الحصار وجنون الأسعار يعيدان السوريين إلى الزراعة

منطقة السويداء تشتهر بزراعة أشجار العنب والتفاح اللذين تنتج عنهما عدة أنواع من المأكولات وتحقق الاكتفاء الذاتي.
الاثنين 2020/06/22
الاكتفاء الذاتي

السويداء (سوريا) - في قرية بكا بجنوب مدينة السويداء جنوب سوريا، يتفقد الشابان الشقيقان رسلان وشفيع مهنا في ساعات الصباح الباكر مشروعهما الزراعي المنزلي لإزالة الأعشاب الضارة منه قبل جني ثماره.

المشروع الذي بدأ منذ أيام بطرح ثماره بغزارة، وسط فرحة غامرة أنستهما تعب كل الأيام السابقة، وأعطتهما شحنة من الأمل بموسم جيد، يحقق لأسرتهما الاكتفاء الذاتي في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الخضار والمواد الغذائية في سوريا بسبب انهيار سعر صرف العملة السورية إلى مستويات متدنية أمام الدولار، بحسب خبراء اقتصاديين.

ويقول رسلان مهنا الذي يبلغ من العمر 36 عاما لوكالة أنباء “شينخوا”، إن “أباءنا وأجدادنا من قبل مرت عليهم أزمات اقتصادية خانقة، وعاشوا ظروفا صعبة، لكنهم بقوا على قيد الحياة ولم يتأثروا بكل العقوبات التي فرضت على سوريا في فترة الثمانينات من القرن الماضي”.

ويضيف وهو يقوم بقطف ثمار الخيار البلدي من حقله الصغير بجانب منزله، أن الريف “لا يمكن أن يجوع أو يتأثر بالعقوبات الأميركية الجديدة لأن الناس معتادة على أكل ما ينتجون خلال فصول السنة”. ويمتلك الأخوان مهنا قطعة صغيرة من الأرض تبلغ مساحتها ستة دونمات بجانب منزلهما في القرية الواقعة على بعد حوالي 20 كيلومترا جنوب مدينة السويداء. وقرر الشابان زراعة بعض أصناف الخضروات بجوار المنزل قبل شهرين.

ويقول رسلان مهنا إن “الفكرة تبلورت في ذهني أنا وأخي منذ شهرين تقريبا أثناء فترة الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة السورية كإجراء احترازي لمنع انتشار مرض فايروس كورونا، وجراء غلاء أسعار المواد الغذائية والخضار بشكل جنوني، وسماعنا أيضا بقانون قصير” الأميركي، الذي يتضمن فرض عقوبات على سوريا ودخل حيز التنفيذ الأربعاء.

ويضيف أنه نتيجة لكل ذلك “قررنا أن نعود إلى تراث أهلنا وزراعة بعض أصناف الخضروات، التي كانوا يزرعونها”. ويشير إلى أن “البعض سخر منا في البداية، ولكن الآن وبعد أن بدأنا بقطف الثمار وتوزيعها على الجيران شعرنا بالسعادة الغامرة”.

إذا اشتد الحصار يمكن للمزارعين أن يعيشوا دون أن يحتاجوا أي شيء من الخارج طالما يلقون الأرض والإرادة

وأردف قائلا “أشجع كل إنسان يملك قطعة أرض مهما كان صغر حجمها على زرعها واستثمارها لأن الأرض هي المصدر الأول لغذاء الإنسان”، مؤكدا أنه قام بزراعة عدة أصناف من الخضروات، منها الخيار والبندورة والباذنجان  والفليفلة.

وقام رسلان وشقيقه بزراعة مساحة لا بأس بها بالقمح والشعير في أرض بعيدة عن منزله لكي يؤمن الخبز لعائلته، والعلف للحيوانات التي يمتلكها في منزله، إضافة إلى زراعة بعض الأشجار المثمرة مثل العنب والتفاح والتوت واللوز والتين، كما توجد في الأرض أيضا بعض أشجار الزيتون.

ويؤكد رسلان وهو يبتسم “إذا اشتد الحصار أكثر من ذلك أستطيع أن أعيش سنوات دون أن أحتاج إلى أي شيء من الخارج، فالاحتياجات الأساسية موجودة عندي، وبالتالي قانون قصير لن يطولنا طالما نملك الأرض والإرادة”.

ولم يكتف الشقيقان بالزراعة فقط، وإنما اقتنى كل منهما عددا من رؤوس الأغنام وبعض طيور الدجاج والحمام بهدف الاستغناء عن السوق وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ومواجهة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

ويقول شفيع، وهو الشقيق الأكبر لرسلان، إن “علاقتي بالأرض علاقة متجذرة منذ الصغر، ولكن الآن ازدادت أكثر بعد أن اشتدت العقوبات الاقتصادية على سوريا وغلاء الأسعار، فكان لا بد من العودة مجددا إلى الأرض واستثمارها لأنها تحقق لأي إنسان الاكتفاء الذاتي”.

ويضيف شفيع الذي يبلغ من العمر 42 عاما والمكنى بأبي رماح، “أعمل أنا وأخي لوحدنا في الأرض بالإضافة إلى عملنا الأساسي، وهو التعهدات وإكساء الشقق”، مبينا أن العمل بالأرض متعة حقيقية والمتنفس الذي يلجأ إليه لكسب طاقة إيجابية.

تحقيق الاكتفاء الذاتي
تحقيق الاكتفاء الذاتي

ولم تقتصر هذه الزراعة على شفيع وأخيه رسلان وإنما امتدت لتشمل غالبية بيوت القرية، إذ بات من النادر أن تجد منزلا في القرية لا توجد فيه زراعة منزلية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والتغلب على الظروف الصعبة التي طالت المواطن السوري في لقمة عيشه.

فقد قام السوري بيان حديقة المكنى بأبي عماد بزراعة الخضروات مثل الخيار والبندورة والبامية وبعض شتلات الفليفلة الخضراء، على شبكة الري الحديث لتوفير المياه والحصول على نتيجة جيدة من الإنتاج.

ويقول أبوعماد البالغ من العمر 55 عاما “في السابق كنا نعتمد على شراء الخضار من المحلات التجارية، وكانت أسعارها مناسبة، لكن الآن مع غلاء أسعارها لم نعد نتمكن من شرائها، فكان القرار العودة إلى الزراعة المنزلية التي تحقق لنا الاكتفاء الذاتي”. ويشير إلى أن طعم الخضروات اختلف كثيرا فهي من إنتاج الأرض الموجودة بجانب المنزل.

ويضيف أبوعماد، وهو موظف حكومي، أن “كل القرية بدأت منذ أسبوعين باستثمار الحاكورة (قطعة الأرض بجانب المنزل) وزراعتها بأصناف مختلفة”، مبينا أن “الفائض عن احتياج المنزل تقوم سيدة المنزل بتجفيفه  للشتاء، وهكذا لا تحتاج الأسرة إلى شيء”.

ويؤكد الرجل أن “قانون قيصر”، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على سوريا، لن يكون له تأثير سلبي على السوريين الذين يقطنون في الأرياف لأن المواطن السوري قادر على الاكتفاء من أرضه.

وتشتهر  السويداء بزراعة أشجار العنب والتفاح اللذين تنتج عنهما عدة أنواع من المأكولات من زبيب مجفف وورق العنب والدبس، وكلها تحقق الاكتفاء الذاتي.

20سوريون يعتمدون على أنفسهم لتحقيق الاكتفاء الذاتي