"درة النيل" السودانية تتجاوز خطر الفيضانات بفضل بسالة أبنائها

تضافر جهود الأهالي في جزيرة "توتي" السودانية يصد خطر الفيضان الأكبر في المنطقة منذ 100 عام.
السبت 2020/09/12
جهود بدائية للوصول إلى بر الأمان

الخرطوم - تمكن أهالي جزيرة “توتي” السودانية بفضل تضافر الجهود والإمكانات البسيطة، من تجاوز خطر الفيضانات غير المسبوقة التي تشهدها البلاد منذ أيام.

وبعد أن ترك بعض أهالي الجزيرة منازلهم التي أغرقتها المياه، انحسر الخطر الذي جاء به فيضان النيل على توتي التي درج البعض على تسميتها بـ”درة النيل”.

ومع الساعات الأولى للفيضانات التي ألحقت خسائر بمنازل المواطنين في الجزيرة، بدأ سكانها بالفرار خارجها بحثا عن مكان آمن.

لكن هناك من ظل في توتي محاولا أن يوصلها إلى بر الأمان عبر جهود بدائية نجحت في رص الأكياس الرملية لحجب وصول المياه إلى البيوت الخاوية من الأثاث والبشر والطمأنينة.

وباتت المراكب هي وسيلة التنقل، لإنقاذ أغراض المتضررين في ظل كميات المياه الكبيرة والمتراكمة والتي صارت أشبه ببحر صغير.

وبنى سكان الجزيرة حواجز من الحجارة وأكياس الرمل والأغطية البلاستيكية، وهو ما ساعدهم في التغلب على مياه الفيضان. وصار حلم الحصول على غرض من منزل آيل للسقوط أو انهار تحت تأثير تلك المياه صعب المنال، وليس أقل منه بحسب السكان أوجاع انتظار المساعدات الإنسانية لسد قوت اليوم وإنهاء قلق الأسر.

وقال حامد فضل، أحد أهالي قرية توتي العريقة، إنه بتضافر جهود أهلها تمكنوا من صد الفيضان الذي تشهده المنطقة لأول مرة منذ 100 عام.

وأضاف “بحمد الله تجاوزنا الخطر واستطعنا صد الفيضان، لكن تواجهنا الآن آثاره، حيث أن المياه لازالت داخل أحياء الجزيرة وشوارعها”.

وحذر من أن ذلك يؤدي إلى مخاطر صحية ناتجة عن تراكم المياه وتوالد البعوض المسبب لمرض الملاريا، مناشدا الهيئات والمنظمات الإنسانية بتقديم الدعم للقرية حتى لا يتفاقم الوضع الصحي ويصبح كارثيا.

ورغم اختيار الأمم المتحدة في عام 2016، الجزيرة ضمن أفضل 8 مناطق بالعالم في استخدام المهارات التقليدية والثقافة المحلية للحد من مخاطر الفيضانات، لكنها تعرضت لتدمير أفدنة زراعية.

وأكد المزارع المشرف عبدالقادر أن فيضان النيل أوقع أضرارا بالغة التعقيد، ودمَّر كل المحاصيل الزراعية، متابعا “لم تصلنا أي مساعدات حكومية، وكل إنتاج الموسم انتهى بسبب السيول وفيضان النيل.. والخسائر المالية كبيرة جدا”.

المراكب باتت هي وسيلة التنقل لإنقاذ أغراض المتضررين في ظل كميات المياه الكبيرة والمتراكمة
المراكب باتت هي وسيلة التنقل لإنقاذ أغراض المتضررين في ظل كميات المياه الكبيرة والمتراكمة

وتقع جزيرة توتي عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض في السودان وسط مدينة الخرطوم، وتبلغ مساحتها 990 فدانا ويقطنها حوالي 20 ألف نسمة.

ويعرف عن أهالي توتي أنهم يقامون فيضانات النيل الحالية والسابقة، عبر تكاتف أهلها وعزيمتهم بطرق تقليدية خلدها الفن السوداني في أغنياته.

ويعتبر الفنان حمد الريّح من أبرز الفنانين السودانيين الذين غنوا للفيضان، وهو أحد أبناء الجزيرة التي تتوسط “مقرن النيلين” (ملتقى النيل الأزرق والأبيض).

وأنشد الريّح لبسالة أهل الجزيرة في التصدي للفيضان منذ سنوات أغنية “عجبوني الليلة جو” التراثية، وصف من خلالها بسالة السودانيين في التصدي للفيضان.

وتتعرض الجزيرة التاريخية على الدوام لفيضانات خلال فصل الخريف الذي يبدأ في يونيو ويستمر حتى أواخر أكتوبر، وتهطل عادة أمطار قوية في هذه الفترة، وتواجه البلاد فيها سنويا فيضانات وسيولا واسعة، بحسب الهيئة السودانية للأرصاد الجوية.

والأربعاء، أعلنت وزارة الداخلية أن حصيلة قتلى السيول والفيضانات بلغت 103 وإصابة 56 آخرين، فيما تجاوز عدد المنازل المتضررة 70 ألفا.

فيما أعلن مجلس الدفاع والأمن، السبت الماضي، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد مدة 3 أشهر، لمواجهة السيول والفيضانات، واعتبارها “منطقة كوارث طبيعية”.

وبحسب تقرير لمكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة (أوتشا) الثلاثاء، فإنه قد تضرر أكثر من 506 آلاف شخص منذ بدء هطول الأمطار، أكثر من 110 آلاف منهم في الأسبوع الأول من سبتمبر الجاري وحده.

وأوضح التقرير الأممي أن “الخرطوم بها أكبر عدد من المتضررين، فقد خلفت السيول النهرية والفيضانات المفاجئة 100 ألف شخص بحاجة إلى مأوى عاجل ومستلزمات منزلية ومياه نظيفة وصرف صحي وخدمات صحية في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم، أم درمان، بحري”، بحسب مفوضية العون الإنساني.

وتشهد أحياء الخرطوم على ضفاف النيل ورافديه “الأزرق” و”الأبيض” فيضانات أدت إلى تدمير أكثر من 5 آلاف منزل، حسب السلطات، كما تعاني أحياء العاصمة المتمركزة على ضفاف الأنهر الثلاثة “النيل ورافديه الأزرق والأبيض”، من فيضانات منذ نحو أسبوعين، لم تسبق منذ 100 عام.

وعملت لجان التغيير والخدمات (لجان أحياء شعبية تهتم بقضايا الحي) ولجان المقاومة (لجان قادت التظاهرات ضد الرئيس المخلوع عمر البشير) في منطقة اللاماب على مساعدة المواطنين المتضررين من انهيار منازلهم في المنطقة.

17