رحيل ترامب يدشن حملة عقوبات ضد سياسات أردوغان

بمجرد أن يتولى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن منصبه في يناير المقبل، من المرجح أن تشكل إدارته جبهة موحدة أقوى في كل القضايا التي تتصادم فيها الولايات المتحدة وتركيا، مما يعني أن سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان التي كانت تحت غطاء الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، ستتعرض إلى عقوبات لردعها، مع الأخذ في الاعتبار مدى تأثير كل قضية على المصالح الأميركية.
واشنطن – ستختبر السنوات الأربع المقبلة في ظل حكم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، إلى أي مدى يمكن لتركيا أن تزيد من توتر علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومتابعة العمليات العسكرية التي تتعارض مع المصالح الأميركية دون تعرضها لفرض عقوبات.
وتجد تركيا والولايات المتحدة قيمة متبادلة في علاقاتهما الاقتصادية والأمنية، لكن تصميم أنقرة على إضعاف اعتمادها على الحكومات الغربية مثل واشنطن، مع تعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع روسيا والصين، غالبًا ما يتعارض مع ضرورات وأهداف الولايات المتحدة.
ومع ذلك، قامت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحماية أنقرة إلى حد كبير من العقوبات المقترحة في الكونغرس رغم أن هذا قد يتغير بمجرد تولي بايدن منصبه في يناير. ومع ذلك، فإن فرض عقوبات شديدة في عهد بايدن سيجبر تركيا فقط على مواصلة تنويع علاقاتها بعيدًا عن الغرب.
وترى إميلي هوثورن، محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز ستراتفور الأميركي للدراسات والأبحاث الجيوسياسية الإستراتيجية، أن من بين أوْكد أولويات تركيا ضمان ألا تفرض إدارة بايدن عقوبات على أنقرة بسبب شرائها النظام الصاروخي الروسي أس – 400 واختباره.
وكان استخدام تركيا للنظام الصاروخي الروسي إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين واشنطن وأنقرة في السنوات الأخيرة، حيث يؤكد على ابتعاد الجيش التركي عن الناتو وحلفائه الغربيين للاتجاه نحو روسيا.
وتحرك المشرعون الأميركيون لفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون “مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات” في عام 2019، لكن البيت الأبيض توقف منذ ذلك الحين عن فرضها.
ومع ذلك، تعتقد هوثورن أن إدارة البيت الأبيض الجديدة ستكون أكثر استعدادا للمضي قدما في توقيع مثل هذه العقوبات، نظرًا لعلاقة بايدن غير القوية مع أنقرة والضغوط السياسية المتجددة التي من المحتمل أن يواجهها لاتخاذ إجراءات صارمة ضد تركيا.
ورغم التحذيرات المتكررة من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو، تواصل تركيا اختبار النظام الصاروخي أس – 400، مما يشير إلى أنها تنوي استخدامه. وقد أعرب الحلف عن مخاوفه من أن نشر نظام صاروخي روسي في إحدى دوله الأعضاء قد يمكّن موسكو من جمع معلومات استخباراتية عن أنظمة أسلحته.
وكنتيجة لذلك، استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة أف – 35، وهددت بفرض عقوبات على استخدامها نظام أس – 400، لكنها لم تتابع بعد تنفيذ أي عقوبات.
ومن المرجح أن تدافع أنقرة أيضا عن نفسها ضد مطالب واشنطن بوقف تنقيبها عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط.
وتقول هوثورن إن هذه القضية تهم بقية دول الناتو أكثر مما تهم واشنطن بالنظر إلى القرب الجغرافي لأوروبا والتداعيات المباشرة على مصالح الطاقة في القارة، وبالتالي من المرجح أن تؤدي الإجراءات العدوانية التركية في شرق البحر المتوسط إلى فرض عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي أكثر منه من الجانب الأميركي.
لكن الولايات المتحدة وقفت بقوة إلى جانب اليونان وقبرص بشأن عدم شرعية بعض أنشطة التنقيب عن النفط والغاز التركية في المنطقة، الأمر الذي يضفي ثقلًا دبلوماسيا على جهود الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على تركيا بسبب النزاع، وسيؤدي ذلك إلى دفع أنقرة إلى محاولة إضعاف المصالح الأميركية في شرق البحر المتوسط من خلال جهود الضغط.
