عقيلة صالح يستقوي بقبائل شرق ليبيا للحفاظ على منصبه

دخل السجال المحتدم بين الليبيين حول شخصية رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح منعطفا ينذر بتصاعد الأزمة بشكل أكبر، بعد أن أبدت قبائل برقة تمسكها بمبادرة رئيس البرلمان وهددت في الوقت ذاته بوضع الإقليم في حالة الانفصال عن البلاد إذا لم تتم الاستجابة لذلك، ما يجعل الوضع يدور في حلقة مفرغة ولا ينبئ بترك مربع المشكلة في وقت قريب.
تونس – استبقت قبائل برقة بشرق ليبيا الاجتماع المثير للجدل الذي يعتزم العشرات من نواب البرلمان من شرق وغرب البلاد عقده بمدينة غدامس غرب البلاد، لمناقشة انتخاب هيئة جديدة لرئاسة البرلمان الليبي، بالاصطفاف إلى جانب موقف رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح الرافض لاجتماع غدامس لاعتقاده بأنه يستهدف إبعاده عن رئاسة البرلمان.
ويأتي هذا الاصطفاف الذي تخللته تهديدات واضحة بالذهاب إلى حد انفصال إقليم برقة عن ليبيا، فيما احتدم الصراع حول منصب رئيس البرلمان، بين عقيلة صالح الذي يُناور للحفاظ على منصبه، ورئيس محكمة الاستئناف المستشار عبدالجواد العبيدي، وعضو المؤتمر الوطني السابق الشريف الوافي الذي دخل الصراع كمرشح قوي.
وعقدت قبائل برقة السبت الماضي اجتماعا شعبيا في بلدة لبيار قرب بنغازي شاركت فيه مكونات اجتماعية وسياسية ومدنية من غالبية مناطق شرق ليبيا، انتهى ببيان تم فيه التمسك بمبادرة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، التي تأسست على مبدأ الأقاليم التاريخية الثلاثة أي برقة وطرابلس وفزان.
مبادرة تحمل سبل الحل
تستند مبادرة عقيلة صالح، التي طرحها في نهاية أبريل الماضي، على خارطة طريق تُقدم الحل السياسي، وتُقصي الحل العسكري، وتنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وذلك على قاعدة “إرجاع الأمانة إلى أهلها، وهو الشعب الليبي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصير البلاد”.
وتنص على تشكيل مجلس رئاسي بالتوافق أو بالتصويت بين ممثلي أقاليم ليبيا الثلاثة، تحت إشراف الأمم المتحدة، يقوم بعد اعتماده بتسمية رئيس للوزراء ونواب له يمثلون الأقاليم الثلاثة، لتشكيل حكومة يتم عرضها على البرلمان لنيل الثقة ويكون رئيس الوزراء ونائباه شركاء في اعتماد قرارات مجلس الوزراء.
كما تنص أيضا على أن “المجلس الرئاسي يتولى بعد ذلك تشكيل لجنة من الخبراء والمثقفين لوضع وصياغة دستور للبلاد بالتوافق، يتم بعده تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تنبثق عن الدستور المعتمد الذي سيحدد شكل الدولة ونظامها السياسي”.
وتؤكد على أن الجيش الليبي لا يجوز بأي شكل من الأشكال المساس به، حيث يتولى المجلس الرئاسي الجديد مجتمعا مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال هذه المرحلة، ويستمر البرلمان في ممارسة رسالته ودوره كسلطة تشريعية منتخبة إلى حين انتخاب برلمان جديد.
وأكد المشاركون في اجتماع لبيار رفضهم لأي آلية للتوافق لا تقوم على أسس المبادرة المذكورة، ولأي مُخرجات تمس أو تُصادر حق إقليم برقة في اختيار ممثليه، واعتبروا أن استخدام آليات التصويت لإقصاء شخصيات بعينها يعد إسقاطا للعملية السياسية برمتها والتفافا مفضوحا بقصد إفساد المسار السياسي.
وشددوا في المقابل على أن “المقر الدستوري لانعقاد مجلس النواب (البرلمان) هو مدينة بنغازي أو مقره المؤقت بمدينة طبرق”، إلى جانب التأكيد على دعمهم للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ورفضهم إخضاعه للحسابات والمساومات السياسية.
