رياضة الباركور متنفس الشباب المغربي زمن كورونا

عشاق رياضة الشارع يهربون من ضغط الحجر إلى الركض والقفز والتسلق.
السبت 2020/11/21
تسلق جدار الحجر

تقوم لعبة "الباركور" على تخطّي مجموعة من التحديات والانتقال من مرحلة إلى أخرى بتخطيط سريع، وهو ما يتطلب فكرا خلاقا أثناء ممارستها وإيمان الشباب من عشاقها بتخطي أيّ حاجز كيفما كان. ومع ضغوط وباء كورونا انطلق الشباب إلى الحدائق والأماكن المخصصة لرياضة الشارع هربا من الحجر الصحي.

الرباط ـ مع إجراءات الحجر الصحي الذي أجبر الناس على الخمول في البيوت، وغلق المقاهي والفضاءات الثقافية، أصبح لدى الشباب المغربي الكثير من الوقت وحالة من القلق، فخرج عشاق رياضة الباركور إلى الفضاءات العامة للهروب من الضغوط النفسية التي خلفها انتشار جائحة كورونا.

يقول الشاب زكريا الذي يجتمع مع ثلة من أصدقائه في أحد المنتزهات بمدينة الرباط للتدريب وتقديم بعض العروض الشيّقة التي تجمع الشباب من المشاهدين، “كورونا أثرت على نفسيتنا ككل الناس، لكنها لم تؤثر على نشاطنا، بل بالعكس صارت الحدائق فارغة من أولئك الذين يعتبرون أن هذه الرياضة خطرة علينا، خاصة كبار السن الذين كانوا يعارضون تواجدنا في الحدائق العامة خوفا على أطفالهم من أن يتأثروا بنا ويعرضوا أنفسهم للخطر”.

وأضاف الشاب العشريني، وهو بصدد تدريب بعض الشباب الذين التحقوا مؤخرا على القفز، “جاء فايروس كورونا المستجد، فدفع الكثير من الشباب إلى الانخراط معنا في رياضة الباركور التي بدت تستهويهم لما فيها من تشويق”.

ومع إعادة إجراءات الحجر الصحي وإلزام الجميع بوضع كمامة للتحرك، فإن الكمامة غير إلزامية لممارسة الرياضة في الهواء الطلق ما جعل الكثيرين يرغبون بتعلم الباركور، فهي رياضة تمارس تقريبا بشكل فردي ولا يكمن خطر العدوى بين اللاعبين الذين يلتزمون بقاعدة التباعد الاجتماعي في لعبة عير تنافسية، كما يقول زكريا.

وتظهر الأبحاث أن احتمالية نقل الفايروس في البيئة المفتوحة أقل، ما يجعل الباركور أمرا جذابا للكثيرين، يقول الشاب سعيد الذي احترف هذه الرياضة منذ انتشارها في المدن المغربية، “فايروس كورونا لم يوقفنا عن ممارسة الباركور”.

ورياضة الباركور أو العدو الحر غير تنافسية تتضمن التحرك بحرية على أي أرض وتخطي أي عقبات باستخدام القدرات البدنية فقط عن طريق الركض والقفز والتسلق والزحف، إلى جانب أي حركات أخرى يتطلبها الموقف.

الكمامة غير إلزامية لممارسة الرياضة في الهواء الطلق، ما جعل الكثيرين يرغبون في تغلم "الباركور" كرياضة غير تنافسية
الكمامة غير إلزامية لممارسة الرياضة في الهواء الطلق، ما جعل الكثيرين يرغبون في تغلم "الباركور" كرياضة غير تنافسية

يقول زكريا، “نستغل فرصة الحجر لتكثيف التمارين للقادمين الجدد، فلا يمكنك أن تذهب إلى مدرسة للباركور، ولا توجد شهادة، لهذا رغبت في تدريب الشباب في حيينا الشعبي وإنقاذهم من براثن المخدرات”.

ويضيف، “نحن نعيش في أحياء شعبية حيث ينتشر الانحراف والإدمان على تعاطي المخدرات بشتى أنواعها، الباركور وسيلتنا للوقاية من الإدمان، كما أنه يسمح لنا بخلق عالم خاص بنا بعيدا عن هذا الواقع”.

ويشرح ذلك بقوله، “بعد فترة من الزمن يصبح المتمرن قادرا على التغلب على المخاوف والآلام بسهولة فكل ما يتم تعلمه خلال الممارسة، يتم تطبيقه في الحياة الواقعية مما يؤثر بشكل إيجابي على شخصية المتمرن ونظرته وتعامله مع التحديات والمشاكل الاجتماعية”.

