمة تجارية عالمية تمثل مطارات العالم، “عندما لا يكون هناك نهج عالمي منسق، يكون من الصعب على الصناعة المضي قدما، خاصة عندما تتغير قواعد اللعبة بشكل أساسي كل يوم”. لكنه توقع أن يصل الانتعاش الصيفي في الحركة الجوية الدولية إلى 50 في المئة من المستويات السابقة في معظم البلدان.
ومع ذلك، تظل هناك العديد من الأمور التي يتوقف عليها تحقيق ذلك، خصوصا أن بروتوكولات الاختبار والحجر الصحي تختلف من شركة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، ولا توجد طرق مثالية لمشاركة معلومات اللقاحات والاختبارات بطريقة عابرة للحدود بسلاسة وأمان.
ويتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي ألا تعود صناعة الطيران إلى مستويات ما قبل الوباء مرة أخرى حتى 2024 على الأقل.
جواز كورونا
نتذكر جميعا كيف غيّرت أحداث 11 سبتمبر 2001 من تجربة السفر الجوي، وظهرت طوابير التفتيش الطويلة وخلع الأحذية وفرض قيود على اصطحاب أي أنواع من السوائل على متن الطائرة.
ومن المرجح أيضا أن نشهد تغييرات جديدة في تجربة السفر الجوي بسبب جائحة كوفيد – 19 أسوة بالإجراءات التي طرأت بعد أحداث 11 سبتمبر، لتأمين سلامة المسافرين على متن الطائرات.
ويقول ألكسندر دي جونياك، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” ومدير تنفيذي سابق لشركة “أير فرانس-كي أل أم”، إنه من السابق لأوانه تقديم نبوءات طويلة المدى، ولكن عندما يعود أول المسافرين إلى السماوات “الرحلات الجوية”، سيجدون إجراءات أصبحت مألوفة وتكيّفت معها صناعة الطيران. ويضيف “في غضون أيام من أحداث 11 سبتمبر (أحدث أكبر نقطة انعطاف في تاريخ الطيران) استؤنفت الرحلات الجوية بأمان. ولكن بعد عقدين، مازلنا نصلح بعض جوانب عدم الاتساق والقصور في الإجراءات الأمنية. هذه المرة، منحتنا أشهر من التوقف لشركات الطيران المزيد من الوقت للتخطيط والاستعداد”.
ويعتمد قطاع الطيران على استعادة ثقة الركاب للسفر مجددا. وبتكليف من جمعية “تجارب المسافرين جوا” والجمعية الدولية لخدمات الطيران، حلّل الأخصائيون في شركة “فاثر” أكثر من 900 مليون محادثة حول كوفيد – 19 والسفر الجوي.
وقال ويل كوبر، وهو مدير الإحصاءات في “فاثر”، إن “أكثر من ثلث المحادثات في الوقت الحالي المتعلقة بالسلامة على متن الطائرة هي سلبية للغاية”. وأضاف “يعبّر الركاب عن مخاوفهم وإحباطهم حول عدم معرفة ما إذا كان السفر آمنا أو كيف يحمون أنفسهم، وليس واضحا بالنسبة إليهم حول ما تفعله شركات الطيران”.
ويقول جيمس كرابتري، أستاذ مساعد في كلية لي كون يو للسياسة العامة في الجامعة الوطنية بسنغافورة، ومؤلف كتاب “الملياردير راج” سيجلب انهيار السفر الدولي الحالي تغيرات طويلة المدى لأنماط الانتقال الدولي لكل من المتعة والعمل.
وبحسب آدم بليك، رئيس قسم البحوث في قسم السياحة في جامعة بورنموث في المملكة المتحدة، “سيحتاج الناس في الفترة المقبلة إلى الاقتناع بأن السفر بات آمنا لهم. ولتحقيق ذلك، لا بد من وجود تغييرات فعلية”.
وفيما يتوقع الخبراء طرح جوازات سفر لقاح كورونا واعتمادها سريعا عندما تعود الأمور إلى نصابها، أعلنت لجنة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية معارضتها “حاليا” طلب شهادات تلقيح ضدّ فايروس كورونا كشرط لإتاحة دخول الدول أمام المسافرين الدوليين.
وقالت اللجنة في توصيات “ما زال ثمة الكثير من الأمور الرئيسية غير المعروفة في ما يتعلق بفعالية اللقاحات على صعيد الحد من انتقال الفايروس، كما أنّ اللقاحات متوافرة حاليا بكميات محدودة”، مضيفة أنّ إثبات التلقيح لا يجب أن يستثني تدابير صحية وقائية أخرى.