وتخللت اجتماع لبيار تهديدات بانفصال إقليم برقة عن ليبيا جاءت على لسان الشيخ سالم الزوي، الذي اعتبر في كلمة له أن برقة “أقدم من الدولة الليبية وكانت دولة مستقلة عام 1945، وقد تم التنازل عنها من أجل شركاء الوطن”، الذين حذرهم من “التعدي على حقوق برقة في اختيار من يمثلها في المجالس الرئاسية”.
وقال الزوي، في كلمته “بيننا وبين شركائنا في الوطن اتفاق وقد نقضوا الاتفاق أكثر من مرة عبر وسائل غير دستورية ولا قانونية فإذا أصروا على نقض التفاهمات والاتفاقات فمن حقنا العودة إلى ما قبل اتفاقنا معهم، وكذلك إذا لم تتحقق حقوق برقة الشرعية والمشروعة”.
نقاشات ومنافسة
رجح مراقبون أن تُلقي مُخرجات اجتماع قبائل برقة وما سبقها من تهديدات بثقلها السياسي على الاجتماع الرسمي للبرلمان الليبي الذي دعت رئاسة البرلمان إلى عقده الاثنين في بنغازي باعتبارها المقر الدستوري لمجلس النواب، وذلك في محاولة جديدة يُعتقد أن هدفها إحباط المساعي الرامية للإطاحة بعقيلة صالح واستباقا للاجتماع الذي سيعقده العشرات من البرلمانيين في مدينة غدامس بغرب البلاد.
وهذه هي المرة الثانية على التوالي خلال أسبوع واحد التي تطلب فيها رئاسة البرلمان من النواب المشاركة في جلسة بمقر البرلمان في بنغازي، وذلك بعد الجلسة التي عقدت الاثنين الماضي، وتغيّب عنها غالبية الأعضاء الذين شاركوا في المقابل في جلسة عقدت بمدينة غدامس، لكنها لم تنجح في حل المشاكل القانونية المتعلقة بسعيها للإطاحة برئيس المجلس من منصبه واستبدال رئيس آخر به.
وتعكس هذه التطورات مدى عمق الانقسام البرلماني بين بنغازي وغدامس، الأمر الذي لم يُبدد المخاوف التي تُراود رئيس البرلمان عقيلة صالح الذي بات يستشعر أن الأوضاع بدأت تتجه إلى غير ما يشتهي لتقترب كثيرا من خطر الانقلاب عليه، تمهيدا لتشكيل مشهد سياسي جديد بمعادلات مُغايرة لتلك التي أفرزتها انتخابات العام 2014.
وأكد البرلماني الليبي خليفة الدغاري هذا الانقسام الذي ترافق مع صراع مكشوف حول الإطاحة برئيس البرلمان عقيلة صالح، حيث قال في تصريحات نشرتها وسائل إعلام ليبية محلية “ليس أمام رئاسة مجلس النواب إلا الانصياع وحفظ دم وجهها وتقديم استقالتها بعد الفشل الذريع في لم شمل ممثلي الشعب واستحواذ رئيسه على سلطات وصلاحيات المجلس”.
وفي إشارة إلى أن رئيس البرلمان الليبي يستقوي بالقبائل على أعضاء البرلمان، أضاف الدغاري قائلا “لقد أصبح عقيلة صالح شيخا قبليا يعمل مع عدد قليل من زملائه ومناصريه من المشائخ بعيدا عن مؤسسة تشريعية منتخبة تحظى باعتراف محلي ودولي تمثل كل مناطق الوطن ومكوناته وعشائره”.
وعلى وقع هذا الصراع، كشفت مصادر ليبية أن رئيس محكمة الاستئناف الليبية المستشار عبدالجواد العبيدي أصبح منافسا جديا لعقيلة صالح على رئاسة البرلمان، التي ترشح لها أيضا عضو المؤتمر الوطني السابق الشريف الوافي، الذي برز اسمه كطرف فاعل في حوار الصخيرات، إلى جانب توسطه لفتح الموانئ النفطية في العام 2014.
ورأت المصادر أن انتماء عقيلة صالح وعبدالجواد العبيدي لقبيلة البراعصة من شأنه تعزيز فرصة الشريف الوافي للوصول إلى رئاسة البرلمان لاسيما وأنه يُعد من دعاة المصالحة، إلى جانب موقفه الواضح في رفض أجندات الإخوان المسلمين في ليبيا.