العادات الصحية لا الإرادة القوية تساهم في تعزيز أهداف اللياقة البدنية

كثيرا ما يقال إن الإنسان رهين عاداته التي كثيرا ما يتقيّد بها ولا يرغب في التخلي عنها. وتماشيا مع هذه المقاربة يبدو أن الأشخاص الذين يسعون لرفع الكفاءة والأداء الرياضي قادرين بدورهم على اكتساب مجموعة من السلوكيات التي تساعدهم على جعل أسلوب الحياة الصحي عادة دائمة وتلقائية.
لندن - يجد معظم الناس صعوبة في الاحتفاظ بأهدافهم الجديدة المتعلقة بمواصلة ممارسة التمارين الرياضية، حتى في ظل وجود رغبة للقيام بذلك، وخاصة إذا ما عزموا على خوض تجربة اللياقة البدنية بمفردهم، ومن دون وجود شبكة اجتماعية من الأشخاص يدعمونهم ويشجعونهم على المضيّ قُدما في ممارسة أنشطتهم الرياضية أو المواظبة على نظام غذائي معين من أجل تقليص الوزن.
وترجح الكثير من الأبحاث أن العادات الجيدة، لا قوة الإرادة أو الدافع، هي ما يحتاجون إليه لخلق نوع من الالتزام تجاه أهدافهم التي يرغبون في تحقيقها.
وعندما يتعلق الأمر بتحديد أهداف معينة من اللياقة البدنية، كالجري مثلا لمسافة معينة أو محاولة رفع وزن أثقل أو إتقان وضعية يوغا معينة، فإن معظم الأشخاص يعتقدون أن قوة الإرادة والحافز المعنوي من أهم الأدوات التي يجب أن تتوفر لديهم للوصول إلى اللياقة البدنية والمحافظة عليها على المدى الطويل، لكن حتى الحافز قد يتلاشى وتخفت قوة الإرادة شيئا فشيئا، خصوصا في فصل الشتاء الذي يشجع على الخمول والركون في المنزل خوفا من برودة الطقس.
لكن بمقارنة العادات الصحية التي يكتسبها الناس، وهي مجموعة من السلوكيات التي يكررونها عدة مرات، قد تصبح مع الوقت تلقائية وتساعدهم كثيرا للبقاء على المسار الصحيح.
ووجدت العديد من الدراسات أن حوالي 40 في المئة من أنشطة الناس اليومية ليست أفعالا واعية، بقدر ما هي عادات متأصلة، مما يعني أن إجراء تغييرات سلوكية بسيطة وإيجابية لديها القدرة على تغيير نمط حياتهم بالأكمل إلى الأفضل.
سلوكيات غير واعية
نظرا إلى أن معظم العادات هي عبارة عن سلوكيات غير واعية ولا تتطلب اتخاذ قرارات مسبقة، فإنها تحرّر الطاقة العقلية من الشعور بالغضب أو الندم ولا تستنزف قوة الإرادة، وبالتالي يمكن توظيفها بشكل مريح وبسلاسة أكبر لممارسة أنشطة رياضية محددة.
والأهم من هذا كله أن يتحول النشاط الرياضي إلى هواية ممتعة بالنسبة إلى المرء، وهذا في حد ذاته يسهم في جعله يواظب عليه باستمرار ويواصل القيام به لفترة طويلة.
وتشير الدراسات إلى أنه لا يجب القيام بتدريبات شاقة لمدة ساعتين بل الأفضل الاكتفاء بممارسة نشاط بدني معتدل لمدة 30 دقيقة على الأقل، وبنسق يومي. فكلما كان الشخص أكثر نشاطا وحيوية في حياته اليومية، اكتسب المزيد من الطاقة التي باستطاعته استثمارها في ممارسة الرياضية، وهكذا يحرق المزيد من السعرات الحرارية.
وتقول ستيفاني هاريسون، الخبيرة الأميركية في علم النفس الإيجابي وتغيير السلوك، “إننا ننخرط في سلوكيات تدعم أهدافنا من دون الحاجة إلى أن نفكر فيها”.
وفي ما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها تدريب الجسم والعقل على تطوير عادات صحية تساعد على ممارسة الرياضة وأنواع اللياقة البدنية المتنوعة وبشكل منتظم ودائم.
من المهمّ في البداية وضع هدف معين من اللياقة يكون قابلا للقياس والتحقيق وواقعيا ومحدّدا بوقت معين، فعلى سبيل المثال فبدلا من أن نقول “سأبدأ بالجري”، لنقل “أريد أن أركض 5 كيلومترات وسأقسمها إلى ثلاثة في الأسبوع وأتبع ذلك عبر أحد التطبيقات على هاتفي”.
