ترامب يعاقب منظمة الصحة العالمية بسبب الصين وكورونا

تعليق الدعم الأميركي ضربة لجهود رص الصفوف الدولية في مواجهة انتشار الوباء.
الخميس 2020/04/16
ليس وقت الحساب الآن

وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة للجهود العالمية نحو رص الصفوف في مواجهة وباء فايروس كورونا المستجد بعد قراره تجميد تمويل منظمة الصحة العالمية ما أثار انتقادات من قادة العالم الذين دعوا إلى التضامن في وجه أزمة كبيرة تسبب بها الوباء.

واشنطن - أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق المساهمة المالية الأميركية في منظّمة الصحة العالمية، في قرار أثار موجة تنديد دولية، وبرّرته واشنطن بـ”سوء الإدارة الكبير لمنظمة الصحة العالمية وطريقة تعاملها مع فايروس كورونا والتغطية على انتشاره”.

وجّه الرئيس الأميركي لائحة اتّهام مطوّلة إلى المنظّمة الدولية، قائلا إنّ “العالم تلقّى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات” الناجمة عن وباء كوفيد – 19.

وأضاف ترامب، الذي كان يتحدث من حدائق البيت الأبيض، “لو أن المنظمة قامت بعملها وأرسلت خبراء إلى الصين لتقييم الأوضاع على الأرض بمهنية وأبرزت قلة الشفافية في الصين، لكان بالإمكان السيطرة على تفشي الوباء في معقله بأعداد وفيات أقل”. وتابع «لدينا مشاكل معهم منذ سنوات».

قد يبدو موقف ترامب في ظاهره ردة فعل على تسبب الصين في انتشار المرض الذي حول الولايات المتحدة إلى بؤرة للوباء تجاوزت وفياتها عدد الأموات المسجّلين في الصين. لكن بمراجعة ما بين سطور قرارات ترامب وخصوصية المرحلة وتفاصيلها السياسية وحتى الاستراتيجية، تلوح تفسيرات أخرى تحمّل القرار أبعادا وتفسيرات أشمل.

عمل جيد ولكن..

22

في المئة نسبة مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية منظمة الصحة العالمية

يعني تعليق التمويل الأميركي حرمان منظمة الصحة العالمية من ما بين 400 إلى 500 مليون دولار في ظرف لا يمكن أن يكون أسوأ باعتبار الحاجة إلى كل الدعم والتكاتف الدولي لمواجهة تفشي الفايروس.

وتبرر الإدارة الأميركية موقفها بأن منظمة الصحة العالمية اعتمدت بشكل كبير على التصريحات الرسمية الصينية بعد ظهور فايروس كورونا المستجد أواخر العام الماضي في مدينة ووهان الصينية.

وقال وزير الخارجية مايك بومبيو “لقد قامت منظمة الصحة العالمية خلال تاريخها بعمل جيد. ولكن للأسف، لم تبل بلاء حسنا هذه المرة”.

ونقلت وول ستريت جورنال عن مسؤول في الإدارة الأميركية أن وقف التمويل سيدخل حيز التنفيذ فورا. وربط ترامب مستقبل استمرار التمويل الأميركي بنتائج دراسة “معمّقة جدا” لتقييم دور منظمة الصحة العالمية “في سوء الإدارة الشديد وإخفاء تفشّي فايروس كورونا المستجدّ”. ويمكن أن تستمرّ الدراسة بين ستين وتسعين يوما.

لكنّ متابعين يشككون في نية ترامب الاستمرار وهو المعروف بمواقفه المعادية للمنظمات العالمية وللأمم المتحدة بشكل خاص، وهو الذي سبق وأن سحب عضوية بلاده من منظمة اليونسكو بعد منح فلسطين عضوية كاملة بالمنظمة التي كانت تعتمد في جزء كبير من ميزانيتها على الدعم الأميركي الهام.

وكان ترامب برّر الانسحاب في ذلك الوقت بذات الحجة التي قالها لتبرير تعليق المساهمة الأميركية في منظمة الصحة العالمية، وهي “ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المنظمة”، وذات الأمر ينطبق على موقفه من المنظمة الأم، وهي الأمم المتحدة، التي انتقد، وهو لا يزال مرشحا للانتخابات في 2016، “ضعفها التام وعدم كفاءتها”. كما هدّد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية مبررا ذلك بأنها تحابي الصين على حساب الولايات المتحدة.

وسبق أن غرّد ترامب قائلا “لقد أفسدت المنظمة الأمر بالفعل. لسبب ما، ورغم أنها ممولة من جانب الولايات المتحدة، إلا أنها تركز على الصين”. لكن كان لافتا أن التغريدة لاقت انتشارا وتأييدا على غير عادة تغريدات ترامب وتصريحاته، حيث وقّع ما يقارب من 800 ألف مستخدم عبر العالم عريضة على موقع change، موجهة إلى الأمم المتحدة لأجل إقالة رئيس المنظمة الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرييسوس.

رغم أن الكثيرين، وحتى عددا من الحكومات، يعتبرون أن الصين تتحمل جانبا من المسؤولية عن تفشي المرض بسبب إخفائها لحقيقة الفايروس في مراحله الأولى، إلا أنهم صنفوا الموقف الأميركي من منظمة الصحة العالمية ضمن بعد سياسي يتعلق من جهة بالحرب بين الصين والولايات المتحدة، حيث يؤكد مسؤولون أميركيون، في تصريحات نقلتها عنهم وول ستريت جورنال، أن جهود حجب تمويل منظمة الصحة العالمية كانت جزءا من مسعى أوسع للحدّ من النفوذ العالمي المتنامي للصين.

