الريسوني وتدوير الافتراءات في محاولة استهداف الإمارات

يبدو أن استهداف دولة الإمارات العربية المتحدة هو التيمة الجامعة بين تيارات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية ومن يقف وراءها، ووظيفة يقبض القائمون بها أجورهم المجزية من تلك الجهات المعلومة التي لا تزال تواجه عزلتها وتعد هزائمها، مجتهدة بكل ما أوتيت من جهد ومال في أن تتظاهر باستمرارها في المواجهة، اعتمادا على الافتراءات وتزوير الحقائق، وخاصة تلك التي تصدر عن أقلام صانعي الرأي العام المتطرف.
آخر تلك المحاولات ما نشره أحمد الريسوني، باعث إخوان المغرب والمنقلب عليهم داخليا والمتدثر بغطائهم التنظيمي والمالي والسياسي والإعلامي خارجيا، والمنتخب في أواخر 2018 بديلا عن يوسف القرضاوي على رأس ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمصنف ضمن قائمة الإرهاب الصادرة عن الرباعي العربي، والمنتدب مؤخرا للتدريس في كلية الشريعة بجامعة قطر، والمحسوب على ما يُوصف بالتنوير الزائف من خلال جلباب المقاصدية، الذي يعتمده في محاولات تغطية دوافعه السياسية بما تعنيه من مصالح دنيوية تصب في إطار ارتباطه بالمشروع القطري التركي.
ركز الريسوني في مقاله الافترائي على انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، جاعلا منه مدخلا للمزيد من التلاعب بالمعطيات، مدفوعا بنزوة الحاقد الباحث عن تبريرات لهزيمة المشروع الذي يتبناه، متسائلا “5 سنوات من هذه الحرب الطاحنة في اليمن؛ ماذا جلبت لأهل اليمن؟ هل جعلت البلاد وشعبها أكثر وحدة؟ أو أكثر سلما وأمنا؟ أو جعلته في حالة أفضل من العيش؟”.
كان على الريسوني أن يجيب عن سؤال أهم وهو ماذا فعل الإسلام السياسي بشقّيْه الشيعي (جماعات الحوثي) والسني (الإخوان والقاعدة وداعش) في اليمن؟ وهل أن المشروع الفكري العقائدي الذي ينتمي إليه حقق أهدافه أم لا؟ ثم ماذا عن الدور القطري ولماذا اضطر إلى الانسحاب من الأراضي اليمنية؟ وما هي خلفية علاقته مع الحوثيين منذ عقدين من الزمن أو تحالفه الوطيد مع داعميهم الإيرانيين؟ وهل يرى أن الجماعات الانقلابية لا تزال اليوم كما كانت عليه في العام 2015 عندما احتلت أغلب مناطق البلاد بما فيها عدن عاصمة الإقليم الجنوبي؟
إن القراءة الواقعية لموضوع الانسحاب الإماراتي من اليمن تضعنا أمام جملة من النقاط أولاها أنه تم بصفة تدريجية، وتم الإعلان عنه منذ يوليو 2019، وهو يأتي ضمن الرؤية الإستراتيجية التي تقوم على إعادة الدور الميداني إلى الجيش اليمني بعدما تم تدريبه وتجهيزه لمباشرة مهامه القتالية بنفسه، دون الاعتماد على القوات الإماراتية التي اتجهت إلى الإستراتيجية غير المباشرة، علما وأنه تم تأسيس قوات عسكرية مكونة من 200 ألف يمني سوف يتم الاعتماد عليهم في العمليات العسكرية في اليمن.
وثانية النقاط أن الجهات الإماراتية السيادية رأت أنه، وبعد خمسِ سنوات من انطلاق عاصفة الحزم، تم التحول من إستراتيجية الاقتراب المباشر التي نفذتها القوات المسلحة باحتراف عالٍ، إلى إستراتيجية الاقتراب غير المباشر التي تنفذها القوات اليمنية بنفسها اليوم.
