على الكاتب الرقمي أن يكون ملمّا ببرامج مثل الفوتوشوب

أنتجت التقنية الرقمية العديد من الأصناف من النصوص الأدبية، منها التخييل النثري سواء بتوظيف معطيات الإنترنت أو بمجرد توظيف اللغة الخطية فقط مع القراء والمطالعة على شاشة أجهزة الكمبيوتر. وكذلك إنتاج الشعر الحركي الذي يعرض على هيئة فلاش واستخدام أنظمة تشغيل أخرى. ويمكن توظيف الشكل الحواري كما في المحادثة الفورية أو “Chatterbots”. ثم مشاريع الكتابة التعاونية التي تسمح للآخرين بالمساهمة بنص ما مثل الروايات التي قد تأخذ شكل رسائل في البريد الإلكتروني. وكذلك النصوص الفيسبوكية التي توظف صفحات الفيسبوك.. ثم الرواية والنصوص التفاعلية والذي يسمى أيضا بالـ”Interactive fiction”.
وكان الأدب الإلكتروني/ الرقمي الذي هو؛ أعمال أدبية يتم إبداعها عبر وسائط الاتصال وتُنشر أولا عبر شبكة الإنترنت. يمتاز بعناصر هامة، منها سهولة الوصول إليه، قلة قيود النشر، والتفاعل القوي مع جمهور القراء مباشرة على شبكة الإنترنت. مظاهر “التفاعلية” عبرت عن هوية النصوص الرقمية: رواج الكتابة الإبداعية المشتركة خلال فترة مبكرة من ظهور التقنية الرقمية، بسبب أن “خدمة البريد الإلكتروني” التي سبقت ظهور شبكة الإنترنت بشكلها المعروف، وهذا شجع فكرة التأليف الجماعي للنصوص.
كما راجت الكتابة الإبداعية المشتركة باستخدام المنتديات والمواقع الثقافية المتخصصة التي ظهرت لاحقاً.. أن يبدأ أحدهم كتابة نص ثم يضيف عضو آخر على النص، ثم ثالث وهكذا.
الرواية هي أول عمل وظف الكمبيوتر لإنجازه، والتشعب ظهر عام 1986 في أميركا، تحت عنوان "بعد الظهيرة" لمايكل جويس، وكان ثمرة لقاء مؤلفين حول البرنامج المعلوماتي “فضاء الحكي” (Storyspace) والناشر (Eastgate) ومؤلف نقدي تحت عنوان "الكتابة الفضائية". عشر سنوات بعد ذلك يظهر أول نصين لفرنسيين هما "الزمن القذر" لآلان شيفو وجيل أرمانيتي وفرانك ديفور و"20 بالمئة حب زيادة" لفرنسوا كولون. وقد بدت التفاعلية في تلك الأعمال المبكرة، ليس أكثر من التعليق على النص الرقمي قبولا أو غيره، دون المساس بالمتن.
في ما بعد ظهر النص التشعبى الذي يتشكل بمشاركة عدد من المهتمين بالنص الأدبي الجديد. لعل معظم نظريات القرن العشرين في النقد الأدبي والفلسفة كانت مُبشرة بظهور "النص التشعبي" باعتباره العمود الفقري لهذه الكتابة الرقمية التشعبية الجديد ومنها: "حوارية" باختين، "جثت"، كما عند ميشال فوكو، «موت المؤلف» و«تداخل الحقول المعرفية»، كما «النص – الشبكة» و«موت المؤلف» عند رولان بارث، ثم "نهاية الكتاب» و«اللامركز» عند دريدا، و«تناص» جوليا كريستيفا، بل وحتى «متاهة» بورخيس، إلخ. كل ذلك وجد نفسه مشدودا لـ«النص التشعبي» بأكثر من خيط.
ولدت عدة مصطلحات معبرة عن النص الروائي الرقمي الجديد «الرواية الرقمية»، «الرواية الإلكترونية»، «الرواية التشعبية»، «الرواية الترابطية»، «الرواية التفاعلية»، ثم «رواية الواقعية الرقمية». إجمالا يمكن أن نحصل على ثلاثة مصطلحات: «ترابطية» أو «تشعبية»، «إلكترونية»/ «رقمية» ثم «التفاعلية».
