عالم كرة القدم يبكي مارادونا ساحر الأجيال

ديغو.. أسطورة ساكنة في أذهان الجميع لا تموت.
الجمعة 2020/11/27
نجم سيخلده التاريخ

لا شك أن العالم حزين لفقدان موهبة بل أسطورة من أعظم الأساطير الذين أنجبتهم كرة القدم، في وقت تستعد فيه بلاده الأرجنتين لتأبين “الفتى الذهبي” دييغو أرماندو مارادونا الذي غيبه موت مفاجئ الأربعاء عن 60 عاما.

بوينس آيرس – ودّع الشعب الأرجنتيني رسميا الخميس ابنا أثيرا من أبناء البلاد هو لاعب كرة القدم المخضرم دييغو أرماندو مارادونا صاحب الشعبية الواسعة الذي تخللت حياته جولات من الصراع مع الإدمان. وسيسجى جثمان مارادونا، الذي توفي في منزله عن 60 عاما إثر أزمة قلبية الأربعاء، في قصر كاسا روسادا الرئاسي بدءا من الخميس حتى السبت. وينتظر أن تلقي جموع غفيرة نظرة الوداع على نعشه خلال ثلاثة أيام في إطار الحداد الوطني التي أعلنه رئيس البلاد ألبرتو فرنانديز.

وقال مرسوم الحداد الرسمي إن مهارة مارادونا الكروية “التي لا تضاهيها مهارة حوّلته إلى واحد من أشهر الشخصيات في العالم، إذ طبقت شهرته الآفاق وحظي باعتراف الجميع بأنه أفضل لاعب في العالم”. ونعاه كبار الرياضيين وقادة العالم، بمن فيهم البابا فرنسيس الأرجنتيني المولد. وخرج عشرات الآلاف من الأرجنتينيين إلى الشوارع الأربعاء حدادا عليه، ووضعوا الزهور والرسائل عند البيت الذي قضى فيه طفولته وعند ناديه السابق بوكا جونيورز لكرة القدم.

وكان لمارادونا مشوار طويل قاد خلاله منتخب بلاده إلى مجد الفوز بكأس العالم عام 1986. وتضمنت تلك البطولة مباراة في الدور ربع النهائي أمام إنجلترا سجل فيها مارادونا هدفين يعتبران من أشهر أهداف كأس العالم على الإطلاق أحدهما سجله بيده خلسة وقال إنه تحقق بـ”يد الله”.

فارق أسطورة “التانغو” بعد سجل حافل بالمهارة والبصمات الكروية جنبا إلى جنب مع المشاكل والأزمات التي ألقى بنفسه فيها مرارا، حيث مرت حياته بمنعطفات تراجيدية عدة. ويعتبر كثيرون مارادونا ملكا للمتناقضات حيث قاد منتخب بلاده إلى لقب كأس العالم 1986 وقاد الفرق التي لعب لها إلى الفوز ببعض الألقاب لكنه سقط في مستنقع المنشطات والمخدرات وفشل في عمله كمحلل تلفزيوني، ولم تكن مسيرته التدريبية بنفس القدر من النجاح الذي حققه كلاعب.

وبعد كل هذه الأحداث التي قد تبدو كثيرة للغاية على حياة شخص واحد، وصل مارادونا إلى خط النهاية. وهناك عدد لا يحصى من الروايات عن مارادونا: كيف تلاعب بمنافسيه في الملعب، وكيف راوغ الموت من قبل، وكيف أطلق النار على الصحافيين ببندقية هواء أو حتى كيف سميت الكنيسة باسمه؟ كلاعب كرة قدم، كان مارادونا رائعا بشكل قد لا يكون لأحد من قبله أو للاعب آخر بعده. كشخص، وبعد سنوات من اعتزاله، كان مارادونا سمينا لدرجة أنه لم يستطع التحدث.

دييغو أيضا اسم يرمز إلى الحياة بين النقيضين، بين الجنة والجحيم، بين العبقرية والجنون. فقد غادر مارادونا المستشفى بإحدى ضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في 11 نوفمبر بعد أسبوع من العملية التي خضع لها بسبب نزيف في المخ علما وأنه نقل إلى المستشفى في البداية بسبب الإجهاد العصبي والأنيميا (فقر الدم) والجفاف الخفيف قبل أن تكشف الفحوص عن نزيف بين السحايا والدماغ. وقال محاميه ماتياس مورلا وقتها إن مارادونا اجتاز، ربما، أصعب لحظة في حياته. وأوضح أن الفتى الذهبي السابق للكرة الأرجنتينية يحتاج إلى فترة نقاهة بعدما أفلت من هذه الأزمة الصعبة.