ماذا فعل الإسلام السياسي بشقّيْه الشيعي والسني في اليمن؟ وهل حقق المشروع الذي ينتمي إليه الريسوني أهدافه؟
وثالثة النقاط أن الانسحاب الإماراتي جاء في إطار وعي تام بأن أبرز أهداف عاصفة الحزم قد تحقق، وهو قطع أصابع الأخطبوط الحوثي الإيراني من الجنوب العربي، ومنعه من السيطرة على خطوط الملاحة الدولية وتهديد الأمن القومي العربي في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، وهو ما يعني أن الإماراتيين حققوا هدفا قوميا وإقليميا ودوليا مهمّا، ويبقى على القوات اليمنية أن تتولى بمساعدة شعبها القيام بتحرير ما تبقى من أراضي بلادها، هذا إذا كان بإمكانها أن تتخلص من عناصر الخيانة الإخوانية التي تحاول التآمر ضد الجيش الوطني وضد الدور السعودي، في سياق ارتباطها بالمشروع القطري التركي الذي يرى طهران أقرب إليه من الرياض، والحوثي أقرب إليه من المجلس الانتقالي الجنوبي.
أما بالنسبة إلى أسئلته عن خسائر اليمنيين فلا أعتقد أن الريسوني يحمّلُ الإمارات نتائج الحروب الأهلية التي عرفتها البلاد في 1986 و1994 وما قبلها وما بعدها، ولا نتائج انتشار السلاح، وسعي الشمال لاحتلال الجنوب، ولا انقلابات الحوثي ومؤامرات الإخوان وجرائم القاعدة، وجميعها سابقة لوصول القوات الإماراتية. ولا أعتقد أنه يستنكر عاصفة الحزم التي كانت راعيته قطر من بين المشاركين فيها منذ إطلاقها في مارس 2015، وذات الأمر بالنسبة إلى بلده المغرب إلى جانب السعودية والكويت والبحرين ومصر والسودان، إضافة إلى الدعم الإقليمي والدولي.
وأما بالنسبة إلى الخراب والدمار، فإن على الريسوني أن ينظر إلى ما حققته الإمارات والسعودية من بناء وتعمير على الأرض ومن إعادة تشكيل لمؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية، ومن توفير الخدمات للسكان المحليين في المناطق المحررة، وفوق كل ذلك من حماية وتحصين للهوية العربية لليمن، تلك الهوية التي لا تمثل أية أهمية لدى الإسلاميين من راكبي صهوة المشروع العالمي العابر للحدود والدول والقارات، والمتمسك بذيل وهم الخلافة العثمانية في تناسقها المصلحي مع وهم الإمبراطورية الفارسية.
ولا يتوقف الريسوني عند ذلك بل يمعن في تجنيه بالقول إن “دولة الإمارات تتميز وتنفرد عن باقي دول العالم بأن لها وزارة خاصة بنشر التسامح، ووزارة خاصة بنشر السعادة. ومن شدة تسامحها وإسعادها لشعبها أنها أتتهم بأصنام بوذا ويهوذا وبعبدة الشيطان، وما إلى ذلك من معابد الشرك والوثنية والدعارة.. لكن حين ذهبت إلى اليمن، أين تجلى نشرها للتسامح والسعادة في اليمن السعيد؟”.
وهنا مربط الفرس، فالإخوان والدائرون في فلكهم، يزعمون تبني خطاب التسامح عندما يتوجهون به استجداء للدعم الأجنبي، ولكنهم يرفضونه في خطابهم الموجه إلى قواعدهم المتشددة، وفي إستراتيجيات مشروعهم الحقيقي المبني على إقصاء الآخر ومعاداة المختلف، والرفض الممنهج للاعتراف بثقافات الشعوب أو بالحوار معها والاقتراب منها، واحترام المنحدرين منها أو المنتمين إليها وخاصة في دولة يوجد على أرضها مقيمون قادمون من أكثر من 200 جنسية، ويزورها سنويا الملايين من أتباع ديانات وثقافات متعددة.