الملاحظ أنه إذا انتقلنا إلى محركات البحث بشبكة الإنترنت وجدنا العمل الواحد يُصنف في أكثر من خانة. مرد هذه «البلبلة الاصطلاحية» – إن جاز التعبير – كون الوضع الاعتباري للأدب الجديد لم يتحدد بعد، والإنتاج لم يبلغ من التراكم ما يتيح التمييز بوضوح بين أجناس فرعية داخل النوع الجديد.
الرواية «الرقمية» والرواية «الإلكترونية»: تشتركان في غياب السند الورقي، وما أن يخضع نص ورقي للرقمنة حتى يكتسب صفة «رقمي»، من هذه الزاوية، يكون اصطلاح «الرقمي» عامّا تندرج تحته الكتابة الخطية والتشعبية على السواء. كما يركز اصطلاح «رقمي» على الطبيعة غير المادية للسند، يركز رديفه «الإلكتروني» على الكمبيوتر باعتباره الجهاز الذي بواسطته يتم رقمنة النصوص.
الرواية «مترابطة» و«تشعبية» يشتركان في غياب الخطية فعبر تنشيط روابط الحكي التي تأخذ شكل كلمات أو جمل متناثرة هنا وهناك، يتاح للقارئ الانتقال إلى وجهات سردية أخرى أو الوصول إلى حكايات فرعية أصيلة في متن النص. هذا الترابط مع تشعبه وتعدده قد يشي بالتشتت والمتاهة والتشعب «النصوص التشعبية» (أو المتشعبة) مقابلا للأصل المصطلحي (hypertexte).
أما الرواية “التفاعلية” فلهذه التسمية ميزة إبراز ديناميكية العلاقة التي تنشأ بين النص الرقمي وقارئه، يُبرز المصطلح الجانب الآتي من السرد الجديد: النص والقراءة معا هما حصيلتا حركات متبادلة يتوقف بعضها على بعض، بين جهاز الكمبيوتر/ مجموعة من البرامج، من جهة، والقارئ من جهة ثانية. دون تدخل القارئ لن يحقق التفاعل.
باستثناء مصطلح الـ«hypertexte» لا مانع في استخدام المصطلحات كلها “رواية رقمية/ إلكترونية/ تشعبية/ تفاعلية” للدلالة على النص؛ فكل تسمية تركز على بُعد من خصائص الكتابة الرقمية (عبر الكمبيوتر، توظف خصائص يوفرها الجهاز مثل الصورة أو الصوت وغيره) والنص هو هذه السمات مجتمعة. أما مسألة الخلط الذي يمكن أن ينتج عن اكتساب النص الورقي صفة «رقمي» بمجرد رقمنته حيث يقال “نسخة رقمية بصيغة PDF” أو “نسخة رقمية بصيغة وورد”.
ولد التساؤل حول خواص هذا الإبداع الجديد وملامحه (الإبداع الرقمي) مثل البلاغة الرقمية التي تعني فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى في أنواع جديدة من الخطاب، كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره “الإنترنت”.
الكاتب الرقمي عليه أن يكون “ملما بلغات البرمجة المختلفة وتعلم برامج متعددة منها: الفوتوشوب والفلاش ماكرو ميديا والباور دايركتور وعلم الجرافيكس، الخ. كما يجب على الناقد الرقمي الجديد الإلمام بكل الخصائص الفنية والوظيفية ﻹنشاء نص روائي ناضج.
ثم القارئ التفاعلي الذي سيعبّر عنه الأدب الرقمي، القارئ الرقمي لم يعد سلبيا كما كان حال القارئ الورقي، يستطيع الاختيار من خلال تقنية الهايبرتكست حيث يستطيع الذهاب مع لينك معين وتجاهل لينك آخر، أو العودة والمزاوجة بينهما وفي كل قراءة سيخرج بشيء مختلف وربما رواية مختلفة.