كما تقترح عالمة النفس والخبيرة في التمارين الرياضية الدكتورة جوزفين بيري ضرورة المضي قدما وعدم وضع أفكار مسبقة في الذهن مثل “لا أستطيع” أو “من الصعب عليّ القيام بذلك”. وبدلا من ذلك الأفضل شحن الذهن بالعادات الإيجابية مثل “أنا قادر على ذلك” أو “سأفعل هذا الشيء”. مثل هذه الأفكار البسيطة قد تشجع الشخص على المضي قدما ومع الوقت تصبح بمثابة العادة الصحية التلقائية والثابتة في حياته اليومية.
ومن المؤكد أن معظم الأشخاص لديهم إيمان راسخ بأنه يجب عليهم فعل كل شيء أو لا يفعلون أي شيء عندما يتعلق الأمر بأهدافهم المرتبطة باللياقة البدنية، لكن بدلا من السعي إلى المشي لمدة ساعة يوميا، إضافة إلى الرغبة في ممارسة اليوغا وتمارين القوة، فمن الأفضل التمسك بعادة واحدة والتركيز عليها.

جيمس كلير: صعوبة تغيير العادات ليس سببها الفرد بل نظام حياته
وتقول هاريسون “اختر النشاط الأكثر أهمية بالنسبة إليك وقسّمه إلى أصغر فترات ممكنة، لنفترض مثلا أنك اخترت المشي في الصباح، ابدأ بالسير إلى نهاية شارعك والعودة، فمجرد أن تصبح هذه عادة، يمكنك تدريجيا زيادة وتيرة التمارين وكثافتها إذا كان هذا هو هدفك”.
فعندما يشعر المرء أنه نجح في شيء ما، فإن ذلك يزيد الحافز ويجعل بلوغ الهدف والحفاظ عليه أقل صعوبة لجعل السلوك أكبر، ومن الممكن بعد ذلك إدخال عادة إضافية في روتين الحياة اليومية.
ومن المهم تكرار هذه السلوكيات باستمرار، وبمرور الوقت ستصبح غريزية. فمهما كانت عادة ممارسة الرياضة التي يحاول الكثيرون اكتسابها، فإن الأجدى بهم التفكير في كيفية جعلها جزءا منتظما من روتين حياتهم، وليس مجرد أنشطة يرغبون في ممارستها متى سنحت لهم الفرصة.
وقالت الدكتورة شارلوت تشاندلر، كبيرة المحاضرين في علم النفس الرياضي والتمارين في جامعة ديربي بالمملكة المتحدة، إن “إحدى أفضل الطرق لإدخال عادة جديدة هي اتباع سلوك مختلف أو الارتباط بنقطة زمنية محددة”.
ويقدم الخبير الأميركي جيمس كلير مؤلف كتاب “العادات الذرية” مجموعة من الطرق السهلة والمثبتة لبناء عادات جيدة وكسر العادات السيئة، وقد أطلق على ذلك مصطلح “تكديس العادات”.
وحدد كلير استراتيجيات عملية تعلم الشخص كيف يستطيع اكتساب عادات جيدة ويتخلص من القديمة السلبية، وطرق إدارة وإتقان السلوكيات اليومية البسيطة التي يستطيع من خلالها الشخص تحقيق نتائج مذهلة.
وقال كلير “إن مشكلة تغيير العادات ليس سببها الفرد نفسه وإنما نظام حياته”.
وأكد أن العادات السيئة تكرر نفسها ليس لأن الشخص لا يريد التغيير ولكن لأن لديه نظاما خاطئا للتغيير، وهذه إحدى الفلسفات الأساسية التي ركز عليها في كتابه.
وشرحت الدكتورة تشاندلر ذلك بقولها “على سبيل المثال، عندما تنتهي من العمل هذا اليوم وتغلق جهاز الكمبيوتر الخاص بك، فقد يكون ذلك بمثابة إشارة سلوكية لممارسة الرياضة، وهو الوقت المناسب لك”.
واستدركت “لكن تأكد من أن هذا الروتين ليس صارما للغاية، فإذا حددت لنفسك هدفا لممارسة الرياضة مدة خمسة أيام في الأسبوع، فلا داعي لأن تكون هذه الأيام الخمسة هي نفسها”.
وأضافت “من غير المرجح أن يكون للانحرافات الصغيرة عن هذه العادة أي تأثير سلبي، لذلك لا تقلق إذا لم تتمكن من الالتزام بذلك السلوك في كل مرة”.
