كورونا يروج لتبادل البطاقات بين الغرباء

مع التطور الرقمي شهدت البطاقات البريدية تغييرا ملحوظا وأصبح في مقدور مرسلي البطاقات أن يبتكروا أشكالا جديدة تروق لهم.
الاثنين 2020/11/16
البطاقات البريدية كبسولة زمن صغيرة

برلين- يطرح المدونان ميغان ومايك جيرارد وهما من هواة السفر، تساؤلات مهمة على منصة للتواصل الاجتماعي، حيث يكتبان “فكر في هذا الموضوع، عندما ترسل رسالة عن طريق فيسبوك أو البريد الإلكتروني، فهل يقوم الأشخاص الذين تلقوها بحفظها وإعطائها ما تستحق من تقدير؟ وهل يطبعون تغريداتك على تويتر ويلصقونها على واجهة مبرداتهم المنزلية؟ وهل يمررونها إلى أصدقائهم وأفراد أسرهم ليروها؟”، ولكن هذا بالضبط ما يفعلونه مع البطاقات البريدية.

ويضيف المدونان أن البطاقات البريدية تعبر عن “أمنية حقيقية للشخص الذي تلقاها حتى يكون في المكان الذي صورت فيه، أو بالأحرى هي فكرة شخصية منتقاة باليد، تنتمي إلى الجانب الآخر من العالم، من شأنها أن تجعل الناس يشعرون بالدفء والتعاطف الداخلي، ذلك لأن باعثها بذل من أجل متلقيها جهدا في اختيارها، وهذا أمر نادر هذه الأيام للأسف”.

وكان من المعتقد أن استمرار بقاء البطاقات البريدية سيصبح من الأمور بعيدة المنال. وسواء كان يتم إرسالها في عجلة من جانب المسافرين الذين يتحملون مشقة التنقل بين المتاجر التي تبيع البطاقات والطوابع البريدية، أو يتم إلصاقها على واجهة المبردات المنزلية من جانب متلقيها المبتهجين بها، فإنها قد استمرت في الاحتفاظ بحياتها خارج المتاحف.

البطاقات البريدية تعبر عن أمنية حقيقية للشخص الذي تلقاها
البطاقات البريدية تعبر عن أمنية حقيقية للشخص الذي تلقاها

وفي حين لا يجد كثير من المسافرين الوقت الكافي لكتابة بضع كلمات على البطاقات، أو البحث عن متاجر تبيع الطوابع، فإن بعض المسافرين الآخرين يستمتع بهذا النشاط.

وأول فكرة لاستخدام البطاقات البريدية خطرت على ذهن الخبير الاقتصادي النمساوي إيمانويل هيرمان، الذي طرح عام 1869 فكرة “بطاقة التراسل” كبديل مختصر وعملي للخطابات المعتادة. ولقيت البطاقات استخدامات على أوسع نطاق بعد ذلك بعام، أثناء الحرب الفرنسية البروسية التي استمرت خلال عامي 1870 و1871.

وأوضح ولفجانج كاشوبا، الباحث في الشؤون الثقافية هذا التطور، “كانت البطاقات مؤشرا على بقاء الجنود على قيد الحياة حيث كانوا يرسلونها إلى بلدانهم ليطمئنوا بها ذويهم، وبرعاية أجهزة الدولة”.

وكانت البطاقات البريدية الأولى مختلفة للغاية عن البطاقات المعروفة اليوم، فلم تكن مطبوعة وكانت تتكون فقط من الورق السميك أو المقوى، غير أنه بعد مرور عشر سنوات ومع اختراع فنون الطباعة الجديدة، ولدت فكرة طباعة أحد وجهي البطاقة بالألوان.

وأصبح التصوير الفوتوغرافي فنا راسخا، فتم استخدامه للبطاقات حتى تصبح بمثابة نافذة يطل منها المتلقون على المقاصد البعيدة التي يحلمون بزيارتها. وهذا الشكل المصغر للبطاقة الذي يحمل صورة أو أكثر يظهر المناظر الطبيعية، والمعمار والأعمال الفنية التي لم يشاهدها من قبل الكثير من السكان.

