الفضائيات تحيل المسحراتي على التقاعد

شهدت مهنة المسحراتي على مر الزمان العديد من التحولات ومع ذلك ظلت صامدة، إلا أن دراسة مصرية حذرت مع حلول شهر رمضان هذا العام من أن هذا التقليد في طريقه للأفول بسبب إقبال الناس المتزايد على الفضائيات، لاسيما مع ملازمتهم طول الوقت لمنازلهم للحد من انتشار فايروس كورونا.
القاهرة - كشفت دراسة مصرية حديثة أن مهنة المسحراتي باتت مهددة بالانقراض، بسبب انتشار الفضائيات وسهر غالبية الناس حتى الساعات الأولى من الصباح في شهر رمضان.
وتعد مهنة المسحراتي إحدى أبرز المهن الرمضانية وأكثرها شعبية، وهي مهنة قديمة ظهرت في عهد الرسول محمد.
ومع التطور التقني انحسرت مهمة المسحراتي وبدأ هذا التقليد الموغل في القدم يندثر تدريجيا أمام التقدم التكنولوجي، لكن تفشي فايروس كورونا المستجد ألقى بظلاله بقوة هذا العام على هذه المهنة الشعبية، حيث تتزايد التوقعات بأن تكون مهمة المسحراتي صعبة إن لم تكن مستحيلة.
ويرجع ذلك إلى حظر التجول الذي تقره أغلب دول العالم في إطار الوقاية من الجائحة، إلى جانب اعتلاء أغلب الفعاليات والأنشطة الترفيهية لمنصات الفضاء الافتراضي للتغلب على إجراءات الإغلاق التي شملت كل بلدان العالم تقريبا وفرضت حجرا صحيا.
وأحدث هذا الإغلاق تنافس محموم بين الفضائيات لشد المشاهدين وتشجيعهم على ملازمة منازلهم، وهو ما وجد إقبالا كبيرا بين الناس وتفاعلا ساعدهم على التغلب على الملل والسهر لساعات متقدمة من الليل.
وتسعى الفضائيات خلال الموسم الرمضاني الحالي إلى تقديم برمجة رمضانية تتحدى عجز جل صناع الدراما عن إتمام أعمالهم الدرامية. وهذا ما يعزز إمكانية إسقاط مشهد المسحراتي من ليال رمضانية استثنائية، سيغيب عنها التزاحم بالمساجد لأداء صلاة التراويح، والتسامر بالمقاهي، بسبب هذا الوباء العالمي.
وجاء في الدراسة أن “مشهد المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول طعام السحور في ليالي شهر الصوم، بطبلته الصغيرة التي يحملها في رقبته، وتتدلى إلى صدره أو يحملها بيده ويضرب عليها بعصا خاصة، وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من أجل السحور، بات قريبا من الأفول”.
ولفتت الدراسة التي قامت بإعدادها الباحثة بمشروع أطلس المأثورات الشعبية المصرية التابع لوزارة الثقافة بمصر، الشيماء الصعيدي، إلى أن المسحراتي ظهر في مصر عندما لاحظ الوالي عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع بنفسه لهذه المهمة وكان يطوف شوارع القاهرة ليلا لإيقاظ أهلها وقت السحور، وكان ذلك عام 238 هـ، حيث كان يطوف على قدميه سيرا من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط مناديا الناس ”عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة“.
وأصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرا لجنوده في عصر الدولة الفاطمية بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور.
وقالت الصعيدي إنه مع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي وكان ينادي “يا أهل الله قوموا تسحروا”، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده. وتطور مظهر المسحراتي على يد أهل مصر، الذين ابتكروا الطبلة ليحملها المسحراتي ليدق عليها بدلا من استخدام العصا.
وأوضحت أن هذه الطبلة كانت تسمى ”بازة” يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة ثم تطورت مظاهر المهنة مرة أخرى، فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة.
ووفقا للدراسة، يستخدم المسحراتي في مهنته طبلة تعرف بـ“البازة”، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى “سير” من الجلد أو خشبة يُطبل بها في رمضان وقت السحور.
و”البازة” عبارة عن طبلة من جنس النقارات، ذات وجه واحد من الجلد، مثبت بمسامير، وظهرها أجوف من النحاس، وبه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد يسمونها ”طبلة المسحر“، والكبير من هذا الصنف يسمونه “طبلة جمال”، ويردد المسحراتي على وقع ضرباته على البازة بعض الجمل.
وأضافت الصعيدي أن المسحراتي شخصية محبوبة لدى الصغار والكبار على حد السواء، مشيرة إلى أن فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتي، حيث كان الأطفال يحملون الفوانيس حول المسحراتي، ويغنون على أنغام الطبلة الكثير من الأغنيات المرتبطة بشهر الصوم مثل ”حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو… فك الكيس وإدينا بقشيش… يا تروح ما تجيش يا حالو“.
ويقتصر عمل المسحراتي على شهر رمضان، أي أنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهرا واحدا في السنة.