عدن تعود إلى زمن الحمير

الدواب وسيلة النقل المتاحة لليمنيين لقضاء شؤونهم اليومية في ظل تفاقم أزمة الوقود في البلاد.
السبت 2020/09/19
وسيلة نقل بلا بنزين

تدهور الوضع في اليمن حتى أصبح اليمنيون غير قادرين إلا على ركوب الحمير في المدن بعد أن شح الوقود وغلا سعره. وبعد أن شاع ركوب الدواب في العاصمة صنعاء انتشرت الحمير في عدن كوسيلة نقل متاحة لجلب الماء وقضاء الشؤون.

عدن - يسقي أبومحمد اثنين من الحمير القليل من المياه قبل عرضهما للبيع وسط مدينة عدن في جنوب اليمن، حيث تشهد تجارة الحمير انتعاشا هذه الأيام مع إقبال اليمنيين على شرائها لنقل المياه وغيرها من البضائع في ظل ارتفاع أسعار الوقود.

وبات ركوب الحمير في شوارع المدينة مألوفا بعد أن كان مقتصرا على الأرياف في اليمن وزادت الحاجة إلى هذه الدواب نتيجة نقص المياه في مدينة كانت تنعم بوفرة الماء من بين المحافظات اليمنية الأخرى، لكنها أصبحت اليوم تعاني من شح المياه وصعوبة الحياة مع اشتداد الأزمة الخانقة في المشتقات النفطية.

ويؤكد التاجر أحمد شوق (38 عاما) الذي يعرض الحمارين في منطقة كريتر وسط المدينة أنه “كلما ارتفع سعر الوقود وكلما زادت مشقات الحياة ارتفع الطلب على الحمير أكثر وأكثر”.

وبينما يغرق اليمن في أزمته التي تصفها الأمم المتّحدة بأنها الأسوأ في العالم، بات معظم السكان يعتمدون على المساعدات.

وأصبح سعر لتر البنزين نصف دولار أميركي تقريبا، وهو ثمن باهظ بالنسبة للمدرسين مثلا الذين يتقاضون رواتب شهرية تعادل قيمتها نحو 25 دولارا فقط.

ويتزامن ذلك مع انهيار حاد في قيمة العملة اليمنية حيث بلغ سعر الصرف في عدن 800 ريال يمني مقابل دولار واحد بعدما كان يعادل 610 ريالات في  يناير الماضي بحسب دراسة نشرتها صحيفة “الأيام” المستقلة في عدن.

لتر البنزين يساوي نصف دولار أميركي، وهو ثمن باهظ بالنسبة لموظفين يتقاضون رواتب  تعادل 25 دولارا

وكان استخدام الحمير شائعا بكثرة في عدن التي بني جزء منها فوق بركان، قبل استخدام وسائل النقل الحديثة.

ويتوجه أبومحمد عادة إلى محافظة أبين (شمال عدن) لأن الحمير أقل تكلفة.

وقال “مثل هذا الحمار تصل تكلفته إلى 30 ألف ريال ونشتريه من مدينة أبين وأيضا العربة بـ15 ألف ريال”، موضحا “يمكن أن تحصل يوميا على 7 آلاف إلى 8 آلاف ريال كأرباح بينما لا يكلف إطعام الحمار سوى 150 ريالا”.

ويقول أبومحمد إن “بيع الحمير أزال عني عبئا كبيرا. لدي تسعة أولاد فمن أين يمكنني إطعامهم؟ كل أسعار المواد الغذائية مرتفعة. من أين نعيش؟ وإذا ذهبت للبحث عن وظيفة لن أجد”.

وأضاف “بدأت بالعمل في هذا المجال منذ عامين ونصف العام، بفضل الله ثم بالحمار هذا الرزق أصبح متوفرا وكل شيء متوفرا”.

ويأتي زبائن أبومحمد من كافة أحياء عدن من المعلا الذي يعد من أرقى الأحياء في المدينة ومن أحياء أخرى مثل التواهي ودار سعد وغيرهما. ويبيع شهريا ما بين 20 إلى 30 حمارا.

وانتشرت الحمير بشكل متزايد في عدن حتى علق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالترحم على أيام بريطانيا وبالرقي الذي كانت تعيشه عدن في أيامها.

 ويؤكد أبومحمد أن “الوقود ينقطع في بعض الأحيان لـ15 يوما ويطلب منا الناس أن نقلهم معنا بالحمير”.

تجارة مربحة
تجارة مربحة

وفي شوارع كريتر، أصبح مألوفا رؤية مجموعة من الحمير يركبها أطفال بينما يقومون بنقل المياه أو عربات محملة بمنتجات وبضائع مختلفة.

ويشير محمد أنور الذي يقيم في عدن إلى أنه قرر شراء حمار من أجل جلب الماء، ويؤكد الأب لثلاثة أطفال أنه “لولا أن لدينا حمارا لن نحصل على المياه”، لكن حتى الحمير قد تصبح بعيدة عن متناول السكان.

وأوضح “ارتفعت أسعار الحمير بسبب ارتفاع أسعار الوقود. أصبح سعر الحمار يصل إلى 70 ألفا أو 80 ألفا أو 100 ألف ريال، ولا يستطيع الفقراء شراءه”.

ويقول أحد سكان عدن، علي خلف الله، “كان الناس قد تركوا تربية الحمير لعدم فائدتها في ظل وجود سيارات، لكنها اليوم تعود معززة بعد أن باتت تساعد الناس في التنقل وقريبا سنرى التاكسي الحمار، علما وأن هناك من يؤجر حماره للتنقل كما أصبح التلامذة يستعملونه في التنقل إلى المدارس خاصة في أطراف المدينة”.

ويضيف بمرارة أن الحمير اليوم أصبحت وسيلة إغاثة فيمتطيها المريض والمصاب للتوجه الى المستشفى على الرغم من بطئها لكنها تفي بالغرض.

ويؤكد خلف الله أن الحياة تزداد صعوبة وقد يصبح اليمنيون عاجزين عن اقتناء حمار، خاصة وأن تكاليف تغذيته تعد حملا ماديا لا طاقة للمواطنين به، متسائلا عن مصير اليمنيين في ظل تفاقم الأزمات المتعددة.

العودة إلى ركوب الحمير في صنعاء سبقت عدن منذ سنوات، وتندر الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على رجل يركب حمارا في شوارع العاصمة، لكن الأمر بات مألوفا اليوم بل يعتبر محظوظا من يملك حمارا يستعمله لنقل الماء والحطب في ظل غلاء أسعار النفط وتعطل سبل الحياة.

يقول نبيل عبدالسلام “نحن سكان العاصمة عدنا عشرات السنين إلى الوراء حيث رجعنا إلى امتطاء الحمير واستخدام الحطب للطهي والتدفئة”.

ويضيف أنه اضطر لشراء حمار بمبلغ 100 ألف ريال بعدما كان سعره لا يتجاوز 10 آلاف ريال فقط، مرجعا أسباب ارتفاع قيمة الحمير إلى إقبال المواطنين على شرائها.

ويتندر اليمنيون بمرارة على الحال الذي وصل إليه النقل في بلادهم، فيتساءلون إن كانت الحمير والبغال ستجوب شوارع العاصمة وإن كانت الدواب ستصبح وسيلة النقل الرئيسية بدلا عن الباصات وتاكسيات الأجرة؟ وهل ستقوم إدارة المرور بتركيب عدادات لهذه الحمير ورشها باللون الأصفر أسوة بالتاكسيات؟

Thumbnail
Thumbnail
Thumbnail
17