لعنة الفقر والنفط تمهد لإمارة إسلامية متشددة في أفريقيا

تكاد مراكز الأبحاث والدراسات حول الحركات الجهادية تجمع على أن أفريقيا من أكثر الأماكن المنتجة للإرهاب في العالم، ولذلك فإن تسليط الضوء على كيفية تعامل حكومات دول القارة مع الجماعات الإرهابية هناك يبدو مثيرا للاهتمام بالفعل، وخاصة مع جنوح بعض المحللين للإشارة إلى احتمال تشكل دلتا نيجر جديدة بسبب استغلال المتشددين لضعف بعض الدول في التعامل مع مسألة التطرف والإرهاب.
كيب تاون (جنوب أفريقيا) - لا يمكن فصل ما تعيشه أفريقيا من حروب وانفلاتات وحركات تمرد عن الحقبة الاستعمارية ومراحل بناء الدول المركزية، فقد ركز المستعمر طيلة القرن الماضي، على استغلال الثروات الطبيعية الهائلة وإغفال عناصر التنمية، إلا أن هذا التوجه تغيّر اليوم بحكم الضرورة بعد أن أضحت القارة حلبة نفوذ دولية لكن بآليات تنموية.
ونظرا لذلك، صار الفقر في المناطق ذات الثروات الهائلة يلعب دورا رئيسيا في تفاقم ظاهرة التطرف، إضافة إلى ضعف الحكومات المركزية بسبب عدم قدرتها على بسط الأمن في جغرافيا مترامية الأطراف ومتعددة العرقيات والإثنيات، وفي أحيان كثيرة متعددة الولاءات.
وبعيدا عن نشاط حركة الشباب الصومالية في القرن الأفريقي وإظهار ولائها لتنظيم القاعدة، وجماعات أخرى تنشط في شمال أفريقيا والساحل والصحراء، فقد استحوذ اندلاع الاضطرابات في مقاطعة كابو ديلغادو النائية في شمال موزمبيق منذ أكتوبر 2017 على اهتمام وسائل الإعلام عندما ادعى هؤلاء المتمردون صلاتهم بتنظيم داعش المتطرف.
ولكن مع مرور الوقت، رأى الباحثون في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية أن المخاوف تتفاقم عند المحللين والهيئات الدولية المهتمة بالحركات الجهادية وكذلك حكومات المنطقة كونها قد تؤدي إلى دلتا النيجر أخرى في أفريقيا، وهي منطقة غنية بالنفط في نيجيريا والتي تعد بمثابة “الدجاجة التي تبيض ذهبا”.
ووفقا لعلماء الجيولوجيا، يشترك حوض دلتا روفوما والمناطق المحيطة به في موزمبيق ببعض السمات الموجودة في دلتا النيجر، والتي أوجدت ظروفا لرواسب الهيدروكربونات وبالتالي احتياطات نفطية وغازية هائلة، ولكن فشل الدولة في استثمار ذلك أدى إلى ظهور جماعة بوكو حرام المتشددة، والتي تسببت في اضطرابات زعزعت الاستقرار خاصة حينما عملت على نشر الفوضى في دول مجاورة، كالكاميرون وتشاد والنيجر.
ويؤكد خبراء الأمن ومختصون في الجماعات الجهادية أنه من دون تنسيق أجهزة لإنفاذ القانون وغياب نظام قضائي عادل وعدم وجود نظام يعاقب المجرمين المنتمين للتنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن مدى ارتباطهم بالسياسة، فمن الصعب معرفة كيفية معالجة مشكلة صعود التطرف الديني بأي طريقة يمكن اتباعها.
معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية يرجح إقدام متطرفي موزمبيق على استنساخ تجربة بوكو حرام في نيجيريا
وفي الوقت الذي يتم فيه إلقاء الضوء على الخطاب التحريضي للتطرف الديني المسلح، يعزو محللون أصول أزمة كابو ديغالو إلى الإهمال المنهجي من طرف السلطة، والتفاوتات الإقليمية، التي ابتليت بها هذه المقاطعة “المنسية”.
وهذا الموقف يدعم كلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حينما أكد في مؤتمر لمكافحة الإرهاب في العاصمة الكينية نيروبي في شهر يوليو من العام الماضي، على أن عنف الدولة وسوء استغلال السلطة في أفريقيا يمكن أن يدفعا الشعوب إلى التطرف، في وقت تشهد فيه القارة عدم استقرار وتهديدات من قبل جماعات جهادية كثيرة.
وقال غوتيريش في ذلك الوقت إن “غياب التعليم إلى جانب الفقر عاملان رئيسيان وراء تطرف الأشخاص في قارة أفريقيا وأن نقطة التحول غالبا ما تكون عنف الدولة وسوء استغلال السلطة”.
ولقد شهدت بداية التدافع على الموارد في إقليم كابو ديغالو تدفقا للمهاجرين لأسباب اقتصادية وحفز البحث عن الريع من قبل النخبة مع الشركات متعددة الجنسيات. ونتيجة لذلك، أصبحت المجتمعات المحلية أكثر تهميشًا. وفي هذا السياق، فإن حركة الشباب في موزمبيق والحملة الأمنية غير الكفؤة التي شنتها الحكومة ردا على هجماتها تعملان على تمهيد الأرضية لتعميق المظالم المحلية في مشاكل هيكلية طويلة الأجل.
ويبدو تأكيد حكومة موزمبيق على أن أعمال العنف المتفرقة في المقاطعة كانت دليلا على الإسلام المتشدد، حيث ضمنت عمليات قطع الرؤوس “بطاقة الاتصال” الأولى للإرهابيين، ما أثار مخاوف دولية من وجود جبهة جديدة شبيهة بداعش في أفريقيا.
ويلقي الفحص الدقيق وراء تلك الجماعة المتطرفة بظلال الشك على التفسير الأولي لمسألة ما يسمى “التمرد على الدولة”، ولكن المثابرة المطلقة لعناصر حركة الشباب الموزمبيقية، الذين يمارسون العنف في البلدات الإقليمية الصغيرة وتلويحهم غير النادم على ما يبدو برموز التشدد الإسلامي، توحي بغير ذلك.
ورغم أن هذا التمرد قد يبدو للمراقبين أنه ظهر من العدم، إلا أن ظروف التمرد كانت موجودة منذ بعض الوقت الآن، فالبطالة مستوطنة في جميع أنحاء المنطقة وتفاقمت أكثر بسبب الآثار المدمرة للكوارث الطبيعية في السنوات الأخيرة.