الخدمات المالية في مواجهة عصر الاضطراب الرقمي

قطاع الخدمات المالية يتوجه اليوم نحو حقبة جديدة من الابتكار والتنافسية والمواكبة العصرية والحلول الأمنية، تصبح فيها التكنولوجيا المصرفية أكثر ذكاء وسهولة وأمانا من أي وقت مضى، ويقدر خبراء أن 80 في المئة من الشركات المالية التقليدية، سوف تتوقف عن العمل أو تختفي بحلول عام 2030.
لندن – في الثالث من فبراير عام 1866 هاجم اثنان من أفراد عصابة جيمس يونغر مصرفا في مقاطعة كلاي في ليبرتي بولاية ميسوري، حيث قاما بتوجيه سلاحهما في وجه الصراف وأجبراه، تحت الضغط والتهديد، على تسليم الأموال، في مشهد مألوف شاهده أغلبنا في أفلام الغرب المتوحش.
خلال 150 عاما، التي أعقبت مثل تلك الحوادث، ساهم الأمن المادي والرقمي في تقليص هذه الأنواع من المخاوف والتهديدات، إلا أن الجرائم التي كانت ترتكب يوما على أرض الواقع، تطورت واتخذت من الواقع الافتراضي ساحة لها.
فوائد الرقمنة
البنوك في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ليست استثناء، والمخاطر التي تواجهها كبيرة، حيث تشير المعدلات العالية لانتشار الهواتف الذكية والنسبة المتزايدة من الشباب إلى وجود حاجة ماسة لابتكار سريع في صناعة الخدمات المالية.
وقد عززت البحوث التي أجرتها “ذي ايكونومست” هذه النظرية حينما كشفت أن البنوك في الشرق الأوسط وأفريقيا بحاجة إلى نقلات تطويرية، كما أقرت البنوك بنسبة تعدت النصف بأنها تهدف إلى أن تصبح “منظومة رقمية”.
هذا الاعتراف المبكر بفوائد الرقمنة دفع صناعة الخدمات المالية في الشرق الأوسط وأفريقيا لتسير بخطى سريعة نحو تبني أحدث التقنيات الرائدة، ويحتل فيها الذكاء الاصطناعي المركز الأول.
وقد توصلت الأبحاث الحديثة التي أجرتها مايكروسوفت إلى أن 38 في المئة من شركات قطاع الخدمات المالية في الشرق الأوسط وأفريقيا توظف بالفعل الذكاء الاصطناعي بشكل نشط عبر عملياتها اليومية، وذلك يعني أن هذا المعدل يفوق أي صناعة أخرى.
واليوم، يعتبر قطاع الخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا واحدا من أكثر القطاعات تطورا وابتكارا في العالم. فعلى سبيل المثال تصنف دراسة تُعْنى بِجودة البنوك العالمية، بنوك جنوب أفريقيا بين أكثر البنوك تقدما وجودة في الأداء، حيث بلغ متوسط نقاط الجودة فيه مستوى أعلى بكثير من المتوسط في الولايات المتحدة، وأيضا المملكة المتحدة. والجدير بالذكر أن بنك كابيتيك، الجنوب أفريقي، احتل المرتبة الأولى لمدة ثلاث سنوات متتالية من حيث الالتزام بالمعايير والإستراتيجيات ومشاركة الزبائن والثقافة التنظيمية وتبني التكنولوجيا.
الاعتراف بفوائد الرقمنة دفع صناعة الخدمات المالية إلى تبني تقنيات رائدة يحتل فيها الذكاء الاصطناعي المركز الأول
ويمثّل الذكاء الاصطناعي مكونا رئيسيا في الموجة المقبلة من التغيرات الجذرية في القطاع المصرفي والمالي، وذلك لقدرته الكبيرة في معالجة وربط طيف واسع من البيانات، حيث يصبح بذلك من أُسس الصناعة الماليّة. في حين أنّ أتمتة العمليات المالية أصبحت جزءا حيويا من النظام المالي، فيمكن الاستنتاج أنّ الذكاء الاصطناعي يمهّد الطريق أمام المزيد من الخدمات المالية المحسنة والشخصية والآمنة، ويساهم في تقليل تكلفة الخدمات للأفراد والشركات؛ فقد كانت درجة الائتمان سابقا تحتسب وفقا للمعاملات المصرفية والمعلومات الماليّة؛ فإن لم تكن هذه البيانات متوافرة، قد لا يتلقى الفرد الائتمان الذي يطلبه.