ويؤكد سعيد وهو أحد المتدربين مع زكريا، أن “حياتنا أصبحت مليئة بالضغوطات، لكن الباركور يسمح لنا بتخطي الحواجز النفسية التي يفرضها الوباء، لأنه يمكننا من الإبداع، والإبداع يعني الحرية، كما أن أي إنجاز جديد يشعرك بالمتعة وينسيك حدود الواقع”.

وتتخذ رياضة الباركور من أي جدران أو تضاريس في المدينة ساحة للممارسة، وأي شيء يثير الانتباه في الشارع يمكن أن يصبح جزءا من اللعبة، سواء تعلق الأمر بمبان أو أرصفة أو أدراج.

هذه الرياضة الممتعة لا تخلو من الحوادث لذلك قوبلت برفض من الآباء، بل يراها البعض منهم ضربا من ضروب الطيش والتهور، ويراها البعض الآخر تتناقض في الكثير من الأحيان مع العادات والتقاليد المحافظة للمجتمع المغربي، وكثيرا ما يتعرض رياضيو الباركور لمضايقات من طرف المارة، كوصفهم بالقردة.

وبدأت نظرة المجتمع تتغير في السنوات الأخيرة بعد أن اكتشف عدد من الناس الباركور من خلال الاستعانة ببعض ممارسي اللعبة في عدد من الإعلانات والأفلام المغربية.

يقول ياسين الرباطي الذي يحاول نقل تجربته في رياضة الباركور إلى جيله “أسست العديد من المجموعات، لكن أعضاءها سرعان ما انفضوا من حولي وتركوني وحيدا في نصف الطريق، ورغم ذلك مضيت قدما، لأن عزيمتي كانت أقوى”.

ويشير ياسين إلى أن والده كان معارضا لممارسته هذه الرياضة، لكنه استطاع إتمام مشواره إلى حين تأسيسه جمعية “آد أرتست”، في لعبة الباركور بالعاصمة الرباط.

وتعتبر هاجر المرابطي طالبة بكلية الحقوق ورياضية باركور، أنها تتحدى النظرة التقليدية للمجتمع حول مدى إمكانية مجاراة المرأة للأنشطة أو الأعمال التي يقوم بها الرجل.

تقول، “عائلتي ترفض ممارستي للباركور، بسبب نظرة المجتمع، لكنني لا أبالي وسأستمر، وأنا مقتنعة أنه مع الوقت سأكسر هذه القيود، وستقتنع عائلتي بالباكور”.

وتأسست سنة 2017 جامعة الرياضات الحضرية كالسكيت بورد والرولر (أحذية التزلج) ودراجة التروتينيت وحتى الباركور وهي رياضات حديثة تجتذب الشباب المغربي.

وقال منير لمساري، نائب رئيس الجامعة الملكية المغربية للرياضات الحضرية، إن الجامعة أخذت على عاتقها أولا تغيير نظرة العديد من الناس لهذا النوع الرياضي وتحسيسهم بأن هذه الأنشطة لا تختلف عن باقي الأصناف، رغم أن العديد من البلدان تطلق عليها “رياضة الشوارع”، وهو مفهوم خاطئ.

وأضاف، أن ممارسي الرياضات الحضرية لا يختلفون عن باقي الرياضيين الآخرين سواء من ممارسي كرة القدم أو كرة المضرب أو ألعاب القوى أو كرة السلة وغيرها من الألعاب الرياضية.

لذلك عملت الجامعة على إضافة نكهة جديدة للرياضات الحضرية من خلال فتح الباب أمام الشباب لممارسة هوايتهم المفضلة دون إزعاج الغير من خلال الفضاءات العامة والمنتزهات عبر إحداث عدة ملاعب.

وأشار إلى أن من بين المشاكل التي تواجهها هذه الفضاءات وخاصة تلك المخصصة لرياضة السكيت بورد، الاعتقاد السائد بأنها منتزهات عمومية ما يتسبب في إلحاق أضرار كبيرة بتجهيزاتها.

ومع توقف الأنشطة الرياضية بسبب تفشي فايروس كورونا، نظمت الجامعة تظاهرة افتراضية أفريقية تحت شعار “ضد جائحة كورونا” بشراكة مع الجامعات القارية للرياضات الحضرية والجامعة الدولية للسكيت والجامعة الدولية للباركور.

وكانت الغاية من هذه التظاهرة الافتراضية الأفريقية تحفيز الرياضيين الشباب وتشجيعهم على التكيف مع الحياة الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسلطت الضوء على التخصصات الخمسة، وهي الباركور ومداعبة الكرة (ستريت فري ستايل) وسكيت والرولور والتروتينيت بمشاركة أزيد من 380 رياضيا من 14 بلدا أفريقيا.

17