وستحاول أنقرة العمل بشكل أوثق مع واشنطن بخصوص القضايا الأخرى التي تتفق الدولتان بشأنها. وفي الآونة الأخيرة، أدانت وزارة الخارجية الأميركية استمرار تركيا في التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط.
ودفعت تحركات تركيا المستمرة للاستحواذ على احتياطيات الطاقة في المياه التي تتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص كلا من قبرص واليونان إلى مطالبة بروكسل بفرض عقوبات أشد على أنقرة.
وبصرف النظر عن تلك المشكلة، ستسعى أنقرة للضغط على إدارة بايدن ضد متابعة القضايا القانونية الحالية المتعلقة بالعقوبات الإيرانية، حيث وجهت وزارة الخزانة الأميركية لائحة اتهام إلى بنك خلق التركي الحكومي، والذي تربطه علاقات شخصية بالرئيس رجب طيب أردوغان، بزعم غسل المليارات من الدولارات الإيرانية لمساعدة طهران على التهرب من العقوبات.
تحركات تركيا المستمرة دفعت للاستحواذ على احتياطيات الطاقة في المياه التي تتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص كلا من قبرص واليونان إلى مطالبة بروكسل بفرض عقوبات أشد على أنقرة
ولم تعاقب واشنطن بعد الحكومة التركية على تورطها في مخطط غسل الأموال، لكن من غير المرجح أن تمنح إدارة بايدن القادمة لأنقرة مساحة كبيرة عندما تتم إحالة قضية بنك خلق إلى القضاء مرة أخرى في أوائل عام 2021، مما سيعيد إشعال الحوار ويزيد التوترات بين واشنطن وأنقرة.
وقد سعت وزارة العدل الأميركية إلى منع قضية بنك خلق من التحول إلى عقوبات مالية خطيرة على تركيا، وفي عام 2016 رفض بايدن عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما طلبات أردوغان السابقة للتقليل من الضغط الأميركي على بلده، بما في ذلك مناشدته الشخصية لمساعدة بنك خلق على تجنب العقوبات المكلفة.
ويمكن أن تفتح إدارة بايدن الباب أمام زيادة التوافق في أجندات سياسات الدولتين في سوريا، رغم أن تركيا لن تعلق الأمل في تخلي الولايات المتحدة عن موقفها المؤيد للأكراد في المنطقة.
وتعتبر الحرب ضد التشدد الكردي والانفصالية إحدى أولويات الأمن القومي التركي، وبالتالي ستبقى أنقرة غير مرنة إلى حد ما بشأن هذه القضية في المناقشات مع الولايات المتحدة، التي لطالما أثار دعمها للمقاتلين الأكراد في سوريا غضب تركيا.
وتشير الدلائل إلى أن حالة الاصطدام بين البلدين بشأن سياسات كل منهما في سوريا ستستمر طالما أن واشنطن تعمل جنبا إلى جنب مع المقاتلين الأكراد في عمليات مكافحة الإرهاب. وقد ساعد سحب إدارة ترامب لبعض القوات من سوريا مؤقتا على تخفيف التوترات الأميركية التركية من خلال تقليل الدعم العسكري الأميركي الملموس للقوات الكردية التي لا تثق بها أنقرة.
وعندما يتعلق الأمر بنهجها العام تجاه الإدارة الأميركية الجديدة، ستركز تركيا بشكل خاص على تعويض خسارة العلاقة الخاصة التي كانت تربطها بسلف بايدن.
وأفرز نهج ترامب الثنائي مع تركيا الذي تحركه سماته الشخصية بشكل أكبر فجوة سياسية بين البيت الأبيض والكونغرس، مما ساعد على حماية أنقرة من دعوات المشرعين الأميركيين لفرض عقوبات على مدى السنوات الأربع الماضية. لكن هذه الفجوة ستتقلص في ظل البيت الأبيض الجديد، بالنظر إلى تعهد بايدن بإعادة تبني المؤسسات والتحالفات متعددة الأطراف.