وغالبا ما تتبنى البنوك تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل الكشف عن عمليات الاحتيال الحديثة، وكذلك لفهم أفضل الطرق التي تساعد على تقديم الخدمات الشخصية للزبائن، والوفاء بتلبية الالتزامات التنظيمية وتبسيطها.
ومن حسن حظ البنوك أنها تمتلك بالفعل قائمة بيانات غنية للزبائن، وهذا يعطيها الأساس اللازم لبناء منظومة رقمية قوية، وفي الحقيقة تقوم البنوك الآن بدمج أنظمة تقنية المعلومات القديمة مع الحوسبة السحابية، لاستخلاص رؤى ذكية وقابلة للتنفيذ، وذلك عن طريق الاستفادة من هذه البيانات، والتي من شأنها مساعدة البنوك على وضع الزبائن في صميم إستراتيجيتها.
ويمكّن الذكاء الاصطناعي من المساعدة في جمع المعلومات والبيانات للحصول على الائتمان عبر طرق غير تقليدية، مثل البيانات الموجودة على هاتف الفرد، والتي تصنّف على أنها ميزات “تصف سلوكهم”، ويجمع الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لربط “الميزات” وتحديد درجة الائتمان على أساس “سلوك القرض” السابق. وبالتالي، يوفّر الذكاء الاصطناعي الخدمات المالية لعدد أكبر من الأشخاص.
ويلعب دورا محوريا في تعزيز الصناعة المالية، عبر الكشف عن الاحتيال والوقاية منه، حيث يمكن تحديد عمليّات تزوير بطاقات الائتمان بشكل أكثر فاعلية عبر تحليل بيانات المعاملات وبيانات المستهلك. من خلال تحديد السلوك غير الاعتيادي، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي الكشف عن العمليّات الاحتيالية.
تبسيط الخدمات المالية
يعد هذا المستوى من التركيز على الزبائن أمرا أساسيا لجميع الشركات المضطلعة في قطاع الخدمات المصرفية، بدءًا من الخدمات المصرفية للأفراد التي تركز على المستهلك، وصولا إلى الخدمات المصرفية التجارية التي تركز على المنظمات والعمليات الكبيرة، في حين بدأت بعض المصارف فعليا بانتهاج هذه الخطوات المتطورة ضمن رحلتها التحويلية التي أهلتها لأن تكون قادرة على توقع احتياجات الزبائن واحتياجاتهم الخاصة.
وقامت البنوك بخطوة مهمة لفهم احتياجات الزبائن، بعمل تقييم يكشف أكثر الطرق شيوعا لدى البنوك في خدمة زبائنها، ليتبين أنه من الواجب تغيير النهج اليدوي المتبع في طريقة إرسال الملفات وتحميلها، وكيفية التعامل مع الأوراق وعمليات المسح، ومن هنا عمدت إلى تبسيط وتزويد الخدمات المصرفية التجارية التي تركز على تقديم خدماتها إلى الزبائن. وسرعان ما بدأت في أتمتة حلولها بالكامل، لتركز في خياراتها على الحلول التي تسلط الضوء على تخطيط الموارد، واستخدام الاتصال من أجل إدارة تبادل المعلومات بين المنصات الداخلية وأنظمة خدمة الزبائن.
كما أنشأت قناة للتفاعل والتواصل مع الزبون تقوم بتسخير البيانات المتدفقة من أجل تيسير خدمات الزبائن المقدمة، بدلا من أن يتكبد الزبون مشقة إعداد الملفات اللازمة لإرسالها إلى البنك ومعالجتها بشكل تقليدي.
علاوة على ذلك قامت، عن طريق الاستفادة من البيانات، بتسريع عملياتها الداخلية واتخاذ قرارات تتسم بكونها أكثر ذكاء، إضافة إلى ذلك تحولت البنوك من خلال توظيف الحلول السحابية منظمة قائمة على البيانات، مما أتاح لها التحول إلى منصة متكاملة تعرض جميع العمليات المصرفية أمام الزبون.