التعددية في مجلس الأمن سؤال كورونا الملح

قرار المجلس المرتقب بشأن الوباء يأتي بعد أكثر من شهر من السجالات والتجاذبات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.
الاثنين 2020/04/27
مجلس يحكمه الأقوياء

نيويورك - من المنتظر أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراره الأول هذا الأسبوع بشأن وباء كوفيد – 19 والذي سيهدف إلى تكثيف التعاون الدولي في الحرب على هذه الجائحة التي طالت جميع الدول بلا استثناء وبلا تفريق بين عضو دائم وبين آخر غير دائم داخل الهيكل الأممي.

ويأتي اتخاذ القرار المرتقب بعد أكثر من شهر من السجالات والتجاذبات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهي دول أعضاء حاولت توظيف الأزمة سياسيا وحوّلت مساراتها إلى حروب وصراعات جانبية لا تخدم الظرف الحالي.

ويطرح المراقبون الكثير من الأسئلة في شأن ما سيتخذ وفق القرار من قبيل، هل يكون هذا القرار مجرد نص يبقى حبرا على ورق؟ أم انتعاشة للنهج التعددي الذي طغت عليه النزعات الوطنية؟ أو ربما محطة أولى باتجاه إعادة ترتيب جيوسياسي للعالم وإعادة هيكلة لمنظمة دولية أنشئت عام 1945 لتدارك الأزمات الدولية واحتوائها؟

ويبقى الدبلوماسيون والخبراء متحفظين حيال نتائج اجتماع مجلس الأمن. واستشهد أحد السفراء طالبا عدم ذكر اسمه بقول لغاندي “إن التأخر هو في حد ذاته عمل عنف”، معتبرا أن لا ذريعة تبرر صمت الهيئة العليا في الأمم المتحدة في وجه أسوأ أزمة حلّت على العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ولم ينعقد مجلس الأمن منذ بدء انتشار فايروس كورونا المستجد سوى مرة واحدة للبحث في الأزمة الصحية العالمية، خلال جلسة عقدها عبر الفيديو في 9 أبريل الجاري بمبادرة من ألمانيا وإستونيا.

ووجهت الكثير من الانتقادات في وقت سابق إلى الدول الأعضاء بمجلس الأمن بعدم النظر في مشروع القانون الذي تقدّمت به كل من فرنسا وتونس وهما عضوان غير دائمين، والذي يهدف إلى تجند كل الدول لمكافحة الوباء.

ويدعو مشروع القرار الذي قدمته فرنسا وتونس في مبادرة مشتركة إلى “تعزيز التنسيق بين الدول كافّة” و”وقف الأعمال العدائيّة” وإلى هدنة “إنسانيّة” في العديد من الدول التي تشهد نزاعات.

ويهدف مشروع القرار إلى دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في هذا الصدد، ومساندة عمل مختلف الوكالات التابعة للمنظمة الدولية الساعية إلى مكافحة التبعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكارثية للفايروس.

ورأى ريتشارد غوان من “مجموعة الأزمات الدولية” في نيويورك أن النص الذي يتسم بـ”مزايا جوهرية” هو “وسيلة تسمح بالتأكيد لمجلس الأمن بإنقاذ ماء الوجه، على أنه ليس متقاعسا بالكامل”.

لم يسبق لسبعة مليارات ونصف المليار من البشر أن أحسوا في زمن الوباء بمثل هذه الحاجة الملحة إلى سياسة شاملة

وبشأن السؤال المطروح، هل يكون للقرار الملزم للدول الأعضاء الـ192، مفاعيل إيجابية في سوريا واليمن والشرق الأوسط وأفغانستان وكولومبيا وأفريقيا؟ قال أحد السفراء راغبا في عدم ذكر اسمه في هذا الشأن إن “وقف إطلاق النار عاما أمر حميد للغاية، لكن التحدي يكمن في ترجمته على أرض الواقع في دول لكل منها وضعها الخاص”. ويدمج النص التونسي الفرنسي بين مشروعين تم التفاوض عليهما بشكل متواز على مدى أسابيع، أحدهما برعاية تونس جرت مناقشته فقط بين الأعضاء العشرة المنتخبين وغير الدائمين في مجلس الأمن، والثاني بإشراف فرنسا بين الأعضاء الدائمين الخمسة وحدهم.

وأوضح بعض المفاوضين أن هذه الازدواجية التي أثارت تشكيك العديد من الدبلوماسيين، لم تأتِ من “منطق المنافسة” بل جاءت في سياق “تقاسم للأدوار”.

غير أن أيا من النصين اللذين يتقاسمان الهدف ذاته وهو التوصل إلى تعاون أفضل وإلى دعم وقف لإطلاق النار، لم تُجمع على الموافقة عليه كل بلدان الكتلتين، وفق ما أوضح دبلوماسيون.

وما زال يتعين إدخال بعض التعديلات على النص الحالي المشترك بين الدول الأعضاء الـ15، قبل طرحه للتصويت في تاريخ لم يحدد بعد، فيما أفاد عدة دبلوماسيين أن التصويت سيجري الأسبوع المقبل وسيكون “حاسما”.

ونقطة الخلاف الرئيسية تبقى فقرة تُركت فارغة في النص، تتعلق بمنظمة الصحة العالمية التي قطعت عنها الولايات المتحدة مؤخرا التمويل موجهة إليها انتقادات شديدة على خلفية وباء كوفيد – 19.

وقال دبلوماسي طلب عدم ذكر اسمه أن المطلوب ليس “امتداحها” ولا “التنديد بها”، ولا يمكن تسوية المشكلة إلا من خلال “تحكيم على أعلى مستوى”، مشيرا إلى أن قادة الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) سيعقدون مؤتمرا عبر الفيديو في هذا الصدد.

هل يغتنم القادة هذا اللقاء غير المسبوق لرسم معالم نظام دولي جديد لما بعد الوباء، ممهدين بذلك لصيغة جديدة للأمم المتحدة؟ هنا رأى أحد السفراء أنه يعود للأمين العام للمنظمة الدولية الذي يبقى فوق التجاذبات أن “يقود النقاش”. مضيفا “عليه أن يضع خطة حربية للانتصار في هذه الحرب”.

وقال الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس برتران بادي “لم يسبق لسبعة مليارات ونصف المليار من البشر أن أحسوا في زمن الوباء بمثل هذه الحاجة الملحة إلى سياسة شاملة”.

ورأى أنه “بالتالي هناك وضع جديد يدفع إلى تلبية هذه الحاجة الملحة. وفي الوقت نفسه، لم يكن التوجه القوميّ يوما نشطا كما هو الآن في العالم. العامل المجهول هو إذن كيفية التوفيق بين هاتين النزعتين المتعارضتين”.

6