إن التسامح في الإمارات هو موقف وثقافة ورؤية وأسلوب حياة، وما يصفه الريسوني بالأصنام هو مجسمات مرتبطة بالإبداع الفني والثقافي في إطار منظومة التواصل الحضاري، وأما المعابد فهي تأكيد على احترام ديانات الآخرين، ويوجد منها الكثير في بلاد المسلمين، واحترامها من احترام حقوق الإنسان، وتدخل ضمن التحول الحضاري الذي تؤسسه الدولة تفاعلا مع كونية الطموح وعالمية الاندماج والمفاهيم وإنسانية المشروع الوطني المتجاوب مع واقع التشابك والتلاقح الحضاري والثقافي الرافض للانغلاق والتقوقع.
يضيف الريسوني أن “دولة الإمارات استوردت عددا من المشايخ والمتصوفة والمفكرين والصحافيين وحكماء المسلمين، المشهورين بدعوتهم ودعايتهم الدائمة للسلام والوئام والتسامح وتعزيز السلم والعيش المشترك والاعتدال ونبذ العنف”، لكن لا يتوقف عند الحقيقة التي تؤكد أن هؤلاء يعبّرون عن مشروع مخالف ومناقض تماما للمشروع الذي ينخرط فيه هو واتحاده، والواقفون إلى جانبه، فهم من رافضي الفوضى والفتنة ومن المؤمنين بالقيم الدينية في أبعادها المقاصدية الإنسانية الحقيقية.
ويتابع الريسوني أن “الإمارات دخلت إلى اليمن وتخوض حربها فيه باسم الشرعية، ولدعم الشرعية وتثبيت الشرعية، ولدحر الانقلاب الحوثي اللاشرعي، وكذلك مشايخها المستوردون.. فلماذا كانت الإمارات ومشايخها هم أول الخارجين عن الشرعية الداعمين للانقلابيين، في مصر وتركيا وليبيا؟”، وهذا ما يشير إلى اختلاط المفاهيم وتداخل الصورة لدى خليفة القرضاوي، فراعيه القطري تآمر ضد أنظمة شرعية وتحالف مع ميليشيات في ليبيا ومصر وسوريا واليمن والعراق، وكذلك راعيه التركي الذي يتدخل في سوريا لدعم الجماعات الإرهابية ضد النظام القائم ويتدخل في ليبيا لدعم ميليشيات حكومة الوفاق غير الدستورية ولا الشعبية باسم الدفاع عن النظام القائم، ويدعم الإرهاب في مصر باسم الدفاع عن النظام الذي كان قائما قبل سنوات والذي أطاح به الشعب في ثورة عارمة.
ما لم يصل بعد إلى عقل الريسوني أن المعركة تدور حاليا بين مشروعين: مشروع التسامح والاجتهاد وإعمال العقل واحترام الآخر والدفاع عن سيادة الدولة ووحدة الشعوب والدفاع عن الأمن القومي العربي دون التدخل في شؤون الآخرين ورد الأطماع الإقليمية والدولية والتصدي للفتن الطائفية والمذهبية ولحكم الميليشيات ونفوذ الإرهابيين وإهدار ثروات الأوطان وتتبناه الإمارات بكل قوة، ومشروع تجيير الدين والمذهب والطائفة والميليشيا والإرهاب لبث الفوضى بهدف إسقاط الدول والأنظمة وتخريب المجتمعات للسيطرة على مصائر الشعوب، وتنفيذ مشاريع التوسع تحت غطاء الإسلام السياسي وتقف وراءه قطر وتركيا ومن يدور في فلكهما تنظيما وتمويلا وتسليحا وتحريضا.
ولا شك أن الريسوني كان ولا يزال من أنصار المشروع الثاني الذي بات أحد أهم رموزه منذ أن اختاره القرضاوي لخلافته على رأس ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حاملا معه ميزة إضافية تقرّبه من راعيه القطري ومسانده التركي وهي دعوته المفضوحة للتطبيع مع إسرائيل، عندما دعا المسلمين إلى الذهاب إلى القدس المحتلة للصلاة في المسجد الأقصى استباقا منه لأحد مخرجات صفقة القرن.