الحفاظ على العادات
تلعب البيئة الاجتماعية دورا كبيرا في التأثير على سلوكيات الناس، وتخلق نوعا من التقليد أو الاستجابة التلقائية نحو مجموعة من العادات والسلوكيات السيئة خاصة عندما يكون التواصل بين بعض الأشخاص وثيقا، ويكونون مقرّبين من بعضهم البعض وعلى العكس من ذلك، فإن العلاقات غير المتينة ليس لها تأثير كبير على السلوكيات الاجتماعية للناس. لذا تنصح ويندي وود، عالمة النفس بجامعة جنوب كاليفورنيا، بالتقليل من “الاحتكاك” بين هؤلاء الأشخاص والتفاعلات اليومية معهم، وهذا ما يطلق عليه العلماء “عدوى السلوكيات الاجتماعية”.
وأظهرت العديد من الأبحاث أن الكثير من السلوكيات الصحية تتكون نتيجة عملية الاحتكاك اليومية والتواصل المباشر بين أشخاص جدد ملتزمين بنفس أهداف اللياقة البدنية، وهذه الاستراتيجية أثبتت أنها أنجع بكثير من مجرد اعتماد الأشخاص على لائحة من النصائح أو الحكم لمساعدتهم على تغيير عاداتهم السلبية.
وبالرغم من أنه يصعب اليوم تكوين صداقات في صالات الألعاب الرياضية أو أستوديوهات اليوغا كما كان سائدا قبل جائحة كورونا التي أضرت بشكل مباشر الأنشطة الرياضية، لكن يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي اليوم أن تؤدي دورا رئيسيا في خلق مثل هذا النوع من عدوى السلوكيات الاجتماعية الإيجابية بفضل ما أصبح متاحا على فضاءاتها من مجموعات تحضّ على تخفيف الوزن ومنشورات حول الأنظمة الغذائية والعادات الصحية، والأهم من ذلك كله أن البعض من المشتركين في هذه المواقع يساهم في خلق شبكات اجتماعية أوسع نطاقا تشترك في نفس الهدف وتعمل سوية على الوصول إليه.
العديد من الأبحاث أظهرت أن الكثير من السلوكيات الصحية تتكون نتيجة عملية الاحتكاك اليومية والتواصل المباشر بين أشخاص جدد ملتزمين بنفس أهداف اللياقة البدنية
وأكدت راشيل ميلتزر وارين، أخصائية التغذية الأميركية، أن التواصل بين شبكة من الأصدقاء والأشخاص الذين يتشاركون نفس الأهداف على مواقع التواصل الاجتماعي، يفضي إلى جعل الكثيرين يعملون بجِد للبقاء دائما على المسار الصحيح، مشددة على أن القصص الشخصية أكدت أن التكنولوجيا، وخصوصا الشبكات الاجتماعية، يمكن أن تكون عاملا مساعدا للشباب على تحقيق أوزان صحية.
وشدّد البعض من خبراء اللياقة البدنية على أن التفاعل مع الأصدقاء عبر العالم الافتراضي يوفر للأشخاص الذين يرغبون في الوصول إلى مستوى لياقة بدنية وجسدية جيد الدعم الذي من شأنه أن يساعدهم على تحقيق أهدافهم، كما يمكنهم التفاعل إيجابيا في ما بينهم والاقتداء بتجارب بعضهم البعض من تيسير الطريق لبلوغ هدفهم المنشود.
الاستعداد للأخطاء والعقبات
أحد الأسباب الأكثر شيوعا لفشل قرارات اللياقة، هو أن البعض لا يضع في الحسبان العقبات والتحديات التي لا مفر من مواجهتها.
وتشرح هاريسون هذا الأمر بقولها “إحدى الطرق المفيدة لتجب الفشل هي توقع العقبات التي ستنشأ في طريقنا، اسأل نفسك إن كنت تميل إلى تأجيل أنشطتك الرياضية الصباحية إذا رأيت بريدا إلكترونيا مهما من رئيسك في العمل. وقرّر من البداية كيف ستجتاز هذه العقبة باتخاذ قرار حاسم مثل عدم التحقق من رسائلك الإلكترونية إلا بعد ممارسة المشي صباحا”.
ويجب النظر إلى ممارسة الأنشطة الرياضية على أنها تدليل للذات وليست عقابا لها، وقد وجدت بعض الأبحاث أن أولئك الذين لديهم المزيد من التعاطف مع الذات كانوا أكثر تحفيزا لمواصلة أنشطة اللياقة البدنية، حتى بعد أن فشلت مخططاتهم في ذلك، فكل ما يقوم به المرء هو في النهاية من أجل ضمان صحته الجسمانية والنفسية وجَودَة علاقاته بالآخرين.