مصريات يكسرن الحواجز الاجتماعية ويحترفن كرة القدم

القاهرة - لم تكن نورا سيف تعلم أن صورة لها وهي تطعم رضيعتها ليلى على مقاعد البديلات، ستلقى رواجا كبيرا للاعبة المتوجة مؤخرا مع فريقها وادي دجلة بلقب الدوري المصري للسيدات بكرة القدم، الذي يتوقع أن يشهد طفرة شعبية ومالية مع طلب الاتحاد المحلي انضمام الأندية الجماهيرية على غرار الأهلي والزمالك.
واجهت سيف ضغوطا شديدة من أسرتها لثنيها عن ممارسة لعبة تعتبر “محرّمة” على النساء اللواتي يُتهمن في المجتمعات المحافظة بمحاولة التشبّه بالرجال.
تلك العادات والتقاليد أخّرت أيضا زواج سيف (36 عاما) “لأن كل من طلبني رفض متابعة ممارستي لكرة القدم”، لكنها تزوجت أخيرا إداريا في الفريق الذي تلعب له، ورزقا بليلى التي باتت ذات شهرة في مصر، لانتشار صورة والدتها وهي ترضعها على دكة البديلات.
تقول سيف “كأي أم تبكي ابنتها جوعا، أطعمتها على مقاعد البدلاء”، حيث تواجدت لدعم فريقها بعد إصابتها بالرباط الصليبي، التي للمفارقة أتاحت لها الحمل والإنجاب.
كان حلم سيف أكبر من التقاليد، فانضمت إلى نادي سموحة وحققت معه ست بطولات، وواصلت مشوارها منتقلة إلى وادي دجلة، واللعب للمنتخب الوطني، على غرار زميلتها فاطمة رجب.
عانت رجب (18 عاما) ضغوطا “لا يقوى عليها أحد” عندما قررت ممارسة كرة القدم في الصعيد ثم الانتقال إلى وادي دجلة.
تقول الشابة إنه “من المستحيل أن تقنع أسرة صعيدية بانتقال ابنتها للعيش في القاهرة في هذه السن الصغيرة”، لكن بعد إلحاح وإقناع من مسؤولي النادي “تفهّمت أسرتي، مشترطة استكمال دراستي. وبالفعل، حصلت على دبلوم الدراسات التجارية، وصعدت للفريق الأول الموسم الأخير وشاركته في الحصول على بطولة الدوري”.
وبعدما وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي في المؤتمر السابع للشباب بضرورة الاهتمام برياضة المرأة، وتشكيل منتخب نسائي مع مراعاة التقاليد والعادات، تبنت إدارة الكرة المصرية فكرة تطوير وإعادة إحياء الكرة النسائية.
وعليه، تمت مخاطبة أندية دوري الدرجة الأولى والجماهيرية، على غرار الأهلي والزمالك، بضرورة تشكيل فرق نسائية، فيما لا تتمتع الأندية الحالية بالشهرة كمركز شباب الأميرية والمعادي واليخت وصيد المحلة والطيران وكفر سعد وبشتيل.
وستثري المشاركة المرتقبة للأندية الكبرى البطولات، إضافة إلى الدعم المادي الممنوح من الاتحاد الدولي (فيفا) والمتوقف منذ فترة لعدم وجود مسابقات نسائية، بحسب اللاعبة الدولية السابقة فايزة حيدر التي خطفت الأضواء أخيرا بتدريبها نادي إيديال غولدي للرجال في الدرجة الرابعة.
تقول حيدر التي تغطي رأسها بحجاب غالبا ما يكون أبيض اللون يبرز لون بشرتها السمراء “أنا كلاعبة أو مدربة أو حكم يبلغ راتبي 2000 جنيه شهريا (نحو 130 دولارا) كعائد من ممارسة كرة القدم وهو لا يكفيني. أضطر للعمل في جهات أخرى ما يدفعني لاعتزال كرة القدم في وقت مبكر”.
لكن حيدر تعتبر أن الأزمة الأساس تبقى في “المجتمع الشرقي الذي رفض سابقا ممارسة الفتاة لكرة القدم، وسمح لها منذ زمن بممارسة الكرة الطائرة والسلة واليد والسباحة وألعاب القوى وألعاب أخرى”.
غير أنها تعتبر أن مشاركة أندية شعبية كبيرة سيكون لها وقع آخر لأن “الوضع اختلف الآن”.
ولم يكن للكرة النسائية صديق في رحلة التأسيس مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عندما بدأ النشاط بفرق هاويات في الجامعات، وبعض المدارس الخاصة وأكاديميات تجارية.
وحاول بعض نجوم الفن والرياضة دعم الفكرة، لكن كونها بمعزل عن اتحاد الكرة ودون إطار رسمي جعل محاولات إثبات وجودها يائسة.
وفي النصف الثاني من التسعينات، ظهرت سحر الهواري، عضو اتحاد الكرة والمهتمة بملف الكرة النسائية، فتشكّل منتخب السيدات وشارك في كأس أفريقيا 1998 في نيجيريا حيث ودّع من دور المجموعات دون أي فوز.
وارتبط ملف الكرة النسائية بالهواري وساهمت بإطلاق أول دوري في 1999، لكن بعد تركها الاتحاد ودخولها السجن بسبب قضايا مالية، عادت اللعبة إلى أدراج النسيان.
وشاركت مصر بعدها في كأس أفريقيا 2016 في الكاميرون، حيث ودّعت أيضا من الدور الأول بفوز وخسارتين، فيما لم تظهر في تاريخها في نهائيات كأس العالم.
ويؤكد حسين عبداللطيف لاعب ومدرب الزمالك الأسبق والمدير الفني السابق لمنتخب السيدات أن مصر من أقل دول شمال أفريقيا اهتماما بالكرة النسائية لوجود “معوقات عديدة أهمها الجوانب المالية…من عدم توفير ملابس ومعسكرات ومباريات ودية دولية”.
وينتقد محمد كمال المدير الفني لفريق وادي دجلة، بطل الدوري 11 مرة آخرها في 2020، هيكلية الكرة النسائية وارتباطها بشخص واحد.
ويقول “ما أن رحلت الهواري عن اتحاد الكرة، حتى تاهت اللعبة، وغاب عنها الاهتمام من كافة مجالس إدارات الاتحادات السابقة والحالية، وذلك رغم اهتمام الاتحادين الأفريقي والدولي”.
ويضيف أن “من يديرون اللعبة تحكمهم المجاملات الصارخة وليست لديهم خبرات سابقة، وهذا ما خلّف حالة احتقان شديدة لدى كافة عناصر اللعبة”.
وتشرح سحر عبدالحق المشرفة العامة على الكرة النسائية الفراغ الحاصل قبل استلامها زمام الأمور في أغسطس 2019.
وتقول “بعدما تولينا المسؤولية، وجدنا أن ثلاث سنوات مرت دون وجود منتخب واحد يمثل الكرة النسائية في المحافل الدولية، باستثناء منتخب الشابات تحت 20 سنة، إضافة إلى دوري هزيل بلا تغطية إعلامية”.
تحلم لاعبات كرة القدم في مصر ببداية حقيقية هذه المرة، على أمل الاقتداء بمنتخب الرجال حامل الرقم القياسي بالتتويج سبع مرات بلقب كأس أمم أفريقيا.