تشييد مدينة بحرية في باكستان يقلق أنصار البيئة

فقدان الدفاع الطبيعي عن كراتشي ليس بالفكرة الحكيمة.
الاثنين 2020/11/09
كراتشي المكتظة تبحث عن متنفس

كراتشي (باكستان) - أثارت خطة الحكومة الباكستانية لبناء مدينة جديدة على جزيرتي “التوأمين” في بحر العرب انتقادات لاذعة من أنصار البيئة.

ويرى هؤلاء أن مشروع مدينة باكستان البحرية الطموح للحكومة يمثل “تهديدا خطيرا” للنظام البيئي الإقليمي بأكمله.

ويهدف المركز السكني المقترح إلى تخفيف حدة الأزمة السكنية المتصاعدة في العاصمة التجارية للبلاد كراتشي، التي يقطنها أكثر من 15 مليون شخص، وفقا للإحصاءات الرسمية، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الرقم يزيد عن 20 مليون نسمة.

وتقع جزيرتا “التوأمين” وهما “بوندال” و”بوندو”، على بعد ثلاثة أميال بحرية غربا قبالة ساحل كراتشي.

وتبلغ مساحة الجزيرتين مجتمعتين 17 ألفا و500 فدان، وفيهما ما يقرب من 3 آلاف و500 هكتار من الغابات البحرية أو أشجار المنغروف.

وتخطط الحكومة لربط الجزر مع ساحل كراتشي عبر جسر بعد تحويلها إلى تطوير بحري فخم.

وقال طاهر رشيد، مدير منظمة “التحالف العالمي من أجل البيئة” في باكستان، إن “بناء مدينة جديدة في هاتين الجزيرتين ليس ممكنا من الناحية البيئية بأي حال من الأحوال”.

وأضاف، أن ذلك “لن يحرم كراتشي من أول دفاع لها تجاه الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير وأمواج المد فحسب، بل سيدمر أيضا الحياة البحرية وكذلك الغابات الساحلية والأنواع النادرة”.

ووفقا لرشيد، فإن الجزيرتين التوأمين هما “موطن لـ99 نوعا من الأسماك يعتبر الكثير منها نادرا، و56 نوعا من الطيور”.

وبالإضافة إلى ذلك تستضيف الجزيرتان، بحسب رشيد، “أكثر من 200 ألف طائر مهاجر تقطع مسافات كبيرة من سيبيريا لتجنب شتاءها القارس كل عام”.

كما أنهما، وفق رشيد، “كانتا لفترة طويلة ممرًا للسلاحف الخضراء النادرة التي تسافر إلى شواطئ كراتشي سنويًا لوضع البيض”.

وأوضح رشيد، أن “السكن في هاتين الجزيرتين يعني أنه لن تكون هناك طيور مهاجرة في المستقبل، أما الأسماك والسلاحف فإما أن تهاجر إلى وجهات أخرى أو تنقرض، ولن تكون هناك غابات منغروف للحد من سرعة الأعاصير”.

واعتبر رشيد، أن “فقدان الدفاع الطبيعي عن كراتشي ضد الكوارث الطبيعية لمجرد بناء مدينة جديدة ليس على الإطلاق فكرة حكيمة”.

ودعا رشيد وهو مسؤول في الصندوق العالمي للطبيعة، إلى “إجراء مراجعة بيئية للمشروع من خلال منظمة ذات مصداقية لتقييم مزاياه وسلبياته”.

يقول محمد علي شاه رئيس منتدى الصيادين الباكستاني (منظمة غير حكومية تعمل من أجل حقوق الصيادين)، “نعتبر هذه الجزر منذ فترة طويلة قاعدة وقناة إلى أعماق البحار بالنسبة لنا، نصطاد الطعم منها أولا ثم ندخل أعماق البحار للصيد”.

اختناق كراتشي
اختناق كراتشي

ويضيف شاه، “في حال السكن وبناء جسر، فهذا يعني أن حوالي 800 ألف صياد محلي سيفقدون مصدر رزقهم”.

تقول شبينة فراز، وهي محللة باكستانية تكتب في الكثير من الأحيان عن البيئة والحياة البرية، إن المشروع المقترح “لن يؤدي فقط إلى تعكير صفو النظام البيئي، بل إنه يشكل انتهاكا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة”.

وتوضح، أن “الجزيرتين جزء من منطقة (دلتا السند)، التي تم الإعلان عنها بالفعل منطقة محمية بموجب اتفاقية (رامسار)”.

وتتابع فراز، أن “تزايد عدد سكان كراتشي ومتطلبات الإسكان فيها هي بلا شك قضايا خطيرة تحتاج إلى معالجة، ولكن ليس على حساب البيئة وتعريض وجود المدينة بأكملها للخطر حال حدوث أعاصير أو أمواج تسونامي”.وتضيف، أن “باكستان وقعت على الاتفاقية عام 1971 بشأن الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، وسميت باسم المدينة التي وقعت فيها وهي (رامسار) الإيرانية”.

وتشير إلى أنه “جرت عدة محاولات في الماضي القريب لتطوير هذه الجزر لأغراض الإسكان منذ عام 2006 لكنها لم تنجح”.

وتضيف فراز، أن هذا المشروع لن يكون سهلا، ليس فقط بسبب المقاومة السياسية القوية، ولكن أيضا بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة في جميع أنحاء العالم بسبب وباء كورونا.

وتراجع المستثمرون عن البدء بالمشروع أكثر من مرة بعد مقاومة مشتركة من المجتمع المدني والأحزاب السياسية وأنصار البيئة.

بناء مدينة جديدة على جزيرتي "التوأمين" لتخفيف الاكتظاظ على كراتشي ليس ممكنا من الناحية البيئية بأي حال من الأحوال

وهذه المرة أيضا، فإن الأحزاب السياسية، وهي جماعات قومية في إقليم “السند الجنوبي” الذي تعتبر كراتشي عاصمته، قد نزلت إلى الشوارع ضد المشروع.

وتتهم تلك الجماعات كبار أباطرة العقارات بالوقوف وراء المشروع بدعم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.وأصبح المشروع منصة للتنافس بين الحكومة المركزية وحكومات المقاطعات على ملكية الجزيرتين.

وسيطرت الحكومة الاتحادية، من خلال مرسوم رئاسي، على الجزيرتين التوأمين لتطوير مشروع الإسكان.

وكانت حكومة السند بقيادة حزب “الشعب” الباكستاني، وهو من يسار الوسط، سمحت للحكومة الاتحادية بالمضي قدما في خططها، ولكن بعد مقاومة قوية من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، سحبت دعمها، وطالبت بإلغاء المرسوم الرئاسي.

ورفض وزير الإعلام الفيدرالي شبلي فاراز هذه الانتقادات، واتهم حكومة السند “بممارسة السياسة” في المشروع الذي يهدف، وفقا لما ذكره، إلى “تخفيف العبء السكاني على كراتشي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق الآلاف من فرص العمل للسكان المحليين”.

ووفق ما يقول الخبير الدستوري الباكستاني شهاب أوستو، فإن “الأراضي أو الجزر الواقعة على بعد 12 ميلا بحريا من المياه الإقليمية للبلاد هي ملك للمقاطعات بعد التعديل الثامن عشر في الدستور”.

ويضيف، أنه “وفقا للدستور، لا يمكن للحكومة الاتحادية الحصول على الأراضي من حكومات المقاطعات، إلا في حال الضرورة، مثل أغراض الدفاع والأمن”.

لكن هذه الضرورة، بحسب أوستو، “يجب أن تندرج ضمن اللائحة التشريعية الفيدرالية”.

 
20