منطقة "نبع السلام" السورية تحت مطرقة تركيا وحصار قسد

تلعب تركيا دورا محوريا في إحداث تغيير جيواستراتيجي داخل الأراضي السورية وخاصة في منطقة “نبع السلام” شرق سوريا عبر استغلال الظروف المعيشية للسكان للضغط عليهم أو استخدامهم كورقة ابتزاز، والذين وجدوا أنفسهم بين فكي كماشة خاصة في ظل حصار قوات “قسد” عليهم، ما يطيل أمد أزمتهم التي لا يعلم أحد متى سيتم حلها؟
دمشق- تحولت منطقة تل أبيض ورأس العين وريفهما إلى سجن كبير تحاصره قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد” من ثلاث جهات، بينما الجهة الرابعة الحدود السورية – التركية بعد عام من سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا على منطقة شمال شرق سوريا.
وتغير واقع هذه المنطقة بشكل كبير، فلم تعد وجهة سكان تلك المنطقة مدن الرقة والحسكة القامشلي وحلب وغيرها من المدن السورية فحسب، بل أصبح تجاوز تلك الحدود يدفع ثمنه حياة الشخص في بعض الأحيان من قبل طرفي الصراع.
وطوال عام مضى باتت المنطقة مسرحا للجيش التركي الذي كان يراقبها لأكثر من مئة عام، ورغم قوته كأحد أبرز جيوش حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلا أنه لم يستطع حمايتها من المفخخات التي حصدت أرواح المئات من أهلها، ولكن أنقرة سعت في مقابل ذلك إلى تغيير تركيبتها الديموغرافية وإضفاء طابع “الدولة العثمانية” عليها وسط اختناق اجتماعي للسكان على كافة الأصعدة.
وتشير العديد من التقارير ومصادر طبية سورية إلى أن المنطقة شهدت أكثر من 30 تفجيرا بسيارات ودراجات وعبوات ناسفة راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، معظمهم من المدنيين، ويُحمل الأهالي قسد والجيش التركي والجيش السوري الحر المسؤولية عن ذلك.
ويبدو مفهوما لدى المراقبين أن تركيا لا تسعى إلى استقرار المنطقة، التي تضم السكان العرب، بل تريد إثارة السكان وحملهم على النظام بشار الأسد حتى تكسب ودهم وبالتالي توسيع سيطرتها هناك كما فعلت في مناطق أخرى حينما سعت إلى تغيير هويتها.
ولكن حتى قوات قسد، وهي تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي ويضم ميليشيات عربية وآشورية وسريانية، ساهمت في ذلك، حيث تواجه اتهامات من الجيش الحر المدعوم من تركيا بالوقوف وراء التفجيرات المتكررة.
ويعترف نائب رئيس مجلس مدينة رأس العين المحلي عبدالله الجشعم بأن معاناة سكان المنطقة خلال العام الماضي كانت كبيرة وقاسية “فالأشهر التي أعقبت التحرير كانت قاسية بسبب الظروف المعيشية”.
وثمة خطورة على طول طريق الأوتوستراد الدولي حلب القامشلي، والذي يعرف باسم “أم 4″، حيث أصبح خط الحدود بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة فصائل المعارضة والجيش التركي من الجهة الجنوبية، فقد كلف عبور ذلك الحد الفاصل حياة الكثيرين.
وأطلقت تركيا في أكتوبر العام الماضي عملية “نبع السلام” بعد تلقيها ضوءا أخضر من إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لتنفيذ عملية أحادية في تلك المنطقة مباشرة بعد سحب واشنطن جنودها هناك، لكن سرعان ما علق الجيش التركي العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الإرهابيين من المنطقة، أعقبه اتفاق مع روسيا في سوتشي من الشهر ذاته.
وهذه الخطوة جاءت بعد عملتين سابقتين أطلقتهما أنقرة الأولى “غصن الزيتون” في مطلع 2018 واستمرت ثلاثة أشهر وقبلها عملية “درع الفرات” التي استمرت من أغسطس 2016 وحتى مارس 2017، واللتين كان لهما هدف ألا وهو إقامة كيان بقيادة كردية على الحدود التركية.
وكانت تركيا تهدف من “نبع السلام” إلى إنشاء منطقة آمنة تمتد من نهر الفرات غربا حيث مدينة جرابلس، حتى المالكية في أقصى شمال شرق سوريا، عند مثلث الحدود التركية العراقية السورية، بعمق يتراوح بين 30 و40 كلم، وعلى امتداد يقدر بنحو 460 كلم.
ووضع أردوغان هدفين لخطته: أولاها إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن طول الشريط الحدودي السوري جنوب تركيا، بما يفشل محاولاتها في إنشاء حكم ذاتي أو دولة مستقلة، والقضاء على التهديدات التي تطال البلدات التركية انطلاقا من شمال سوريا، أما الهدف الثاني فيخص إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والمقدر عددهم في تركيا 3.5 مليون لاجئ.
أنقرة تتحرك مدفوعة باعتقادها أنه لا يمكن فصل وحدات حماية الشعب عن حزب العمال الكردستاني الذي صنّفته تنظيما إرهابيا
وتماما كما في العمليات السابقة، أخذت عملية “نبع السلام” بدورها الضوء الأخضر من روسيا التي تأمل في إرغام قسد على الخضوع لدمشق، ولكن حتى الآن لا يوجد ما يدل على أن تلك الخطة نجحت بالفعل رغم التنسيق الروسي – التركي في هذا المضمار، لكنها انعكست بشكل سلبي على سكان المنطقة.
وتعرضت القوات التركية إلى العديد من الهجمات، ويرجح محللون وقوف وحدات حماية الشعب الكردي خلف الهجمات المتصاعدة التي تتعرض لها القوات التركية، خاصة بعد أن استعاد التنظيم الكردي انتعاشته وتعززت معنوياته على وقع استئناف الولايات المتحدة دعمها المهم له.
وتتحرك أنقرة مدفوعة باعتقادها أنه لا يمكن فصل وحدات حماية الشعب عن حزب العمال الكردستاني التركي – الكردي الذي صنّفته أنقرة وغيرها من دول حلفائها، بما فيها الولايات المتحدة، منظمة إرهابية، وبالتالي، ترى تركيا أن أي كيان كردي خاضع لهذه الوحدات هو بمثابة تهديد لسلامة أراضيها.