أوروبا بلا كرة قدم مصير مجهول

إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا في عين العاصفة لكونها الأكثر تضررا من توقف الأنشطة الرياضية.
الثلاثاء 2020/04/14
ملاعب تحن إلى روادها

بعد انقضاء شهر على توقف البطولات الأوروبية الكبرى، يسود عدم اليقين والانتظار والترقب، فالملاعب لا تزال تفتقد روادها، ودول كروية كبرى مثل إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا تجد نفسها في عين العاصفة، لكونها من الأكثر تضررا من توقف الأنشطة الرياضية.

باريس – وجدت كرة القدم الأوروبية نفسها حاليا، مع مزاوليها وعشاقها، أمام تحدي ترقب غير واضح المعالم في ظل تفشي فايروس كورونا المستجد. وذلك بعد مرور شهر على صخب آخر مباراة كرة قدم في الملاعب الأوروبية.

وفرض الوباء الذي تسبب حتى الآن بأكثر من مئة ألف وفاة معلنة، ودفع إلى تطبيق قيود واسعة على حركة التنقل والسفر، جمودا رياضيا عالميا. وباستثناء أحداث نادرة في دول لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، يهمين التوقف على كرة القدم، وتم إلغاء مواعيد، وتأجيل أحداث كبرى كانت مقررة في صيف 2020 مثل كأس أوروبا وبطولة كوبا أميركا.

وأقيمت في 12 مارس آخر مباراة مهمة في القارة العجوز بحضور المشجعين، حيث استضاف ملعب “إيبروكس” نحو 50 ألف مشجع حضروا خسارة المضيف رينجرز الاسكتلندي أمام باير ليفركوزن الألماني (1-3) في ذهاب الدور ثمن النهائي لمسابقة الدوري الأوروبي “يوروبا ليغ”.

ألكسندر تشيفيرين: في إنجلترا مثلا.. لا أرى أي سيناريو لا يكون فيه ليفربول بطلا
ألكسندر تشيفيرين: في إنجلترا مثلا.. لا أرى أي سيناريو لا يكون فيه ليفربول بطلا

وشهدت تلك الأمسية أيضا مباريات أخرى بقيت خلف أبواب موصدة، وهو نسق كان قد بدأ اعتماده تدريجا، قبل أن تلجأ السلطات الكروية إلى التعليق الكامل للمنافسات لآجال مختلفة، باتت السمة المشتركة بينها حاليا: “حتى إشعار آخر”.

الأمر الوحيد المؤكد هو أن أحدا لا يعرف متى يمكن معاودة النشاط، وإن كان من دون جمهور. بعض التقارير بدأت تتطرق أيضا إلى مخاوف الناس من استئناف الاختلاط والحضور في مدرجات تغصُّ بعشرات الآلاف، بعدما فرض الوباء تباعدا اجتماعيا وعزلا منزليا متواصلين منذ أسابيع.

واختصر الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الإنجليزي الواقع الراهن بالقول في رسالة إلى المشجعين الشهر الماضي بعد وقف مباريات الدوري الممتاز “علينا القيام بكل ما يلزم لحماية بعضنا البعض (…) قلت سابقا إن كرة القدم تبدو الأهم بين أمور غير ذات أهمية. اليوم، كرة القدم ومباريات كرة القدم ليست مهمة على الإطلاق”.

لكن ليفربول هو من أكثر الذين آلمهم التوقف. فالنادي الأحمر المهيمن بشكل شبه كامل على بطولة إنجلترا هذا الموسم، كان قاب قوسين أو أدنى من حسم اللقب لصالحه، وهو الأول له بعد انتظار 30 عاما. لكن السلطات الكروية الإنجليزية، كما العديد من نظيراتها حول العالم، تشدد على أن استئناف المنافسات يرتبط بتطور الوضع الصحي، وأنها لن تقدم على أي خطوة من هذا النوع ما لم تكن “آمنة”.