ورغم ذلك تبنت بعض الدول مفهوم “جوازات السفر المحصّنة”، وهي تسمح للأشخاص الذين أصيبوا بالفعل بفايروس كورونا وتعافوا أن يسافروا في الاتجاهين دون الحجر الصحي، وبات الأمر يشمل متلقي اللقاح أيضا.
وسبق أن أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن شركات الطيران الكبرى، وعلى رأسها شركة “يونايتد آيرلاينز” وشركة “جيت بلو” الأميركيتان وشركة “لوفتهانزا” الألمانية، ستشرع في تقديم تطبيق عبارة عن “جواز سفر صحي رقمي”.
مسافر في شرنقة
اتحاد النقل الجوي الدولي يتوقع ألا تعود صناعة الطيران إلى مستويات ما قبل الوباء مرة أخرى حتى عام 2024 على الأقل
تنبأت شركة “سامبليفينغ” بالإجراءات التي ستتخذ في الفترة المقبلة، خاصة عند عودة حركة الطيران إلى وضعها شبه الطبيعي.
وتتوقع الشركة أنه قبل السفر بنحو أربع وعشرين ساعة، ينبغي على المسافرين الدخول إلى شركة الطيران الخاصة برحلتهم، وتسجيل المعلومات الخاصة بهم، وتحميل وثيقة طبية تؤكد أنهم أجروا فحصا للفايروسات التاجية، وكانت النتيجة سالبة.
ويطلب من المسافرين إجراء الفحص الطبي “بي.سي.أر” قبل ثمان وأربعين ساعة من رحلة الإقلاع. كما سيتعيّن على المسافرين بعد وصول رسالة إلكترونية من شركة الطيران بقبول الوثائق الطبية، شراء الكمامات، ومواد التعقيم الخاصة بهم.
وسيطلب من المسافرين الحضور إلى المطار قبل أربع ساعات من موعد الرحلة، حيث سيتم فحص المسافرين عن طريق قياس حرارتهم، ومن ثم المرور بأجهزة التعقيم. وسيكون هذا الإجراء ضروريا، ومن ثم يسمح لهم بالدخول إلى منطقة تسليم الحقائب وتأكيد الحجوزات.
وقبل ثلاث ساعات من موعد الرحلة، يبدأ المسافرون بتسليم حقائبهم، والتي سيتم فحصها باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، ومن ثم يعاين موظفو شركة الطيران جوازات السفر والتذاكر ثم التوجه إلى نقطة التفتيش الأمني.
وعند الوصول إلى نقطة التفتيش، يمر المسافرون بفحص طبي ثان يشمل درجات الحرارة، كما يخضعون إلى تعقيم جديد، وفحص الحقائب الصغيرة وتعقيمها.
وبعد الانتهاء من الإجراءات الأمنية، يتوجه المسافرون إلى قاعات الانتظار التي ستكون مجهّزة أيضا بمداخل خاصة للتعقيم، ومن بعدها سينتظرون في الأماكن المخصصة لهم، مع التنبه إلى إجراءات التباعد الاجتماعي.
وخلال فترة الانتظار سيتعيّن على المسافرين شراء المشروبات الساخنة أو الباردة من خلال ماكينات خاصة، إذ لن يسمح لهم بالجلوس في المطاعم أو المقاهي.
كما لن يسمح بالصعود إلى الطائرة إلا لمن تصله رسالة إلكترونية، تؤكد له أن جميع الإجراءات والفحوص الطبية جاءت سالبة، ومطابقة لشروط السلامة العامة.
ومن ناحيتها ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه لمكافحة الخطوط المزدحمة، فإن المسافرين سيسيرون في أنفاق متحركة تقلهم إلى الطائرة، شبيهة بأسلوب الخيال العلمي.
كما سيواجه المسافرون في المطارات جيشا من عمال النظافة الآليين الذين يحرصون على تنظيف وتعقيم المطارات، بشكل متكرر. ويختبر مطار هونغ كونغ بالفعل روبوتات تعقيم ذكية مستقلة ومجهزة بمطهرات فوق البنفسجية بحيث تجوب المطار وتطهّر مرافق الركاب.
وداخل الطائرة من المتوقع أيضا أن يتم تخصيص أماكن في الطائرات تتمتع بدرجات أعلى من التهوية والنظافة والتعقيم المستمر، وهذه الخدمة لن تكون مجانية.
وسيصبح بإمكان المسافرين فتح صناديق التخزين الموجودة فوق مقاعدهم على الطائرة من خلال إيماءات اليد وحركات العين.
كما سيتوجب على جميع أفراد طاقم الطائرة ارتداء معدات واقية على أن يقوموا بالتحقق عند عملية الصعود من أن جميع الركاب يرتدون القفازات والأقنعة الخاصة بهم، كما سنرى في المستقبل الركاب يمسحون مقاعدهم قبل أن يجلسوا بمناديل يوزعها طاقم الطائرة.