قرار ترامب يثير موجة من الانتقادات
قرار ترامب يثير موجة من الانتقادات

ومن جهة أخرى، يبدو أن ترامب يسعى إلى العثور على كبش فداء بعد تعرضه للانتقادات بسبب معالجته للوباء بعد أن قال في يناير إنه “تحت السيطرة الكاملة” ولكنه أدى إلى تحول الولايات المتحدة إلى بؤرة للوباء ووفاة أكثر من 23500 شخص في الولايات المتحدة، أي أكثر من أي مكان آخر في العالم. كما كشف انتشار الفايروس عن ترهل المنظومة الصحية في أقوى دولة في العالم وأعاد إلى الأضواء، عشية الانتخابات، الحديث عن برنامج أوباما الذي انتقده ترامب بشدة.

ودعا مدير عام منظمة الصحة العالمية إلى “عدم تسييس” وباء كوفيد – 19، وسانده في موقفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي اعتبر أن الوقت “ليس مناسبا” لانتقاد منظمة تقف “في خط الدفاع الأول” ضد الفايروس.

وعلق على قرار ترامب في بيان اتّسم، على غير العادة بنبرة حادّة أنه بعد انتهاء الأزمة “سيكون هناك وقت” لفهم كيف نشأ المرض وتفشى.

ودعا ديفيد نابارو مبعوث منظمة الصحة العالمية الخاص بشأن مواجهة فايروس كورونا إلى تأجيل توجيه أي اتهامات إلى المنظمة لما بعد القضاء على الفايروس.

من جهتها، أعربت الصين، التي تساهم بحوالي 40 مليون دولار في ميزانية منظمة الصحة العالمية، عن “قلقها الشديد” حيال القرار الذي “سيُضعف قدرات منظمة الصحة العالمية وسيقوّض التعاون الدولي ضد الوباء”.

بدورها، أدانت روسيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي القرار الأميركي “المؤسف”. وكتب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على تويتر “ليس هناك أي سبب يبرر” هذا القرار في وقت تُعتبر جهود منظمة الصحة العالمية “ضرورية أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في احتواء وتخفيف (انتشار) الوباء العالمي”.

خلفيات سياسية

فيما بدت لهجة الأوروبيين هادئة، وتدفع نحو تأكيد ضرورة العمل “بتعاون وثيق ضد كوفيد – 19”، كما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، لم تخل انتقادات الروس من نفس سياسي، حيث انتقدت الخارجية الروسية قرار الرئيس الأميركي “الأناني” واعتبرت أن الشغل الشاغل لواشنطن دائما هو العثور على “مذنب” وإظهار “براءتها من كل الذنوب”.

وفي الداخل الأميركي، لم يفت الديمقراطيين استغلال القرار ضمن المعركة الانتخابية، التي يمثلهم فيها جو بايدن في مواجهة ترامب. وقالت رئيسة لجنة المخصصات في مجلس النواب نيتا لوي إن أي محاولة من الرئيس لإجبار خبراء الصحة في الولايات المتحدة على العمل دون منظمة الصحة ستكون نتائجها عكسية وستؤدي إلى المزيد من المعاناة في النهاية.

وعارضت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، موقف ترامب مؤكدة أنه تربطها علاقة بناءة جدا مع منظمة الصحة العالمية مؤكدة أنها ستواصل الاحتفاظ بهذه العلاقة. وهنا لا يمكن أيضا استبعاد خلفيات العلاقة المتوترة بين العلماء والباحثين، بعد أن خفّض ميزانية البحث العلمي.

يعيد الجدل الدائر حول تعليق الولايات المتحدة لمساهمتها في ميزانية منظمة الصحة العالمية تسليط الضوء على جدل ظهر منذ وصول ترامب إلى السلطة قبل حوالي أربع سنوات، وتراجع في الأشهر القليلة الماضية مع تركز الاهتمام على مواجهة تفشي كورونا، وهو الجدل المتعلق بالمتغيرات التي يشهدها النظام العالمي الذي يقوم في جزء هام منه على منظمة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة التابعة لها والتي تواجه انتقادات متصاعدة منذ سنوات بسبب فشلها في تحقيق أي اختراق يذكر في عدد كبير من القضايا الدولية وعدم قدرتها على القيام بالدور الذي تأسست من أجله إثر الحرب العالمية الثانية.

ولا يفصل مراقبون قرار ترامب الأخير عن هذه المتغيرات، ويعتبرونه رغم “لا أخلاقيته” في استغلال الظرف الإنساني، ورقة جديدة يلعب بها الرئيس الأميركي الذي استشعر خطرا من صعود نجم منافسه الديمقراطي جو بايدن، ضمن منافسة لا تنفصل فيها السياسة الخارجية عن الشأن الداخلي، وصيغة تبدو مناسبة لاستعادة شعار “أميركا أولا”، لكنها في المقابل تزيد من تعريض العالم ومنظماته لـ”غزو الحزب الشيوعي الصيني” بقيادة الرئيس شي جين بينغ، الذي عبر عن رغبة الصين في القيام بدور “نشط في قيادة إصلاح نظام الحكم العالمي”.

6