زجاج بيروت المحطم يتحول إلى أقداح وأباريق

حملة لإعادة تدوير عشرات الأطنان من الزجاج المكسّر في بيروت لصناعة أوعية بلّورية تقليدية.
الأحد 2020/09/06
مصير الزجاج يتغيّر

تمكن لبنانيون من القطاع الخاص والمجتمع المدني والمتطوعين من وضع خطة لتفادي رمي أكوام الزجاج الضخمة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت قبل نحو شهر، في مكبات النفايات من خلال إعادة تدويرها وتحويلها إلى مرطبنات أو أباريق أو أوان، حيث تساهم هذه المبادرة في جهود تجميع النفايات، كما توفر في الآن نفسه مورد رزق للكثيرين.

طرابلس (لبنان)- في مصنع صغير في مدينة طرابلس، يدخل الزجاج الذي تناثر قبل شهر جراء انفجار مرفأ بيروت على سكان العاصمة وملأ شوارعها، إلى فرن ضخم ليخرج منه على شكل مرطبان أو إبريق تقليدي.

واقتلع انفجار المرفأ، في الرابع من أغسطس، أبوابا ونوافذ لا تحصى في بيروت وضواحيها، وغطت شوارع العاصمة أكوام من الزجاج المحطم المتساقط من المباني والمنازل والمتاجر.

وفي طرابلس عاصمة الشمال اللبناني، اختار مصنعان تديرهما عائلتان التعاون مع مبادرة أطلقها ناشطون بيئيون لإعادة تدوير عشرات الأطنان من الزجاج المكسر في بيروت.

ويقول وسام حمود (24 عاما)، من مصنع “يونيغلاس”، “نعمل 24 ساعة في اليوم… فقد نتج عن الانفجار كميات كبيرة من الزجاج المكسر والمنظمات تحضره لنا لإعادة تصنيعه”.

وتلقى المصنع، الذي أسسه جد حمود، حتى اليوم ما بين 20 و22 طنا من الزجاج، ولا يزال ينتظر المزيد.

وتصل شاحنات الزجاج إلى المصنع، يفرغها عمال يرتدون قفازات سميكة على الأرض، يزيلون منها الأوساخ قبل أن ينقلوها في أوعية كبيرة إلى الغرفة المظلمة في الداخل.

ويضع أحدهم كمية بعد الأخرى في الفرن الضخم لتخرج منه وكأنها عجينة من لهب، قبل أن ينفخ فيها عامل عبر أنبوب طويل، لتأخذ شكل وعاء أو إبريق.

وكان الزجاج المتطاير سببا رئيسيا في سقوط عدد كبير من الجرحى الذين توافدوا على مستشفيات بيروت وضواحيها بعد الانفجار الذي أسفر عن مقتل 191 شخصا وإصابة أكثر من 6500 آخرين.

 

استثمار في النفايات
استثمار في النفايات

وبعد أكثر من شهر على وقوعه، لا تزال الشاحنات المحملة بالزجاج تتنقل بين بيروت وطرابلس.

وفي الأيام الأولى التي تلت الانفجار، سارع زياد أبي شاكر، مؤسس شركة “سيدر إنفيرومنتال” للبيئة، للتعاون مع منظمات مجتمع مدني ومجموعات متطوعين لوضع خطة لتفادي رمي أكوام الزجاج الضخمة في مكبات النفايات.

ويقول أبي شاكر “وجدنا أنه من الممكن لمصانعنا المحلية أن تستفيد من جزء على الأقل من الزجاج المحطم كمواد أولية لها”، مضيفاً “وبذلك، غيّرنا مسار الزجاج من مكبات النفايات، وبتنا نؤمنه بالمجان لمصانعنا المحلية”.

وأمّنت المبادرة للمصنعين في طرابلس 58 طنا من الزجاج، وفق أبي شاكر الذي يأمل في أن يتمكن من إرسال 250 طناً في حال استطاع تأمين التمويل اللازم. ووفق تقديراته، تسبب الانفجار بتكسير أكثر من خمسة آلاف طن من الزجاج.

وعمدت المبادرة منذ الأيام الأولى بعد الانفجار إلى الإعلان عن رقم هاتف ليتصل عليه كل من أراد إرسال الزجاج المكسر من منزله أو محله.

ويعاني لبنان، البلد ذو الموارد المحدودة، أساسا من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويشهد منذ العام 2015 أزمة نفايات لم تجد الحكومات المتعاقبة حلا مستداما لها، بل أن المنظمات غير الحكومية كانت المبادرة الأساسية لإيجاد حلول بديلة.

وبرغم مبادرات المنظمات غير الحكومية والناشطين البيئيين، فإنه يجري تدوير عشرة في المئة فقط من النفايات في لبنان، وفق تقديرات رسمية.

 

أباريق تحكي قصصا انسانية
أباريق تحكي قصصا انسانية 

وفي منطقتي مار مخايل والكرنتينا المجاورتين لمرفأ بيروت والمتضررتين بشدة جراء الانفجار، لا يزال المتطوعون ينهمكون يوميا في تنظيف الشوارع والمنازل وفرز الزجاج الذي من الممكن إعادة استخدامه.

ويشرف أنطوني عبدالكريم على عمليات تنظيف تقوم بها خلية أزمة من المتطوعين أطلقت على نفسها تسمية “من تحت الردم”.

ويقول الشاب “لدينا جبال من الزبالة تتراكم في بيروت، وهي عبارة عن خليط من الزجاج والردم والحديد الممزوج بنفايات عضوية”. ويضيف “هذا أمر غير صحي بتاتا فنحن ليس لدينا عمليات إعادة تدوير سليمة في لبنان”.

قبل أشهر، أطلق عبدالكريم مبادرة لإعادة استخدام الزجاج تحت عنوان “زجاجة فارغة” مدفوعا برؤيته لكميات كبيرة من الزجاجات الفارغة التي ترمى في مستوعبات النفايات بعد ليالي السهر الطويلة، التي كان يساعد في تنظيمها، في بلد معروف بصخب الحياة الليلية. ويقول عبدالكريم إن ما تم إرساله إلى طرابلس “ليس سوى غيض من فيض”.

ويسعى عبدالكريم إلى إيجاد طرق أخرى لاستخدام الزجاج المكسر الذي لا يمكن لمصنعي طرابلس استخدامه، ربما عبر تحطيمه تماما لخلطه مع الإسمنت أو أي مواد أخرى. ويضيف “نحتاج إلى الكثير من الوقت، نعلم ذلك جيدا”.

24