ويبدو أن الأيام التي يأتي فيها الطاقم لتقديم وجبات طازجة متعددة الأصناف قد ولّت، فالآن سيحصل جميع الركاب على وجبة معبأة ومختومة مسبقا.
وعند الهبوط، سيتم تغليف الحقائب قبل وضعها على الحزام الناقل، كما سيتم استخدام الماسحات الضوئية الحرارية لتحديد الركاب الذين يعانون من حمى محتملة أو تطور درجة الحرارة.
وبهدف حماية الضبّاط الذين سيقومون بالتحقق من جواز سفر، سيتم حجب مكاتبهم. كما أنه وبسبب أهمية إجراء التنظيف العميق للطائرات بعد كل رحلة، لن تتمكن شركات الطيران بعد الآن من تحويل طائراتها وتجهيزها لرحلتها المقبلة في غضون نصف ساعة أو أقل، بل إن ذلك سوف يتطلب المزيد من الوقت.
وفي هذا الإطار، توقّع اتحاد النقل الجوي الدولي في حال استئناف الرحلات الجوية واتباع قواعد التباعد الاجتماعي على متن الطائرات، أي ترك مقاعد الوسط فارغة، ارتفاع تكاليف تذاكر السفر في محاولة لتغطية تكاليف الطيران بما قد يصل إلى 54 في المئة مقارنة بتلك التي شهدها القطاع في عام 2019.
لكن شركة إيطالية متخصصة في الديكور والتصميم الداخلي أخذت بزمام المبادرة لإيجاد حل لمشكلة سلامة ووقاية المسافرين جوا من الإصابة بعدوى وجودهم في مقصورة الركاب.

الانهيار الدولي الحالي للسفر سيجلب تغيرات طويلة المدى لأنماط الانتقال دوليا لكل من المتعة والعمل
وابتكرت شركة “أفيو إنتريورز” تصاميم تعتمد على مفهوم الشرنقة كدرع واق للمسافر جوا.
ويقدم الدرع الواقي حلولا على عدة مستويات، إذ يمكن تثبيته على المقاعد الحالية لجعل القرب بين الركاب في نفس الصف أكثر أمانا، علاوة على أن الشرنقة تتم صناعتها من مادة شفافة، وبالتالي تجعل المقصورة من الناحية الجمالية متناغمة ومقبولة كما تضمن تحقيق هدف إنشاء حيز معزول حول الراكب لتجنب أو تقليل الاتصالات والتفاعلات عبر الهواء بين الركاب بهدف الحد من احتمالية نقل العدوى بأي فايروسات أو أمراض.
كما تظهر الرسوم تصميما منفصلا لترتيب مقاعد مقصورة الركاب، تتم تسميته “جانوس” نسبة إلى أحد رموز الرومان القدماء للبوابات، حيث تم وضع مقعد “جانوس” في الاتجاه المعاكس لمقاعد الممر وجسم الطائرة، مما يسمح بأقصى درجة عزل بين الركاب الجالسين إلى جوار بعضهم البعض.
وتأتي تلك الأفكار للتصاميم تلبية لقواعد التباعد الاجتماعي دون الاضطرار إلى ترك مقاعد فارغة بين الركاب على امتداد مقصورة الطائرة، حيث يقول محللو صناعة الطيران والسفر إن الانخفاض في سعة شركات الطيران العالمية، مُقاساً بعدد المقاعد المتبقية التي لا تزال قائمة، أصبح الآن أكبر مما كان عليه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. لكن من خلال مفاهيم وتصاميم مثل التي قامت بنشرها الشركة الإيطالية يتجدد الأمل في عودة الرواج إلى عالم الطيران والسفر.
وتعد غالبية هذه المفاهيم والأفكار مجرد تجارب فقط، ولكنها ربما تتحول قريبا إلى واقع، مثل البوابات البيومترية وماسحات الجسم التي اعتدنا عليها في محطات المطار. وفي النهاية، تظل المراهنة على وعي المسافرين أمرا حتميا، وعلى كل شخص أن يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه والآخرين.
وإلى ذلك حذّر كريس تاري، خبير ومستشار صناعة الطيران والسفر، من أنه “يجب على الحكومات أن تكون لديها رؤية واضحة للفوائد التي ربما ستعود عليها إذا تدخلت لإنقاذ شركات الطيران”.
وأوضح تاري أيضا أنه “بعد الجائحة سيتغير عالم السفر الجوي بشكل هيكلي وسيستغرق الأمر وقتا كبيرا جدا حتى يصل عدد الرحلات الجوية والركاب إلى المستوى السابق. ومن المستحيل في الوقت الحاضر التنبؤ بموعد حدوث ذلك”.