من تريد أن يقدم برنامجك المفضل.. اخْتر فأنت سيد القرار

رويترز توظف الذكاء الاصطناعي لاختيار مقدم برامج حسب الطلب، وستكون الخيارات متاحة للمتلقي مع باقي البرامج الإخبارية والترفيهية.
الجمعة 2020/03/06
معلقٌ آلي تختاره حسب الطلب

سواء كنت من محبي الرياضة أو متابعي أسواق المال، أو كنت من المهتمين بالسياسة والاقتصاد، أو متابعة أخبار الفن والمشاهير، الذكاء الاصطناعي يتيح لك الفرصة لاختيار معلقك المفضل، بالصوت والصورة، تتابع معه الخبر أو البرنامج. هذا الكلام الذي يبدو اليوم ضربا من الخيال العلمي، سيكون متاحا للجميع قريبا، بل قد يصل الأمر إلى درجة نصبح معها قادرين على تغيير أبطال الفيلم أيضا.

لندن – تفتح التلفزيون إنها الساعة الثامنة مساء، تريد أن تتابع مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، لديك الفرصة لتختار بين ثلاثة معلقين على ثلاث قنوات مختلفة، يمكنك أن تسمع التعليق بصوت الجزائري حفيظ الدراجي أو بصوت المعلق التونسي عصام الشوالي، أو أي معلق آخر تفضله، أو تسمع التعليق بلغة أجنبية، الإنجليزية أو الفرنسية، مثلا.

أكثر من خيال

حتى هذه اللحظة يبدو الأمر ترفا، إذا ما قورن بالخيارات قبل أربعة عقود من الآن؛ كان الواحد منا سعيدا بالتقاط الصورة ومتابعة المباراة مهما ساءت نوعية البث.

قريبا جدا تفاجئنا تقنية جديدة، الاطلاع عليها الآن يبدو ضربا من ضروب الخيال العلمي.

نفس المشهد، تفتح التلفزيون على المباراة، الآن يمكنك أن تختار، من قائمة جانبية أو بأمر صوتي، المعلق المفضل لديك، تتابع معه المباراة ليس بالصوت فقط، بل بالصوت والصورة.

الخيارات نفسها ستكون متاحة للمتلقي مع باقي البرامج الإخبارية والترفيهية، اخْتر البرنامج ثم اخْتر معه المقدم. ولن يكون مستغربا أن تطبق هذه التقنية أيضا في الأفلام قريبا. تختار الفيلم وتبدل بين الأبطال.

حققت وكالة الأنباء رويترز خرقا في خدمة تزويد الخبر لزبائنها، مستخدمة الذكاء الاصطناعي لإعداد تقارير الفيديو مؤتمتة، يقدمها مذيع آلي تختاره حسب الطلب ليكون نسخة عن المعلق المفضل بالنسبة إليك.

الذكاء الاصطناعي قادم للصحافة، ولكن، بدلا من استخدامه ليحل محل المحررين والمعلقين، تمكنت رويترز من توظيفه لتعزيز خدماتها وإضفاء الخصوصية عليها بطريقة لم نكن لنتخيلها في السابق، كاشفة للعالم عن نموذج أولي لعرض موجز مؤتمت للأخبار الرياضية، يقدمه معلق مُخلقٌ باستخدام الذكاء الاصطناعي، لا يمكن التمييز بينه وبين المعلق الحقيقي.

طورت رويترز النظام الجديد بالتعاون مع شركة “سينثيزيا” ومقرها مدينة لندن، موظفة تقنيات الذكاء الاصطناعي لتجميع لقطات، مسجلة مسبقا، لمقدم الأخبار، ومن ثم استخدامها في عرض تقارير حول أخبار جديدة. العاملون في الميديا يعرفون تقنية مشابهة تستخدم في صناعة الفيديو لتقديم لقطات مزيفة، والفرق أن ما تقدمه رويترز الآن هو عرض لأخبار جديدة تماما.

وللتوضيح، نأخذ مثلا الدوري الإنجليزي الممتاز، يقوم النظام الجديد بالاستعانة بكمّ هائل من البيانات والمواد المسجلة في السابق لمباريات جرت، لعرض أخبار جديدة عن مجريات البطولة الحالية، يقدمها نموذج آلي للمعلق المفضل لديك.

ويشرح رئيس قسم منتجات الأخبار في رويترز آلية عمل النظام الجديد قائلا إن النظام يتكون من جزأين. أولا، يتم استخدام خوارزمية تجمع بين التصوير في الوقت الفعلي، وإعداد التقارير مع موجز بيانات لما حدث في اللعبة. وهذا يتيح إنشاء تقرير تلقائي حول المباراة، وجمع الكلمات التي تصف الحدث مع الصورة ذات الصلة.

وإلى جانب استخدام رويترز الخوارزميات والبيانات الحية لإنشاء ملخصات نصية لمباريات كرة القدم وغيرها من الأحداث الرياضية، تولف مقاطع فيديو خاصة مصحوبة بتعليق إنساني آلي، بالاستعانة بوسائط تتيحها “سينثيزيا” قائمة على الذكاء الاصطناعي.