ووجد الاتحاد القاري نفسه في موقف غير معتاد. أوقف مسابقتي الأندية (دوري الأبطال و”يوروبا ليغ”)، ومباريات المنتخبات، وصولا إلى تأجيل موعد بطولته الكبرى “كأس أوروبا 2020” إلى صيف 2021.و سعى الاتحاد برئاسة السلوفيني ألكسندر تشيفيرين إلى منح البطولات الوطنية الأولوية، وفتح من خلال تأجيل البطولة القارية، المجال أمام استكمال المواسم المحلية، وإن خارج المواعيد المعتادة.

حاول تشيفيرين الإبقاء على تفاؤل بشأن استكمال الموسم، لكنه حذر من ضياعه بالكامل بحال لم تكن معاودة المباريات ممكنة بحلول نهاية يونيو. وتطرق السلوفيني أيضا إلى ما يدور في أذهان العديد من المشجعين والمعنيين باللعبة، لجهة احتمال إلغاء موسم 2019-2020.

وعلى سبيل المثال في إنجلترا، اعتبر تشيفيرين أن ليفربول هو البطل في كل الأحوال، بتأكيده في تصريحات صحافية أنه “في حال تعذر لعب المباريات، سنحتاج إلى إيجاد طريقة ومفتاح يتم على أساسه الإعلان عن النتائج وتحديد الفائزين لا أرى أي سيناريو لا يكون فيه ليفربول (بطلا)”. لكن رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) السويسري جاني إنفانتينو بدا أكثر حذرا. وبعدما لمّح إلى أن أزمة الوباء قد تكون فرصة لإعادة هيكلة اللعبة بالكامل، حذّر من التسرع في العودة إلى المستطيل الأخضر. وقال في رسالة إلى الاتحادات الأعضاء الأسبوع الماضي “أولويتنا، مبدأنا، المبدأ الذي سنستخدمه في مسابقاتنا ونشجع الجميع على اتباعه هو أن تأتي الصحة في المقام الأول (…) لا يمكنني التشديد على هذا الأمر بما يكفي. لا مباراة، لا مسابقة، لا دوري يستحق المخاطرة بحياة بشرية واحدة”.

ملاعب تفتقد أهازيج الجماهير
ملاعب تفتقد أهازيج الجماهير

لكن من يشغل باله بذلك؟ حتى اللاعبين الذين توقف موسمهم بشكل مفاجئ في فترة تعد من الأكثر ازدحاما عادة، يبدو تفكيرهم في مكان آخر. وقال الإسباني بابلو سارابيا “في الحقيقة لا أفكر بهذا الأمر الآن (العودة). هذا وضع معقد ولا يجب أن نفكر في كرة القدم، بل التركيز على تحسين هذا الوضع الخطير…”.

وقرع الفايروس جرس الإنذار بشأن السلامة المالية للأندية، ودفع العديد منها إلى خفض رواتب لاعبيها للتمكن من الاستمرار في فترة تجمدت فيها مصادر دخل أبرزها إيرادات المباريات وعائدات البث التلفزيوني.

إيرادات البث تبدو الهاجس الأكبر للأندية. ففي إنجلترا على سبيل المثال، تقدر قيمة المبالغ التي ستضطر أندية الدوري الممتاز لتعويضها لمالكي حقوق البث لقاء المباريات التي لم تتم إقامتها، بنحو 762 مليون جنيه استرليني (951 مليون دولار أميركي). أما شركة “كاي بي.أم.جي”، فقدرت خسائر أندية البطولات الكبرى (إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا وفرنسا) في حال إلغاء الموسم، بحدود أربعة مليارات يورو.

وتمضي الغالبية العظمى من المعنيين بكرة القدم حاليا الوقت في المنزل، مع الإبقاء على التمارين البدنية للحفاظ على اللياقة قدر الإمكان في انتظار موعد استئناف لم تتضح معالمه بعد. لكن بالنسبة إلى آخرين، هذا هو وقت التفكير بما قد يحمله المستقبل، ومنهم المخضرم الإيطالي كارلو أنشيلوتي مدرب إيفرتون الإنجليزي. ورأى المدرب الذي يعد من الأكثر خبرة في أوروبا، أن “الاقتصاد سيكون مختلفا (بعد أزمة كورونا) وكذلك كرة القدم. ربما ستكون أفضل”.

23