ولقيت البطاقات شعبية كبيرة نظرا إلى الشكل المختصر والصغير الحجم الذي تقدمه، إلى جانب الصور التي تظهرها، ووجد الذين يكتبون على البطاقات أنها سريعة ومريحة للإرسال، ووجدت الفنادق والحانات فرصة للإعلان عن خدماتها عن طريق البطاقات البريدية، واستمرت شركات كثيرة في إرسال البطاقات للزبائن في العديد من المناسبات مثل أعياد الميلاد.

طالما لا تستطيع العائلات أن تزور بعضها البعض، فمن المرجح أن يقوم الأجداد والأصدقاء بإيلاء التقدير البالغ لبطاقة بريدية غير متوقعة

كما أدت البطاقات دور أدوات التواصل أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم تكن كل البطاقات محايدة على الدوام، وفي هذا الصدد يقول الباحث كاشوبا “استخدم النازي البطاقات البريدية لأغراض الدعاية”.

ومع انتشار حمى السفر في الستينات والسبعينات من القرن العشرين صارت البطاقات واحدة من أكثر الوسائل شعبية للتواصل بين الناس في العالم، وكان هذا قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي بفترة طويلة. وفي عام 2018 أرسلت هيئة البريد الألمانية 147 مليون بطاقة بريدية، بانخفاض عن الرقم الذي تم تسجيله عام 2007 وبلغ 210 ملايين بطاقة.

وأشار ألكسندر إدينهوفر، المتحدث باسم الهيئة، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي مثل “واتساب وفيسبوك تتسبب للأسف في تراجع عدد البطاقات البريدية بشكل مستمر”.

والآن مع التطور الرقمي شهدت البطاقات البريدية تغييرا ملحوظا، وأصبح في مقدور مرسلي البطاقات أن يبتكروا أشكالا جديدة تروق لهم، بفضل خدمات مواقع مثل “مايبوستكارد” و”فيزر” اللذين يعرضان نماذج للتصميم من خلال تطبيقات الهواتف الذكية.

وقال أوليفر كراي، مؤسس موقع “مايبوستكارد” إن “البطاقات التي يقوم الأفراد بتصميمها باستخدام الصور الشخصية للمرسلين، تحل محل البطاقة التقليدية بشكل متزايد”.

ووفقا لكراي فإن هذا الاتجاه امتد حتى الآن على البطاقات البريدية التي أرسلت أثناء أزمة كورونا، حيث حمل ما نسبته 80 في المئة من البطاقات التي أرسلت منذ تفشي الجائحة رسائل للتضامن والتشجيع والتعاطف.

البطاقات البريدية من شأنها أن تجعل الناس يشعرون بالدفء والتعاطف الداخلي
البطاقات البريدية من شأنها أن تجعل الناس يشعرون بالدفء والتعاطف الداخلي

ولا ترسل جميع البطاقات من مقاصد بعيدة، أو تتم بين المعارف فقط، فهناك موقع إلكتروني اسمه “بوستكروسنج”، يسمح لمن يرغب في إرسال واستقبال بطاقات من أشخاص لا يعرفهم في مختلف دول العالم، وهذا الغموض المحيط بهوية المتواصلين هو الذي يعطي عملية التراسل جاذبية.

وأوضح لين وهو مشارك في المشروع من دولة بروناي، أن فكرة هذا المشروع المبتكر تقوم على “أعطني الفرصة لكي أرى أماكن قد لا أزورها طوال حياتي، وكل مرة أتلقى فيها بطاقة أتذكر مدى اتساع العالم، وأفكر في عدد الشعوب المختلفة التي تعيش فيه، وفي عدد الأشياء التي يمكن أن أقوم بها كفرد لكي أهدي ابتسامة لشخص آخر في مكان ما من هذا العالم”.

وينصح موقع “بوستكروسنج” حاليا أعضاءه بمواصلة إرسال البطاقات البريدية، مع “السماح لكل بطاقة بأن تكون بمثابة كبسولة زمن صغيرة تحتوي على أشياء تنتمي إلى الزمن الحالي، بحيث تساعد أجيال المستقبل على استكشاف ظروفها”، وأن يصفوا تجاربهم مع الإغلاق بسبب الجائحة الوبائية.

وسواء عاد الناس إلى السفر مرة أخرى أم لا، فإنه طالما لا تستطيع العائلات أن تزور بعضها البعض، فمن المرجح أن يقوم الأجداد والأصدقاء بإيلاء التقدير البالغ لبطاقة بريدية غير متوقعة.

24