في المرحلة الثانية يتم تصوير مقدم سابق وهو يقول اسم كل فريق من فرق كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز، وأيضا اسم كل لاعب، وكل إجراء يمكن أن يحدث أثناء المباراة، ويمكن لرويترز بعد ذلك توليد عدد غير محدد من التقارير المركبة باستخدام صورته.

ولا يمكن تمييز هذه التقارير عن تقارير يقدمها معلق حقيقي. وهذا ما أكده حضور شاهدوا تجربة رويترز الأولية، الذين عبروا عن دهشتهم وإعجابهم بما اطلعوا عليه.

ويمكن المقارنة بين ما تعمله رويترز موظفة الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخة رقمية عن المقدم، وما تفعله هوليوود، عندما تنشئ شخصيات رقمية في أفلام الخيال العلمي وأفلام الأكشن، ولكن بدلا من إمضاء شهور أو سنوات لإنجاز المشهد، يقوم نظام رويترز بذلك في ظرف ساعات.

وبدلا من توجيه الشخصيات يدويا، تستخدم رويترز التعليم الآلي، لمحاكاة التعليق في فيديو إخباري جديد، في غضون ساعات.

النتائج حتى هذه اللحظة مثيرة للإعجاب، ليس فقط بسبب قدرتها على محاكاة المقدم بشكل واقعي، بل في قدرتها أيضا على أن يكون نفس المقدم حاضرا في كل مكان وبنفس الوقت. أي يمكن للمشاهد أن يتابع مباريات تجري في أماكن مختلفة في العالم، بصوت وصورة الدراجي مثلا، فهو حاضر في المملكة المتحدة وفي روما وفي الأرجنتين.. الاحتمالات لا حصر لها، وكذلك هي الفوائد التي ستجنى بتطبيق التقنية الجديدة.

نظريا، على الأقل، ستحدد قيمة مقدمي البرامج في المستقبل بمدى تقبل المشاهد لهم، من خلال عدد المشاهدين وعدد المرات التي يطلب فيها نفس مقدم البرامج.

قضايا أخلاقية

الذكاء الاصطناعي قادم للصحافة
الذكاء الاصطناعي قادم للصحافة

لقد كانت النتائج الأولية بمثابة الاختبار لإمكانيات ومدى جودة تلك الوسائط المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، الشك الذي لا ريب فيه هو أن التكنولوجيا الجديدة ستحدث تغيرات عميقة للطريقة التي نتعامل فيها مع الميديا بمختلف أشكالها.

ستبدو حياتنا مع بداية التطبيق العملي لهذه التقنية بدائية، بالرغم من كل التحولات الكبيرة التي أنجزت حتى اليوم.

ورغم أن النظام لا يزال في مرحلة الاختبار الأولي، ويستخدم فقط في مباريات كرة القدم، إلا أن رويترز تؤكد أنها منفتحة على إمكانية نشره على نطاق واسع، وفي مجالات أخرى إلى جانب الرياضة.

ويقول مسؤول في الشركة عن تطوير النظام، إنهم متحمسون لاستكشاف أي طرق جديدة يمكننا من خلالها استخدام التقنية في الوقت الفعلي، وإعداد التقارير وتغذية البيانات لتشغيل أنواع جديدة من تجارب الأخبار التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن تقنية القيام بذلك موجودة بالفعل، لكنهم يريدون القضايا الأخلاقية المترتبة على استخدامه، وفهم رغبات المستهلك بشكل كامل قبل إصدار منتج حقيقي.

ومن المشكلات التي يجب التغلب عليها، الكراهية التي يبديها الجمهور عادة لمقاطع الفيديو المقلدة، وهناك أيضا مسألة تتعلق بما قد يترتب على استخدام التقنية الجديدة من تأثيرات على مستقبل الإعلام.

وتؤكد رويترز أن النظام الجديد سيكون مجرد إضافة تكميلية للتقارير الإخبارية التي يقدمها معلقون بشر، على الأقل في مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر.

حتى الآن لا ترى رويترز أن النظام بديل لأخبار الساعة السادسة مثلا، بل ترى فيه أداة تمكن المذيعين والشركات من إنتاج المحتوى الذي يطلبه جمهورهم.

بعبارة أخرى، يبشر النظام الآلي الجديد بمولد التقارير الإخبارية المشاهدة حسب الطلب، والتي يمكن تكييفها مع الاهتمامات الخاصة لكل مستهلك على حدة. هل تريد أن تعرف كيف كان أداء مانشستر يونايتد ضد إيفرتون؟ ستحصل على المعلومة بصوت وصورة معلقك المفضل. نفس الأمر ينطبق على أسواق المال. وربما في المستقبل البعيد، إذا كنت تريد معرفة ما يحدث في بعض الأحياء المنعزلة في لاتفيا مثلا، أن تحصل على هذا أيضا.

12