نظرة الوداع
نظرة الوداع

وفي سبتمبر 2019، تولى مارادونا تدريب فريق خيمناسيا دي لا بلاتا الأرجنتيني. وعلى موقع إنستغرام للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ظهر مارادونا وهو يحمل كلبه الصغير بين ذراعيه تارة وبرفقة لوح الخطط الكروية في الحديقة تارة أخرى، أو وهو يضع على وجهه قناعا يشبه خوذة رائد الفضاء تارة ثالثة، وذلك لحماية نفسه من فايروس كورونا.

وفي هذه الصور، كان مارادونا يبدو نحيفا وبصحة جيدة عادة، بل وكان يرتدي في إحداها نظارات حديثة. وكانت الرسالة هي أنه بخير. وقال نجم كرة القدم الألماني السابق غونتر نيتشر (76 عاما) قبل وقت قصير من احتفال مارادونا بعيد ميلاده الستين في 30 أكتوبر الماضي “عليك أن تقول إنه على ما يبدو أتقن أزمة حياته التي نشأت بعد كرة القدم”.

وبالنسبة إلى نيتشر، ظل مارادونا أسطورة كما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من الناس. وبدأت الأسطورة في حي “فيلا فيوريتو” بإحدى ضواحي بوينس آيرس، حيث تم اكتشاف الفتى الذهبي مبكرا من قبل نادي الدرجة الأولى أرخنتينوس جونيورز. وكصبي في الثانية عشرة من عمره، يقال إنه قدم للمشاهدين المزيد من الترفيه أكثر من الفريق الأول به خلال فترات الراحة بين شوطي المباريات. وفي سن الخامسة عشرة، ظهر لأول مرة مع الفريق الأول بالنادي. وفي سن السادسة عشرة، التحق بالمنتخب الأرجنتيني الأول، وفي السابعة عشرة، كان هدافا لفريقه. وفي سن التاسعة عشرة، كان أفضل لاعب كرة قدم في أميركا الجنوبية.

أسطورة “التانغو” فارق الحياة بعد سجل حافل بالمهارة والبصمات الكروية جنبا إلى جنب مع المشاكل والأزمات التي ألقى بنفسه فيها مرارا

وفي ذلك الوقت، أراد الصحافيون في الأرجنتين معرفة ما إذا كان مارادونا هو بيليه الجديد. ورد مارادونا بالقول “إنني مارادونا ولست شيئا جديدا. أريد فقط أن أكون مارادونا”. ونجح مارادونا في هذا بلا شك، حيث قدم مسيرة لا يمكن مقارنتها بأحد. وسارت العديد من الأمور بشكل جيد في البداية.

وفي 1982، انتقل مارادونا إلى برشلونة الإسباني وذلك نظير مقابل مالي قياسي. ولكن الإصابات أفسدت مسيرته مع الفريق الكتالوني على مدار موسمين. وفي مقابل مبلغ مالي قياسي آخر، انتقل مارادونا إلى نابولي الإيطالي في 1984، ولم ينتقل مارادونا وقتها إلى أحد الأندية الكبيرة في شمال إيطاليا ولكن إلى نابولي في جنوب إيطاليا رغم تواضع مستوى الفريق وتاريخه.

وفي نابولي، بدأ التحول في مسيرة مارادونا. وقفز اللاعب عاليا وعاليا وتوج مع نابولي بلقب الدوري الإيطالي في 1987 و1990 ليكونا اللقبين الوحيدين في تاريخ الفريق بالدوري الإيطالي حتى الآن. وكان أكثر من 70 ألف مشجع استقبلوا مارادونا ورحبوا به في ملعب “سان باولو” لدى وصوله إلى نابولي للعب مع الفريق. وبعدها كانت الجماهير تحيط ببابه. وذات مرة، سرقت ممرضة عينة من دمه وجلبتها إلى الكنيسة. وتوج مارادونا مع نابولي بلقب كأس الاتحاد الأوروبي في 1989 أيضا ليكون اللقب الأوروبي الوحيد في تاريخ الفريق حتى الآن كما توج مع المنتخب الأرجنتيني بلقب كأس العالم 1986. ولكنه خرج عن السيطرة خارج الملعب مثلما كان بالنسبة إلى منافسيه داخل الملعب. وسقط مارادونا في فخ إدمان الكوكايين.

وسبق لمارادونا أن قال إنه كان يشعر بأنه مثل “سوبرمان” بعد تعاطيه جرعة الكوكايين. وبدأ مارادونا وقتها حياة السهر والتنقل من منزل لآخر في الأيام التي تفصل بين كل مباراتين متتاليتين. كما انتهت مسيرته الدولية مع المنتخب الأرجنتيني في مونديال 1994 بالولايات المتحدة بعد قرار من الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) بإيقافه نتيجة اكتشاف تعاطيه مادة منشطة.

أسطورة قدمت للمشاهدين المزيد من الترفيه
أسطورة قدمت للمشاهدين المزيد من الترفيه

 

23