نظام الأسد وخطر المشي على خيط رفيع في إدلب

الجيش السوري يستمد قوّته من دعم موسكو وانسحاب القوات الأميركية.
الخميس 2020/02/13
انتصارات آنية غير مضمونة

تشير الحملة العسكرية التي يقودها النظام السوري المدعوم من روسيا في محافظة إدلب، إلى رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في إعادة ترتيب الأوراق بجعله إدلب بمثابة جسر حيوي يعيد ربط مدينة حلب العاصمة الاقتصادية للبلد بالعاصمة السياسية دمشق والمناطق الساحلية الأخرى. خطوة جديدة يرى فيها المراقبون أنها تعزز مكاسب النظام الطامح لاستعادة السيطرة على كامل البلاد، لكنها تبقى محفوفة بمخاطر رد الفعل الانتقامي من قبل النظام التركي الذي صعّد من جهته، حدّة خطابه المتوعّد بالرد على نظام بشار الأسد من جهة، وعلى حليفته موسكو بعدما تمكن الجيش السوري من إلحاق خسائر بشرية في القوات التركية خلال أسبوع واحد في إدلب.

نيويورك - يتصاعد التوتر في محافظة إدلب السورية بين النظام السوري وأنقرة التي رفّعت من منسوب التوعّد ضد نظام الأسد من جهة، وضدّ حليفته روسيا من جهة أخرى.

ويشير المراقبون إلى أن النظام السوري بدأ يحقق مكاسب ميدانية وسياسية هامة في شرقي سوريا بعد كل ما حملته التطورات من بوادر صراعات وخلافات بين أنقرة وموسكو وتحول تحالفهما إلى عداء معلن.

وصعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، النبرة ضدّ روسيا حليفة النظام السوري، متهما إياها بارتكاب “مجازر” في إدلب بشمال غرب سوريا، فيما وصلت تعزيزات تركية جديدة إلى المنطقة.

وهدّد أردوغان بضرب قوات النظام السوري في كل مكان في حال تعرض جنوده لأذى، لكن روسيا ردت باتهام الأتراك بعدم تحييد الإرهابيين في محافظة إدلب آخر معاقل المعارضة في سوريا.

وعززت تركيا مواقعها العسكرية في الأيام الأخيرة في المنطقة، حيث وصلت المئات من الآليات المحملة بقوات خاصة ومدافع وعسكريين منذ الجمعة إلى بلدة بنش الواقعة شمال شرق مدينة إدلب.

وتأتي هذه التطورات الجديدة بعدما أعلن مسؤولون أتراك أن 14 عسكرياً تركياً قتلوا وأصيب 45 آخرون في قصف نفذته القوات السورية في محافظة إدلب خلال الأيام التسعة الماضية، مؤكدين أن تركيا ردت بقتل العديد من القوات السورية في محاولة لصدها.

معركة حاسمة

حركة نزوح كبيرة
حركة نزوح كبيرة

ويرى مراقبون أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد بات يتحرّك بقراره شن هجوم نهائي لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب، فوق خيط رفيع، بين مخاطر رد الفعل الانتقامي من جانب جارته تركيا، من ناحية، ومكاسب استكمال السيطرة على كامل التراب الوطني لبلاده، والاستفادة من الموارد الكبيرة للمحافظة في دعم اقتصاد سوريا من ناحية أخرى.

ذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء في تحليل نشرته الأربعاء، أن الحملة العسكرية على إدلب التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة موالية لتركيا وتنظيم القاعدة الإرهابي، تعكس الرغبة الراسخة لدى الأسد في إعادة بناء إدلب كجسر يعيد ربط مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، بالعاصمة السياسية للبلاد دمشق، والمناطق الساحلية الأخرى.

وأصبح تحقيق هذه الرغبة من قبل النظام السوري أمرا حيويا، في ظل معاناة الاقتصاد السوري من تداعيات عشر سنوات من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية والأزمة المالية في لبنان المجاور.

وأضافت بلومبيرغ أن استعادة السيطرة على إدلب، يمكن أن تمثل بداية أولية لإعادة بناء الاقتصاد السوري الذي تقدر الأمم المتحدة أنه يحتاج إلى مساعدات تزيد قيمتها عن 250 مليار دولار، وهو مبلغ لا يمكن لحليفي الأسد في الحرب وهما إيران وروسيا تقديمه. كما فقدت الليرة السورية نصف قيمتها خلال العام الماضي لتسجل 1000 ليرة لكل دولار.

ويتواصل التصعيد في إدلب رغم تحذيرات منظمات دولية من حصول كارثة إنسانية، حيث حذرت منظمة المجلس النرويجي للاجئين من “أسوأ كارثة إنسانية” منذ بدء النزاع في سوريا قبل نحو تسع سنوات في حال استمر التصعيد العسكري في شمال غرب البلاد.

ومنذ ديسمبر، نزح نحو 700 ألف شخص وفق الأمم المتحدة جراء حملة عسكرية تشنّها قوات النظام بدعم روسي على مناطق في محافظة إدلب وجوارها، تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين شخص نصفهم نازحون، وتسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وتنتشر فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً.

وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند الأربعاء، “إنها أكبر حركة نزوح في أسوأ حرب في جيلنا هذا. الآلاف يفرون بحياتهم في يوم واحد فقط، ما نشهده هو فعلاً غير مسبوق”.

النظام السوري يتحرّك في منعطف محفوف بأخطار ردّ الفعل الانتقامي التركي وتحديات استكمال السيطرة على كامل البلاد

ودعا إيغلاند إلى وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، التي وصفها بأنها “أكبر مخيم للاجئين في العالم، وأي اعتداء فيها يضع حياة الملايين من النساء والأطفال في خطر”.

وقال أيهم كامل رئيس إدارة أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة “يورو-آسيا جروب” للدراسات إن “الأسد يريد توسيع نطاق سيطرته على الأرض في إدلب وحلب من أجل إنهاء الصراع بشكل أساسي واستعادة الاتصالات التجارية بين حلب وباقي مناطق البلاد، وتتزايد أهمية تحقيق هذا الهدف بمرور الوقت وبخاصة في ظل المشكلات التي يمر بها لبنان” المجاور.

ويعتبر عنصر التوقيت أساسيا في العملية التي يشنها الجيش السوري للسيطرة على إدلب. فالتزام روسيا بتوفير الغطاء الجوي للهجوم البري السوري، وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء الوجود العسكري الأميركي من مسرح العمليات السوري، أعطيا الأسد الضوء الأخضر لإنهاء ما يعتبرها خطوة أساسية لإعادة توحيد الدولة السورية بالفعل.

وتعد خطورة هذه الاستراتيجية التي يتبناها بشار الأسد واضحة في القتال الدائر حاليا في محافظة إدلب. فالقوات التركية تتدفق للحيلولة دون سقوط آخر معقل للمعارضة المسلحة في يد القوات السورية. واستهدفت القوات التركية حوالي 170 هدفا في سوريا ردا على الهجمات التي قامت بها القوات السورية والتي أسفرت عن مقتل 12 عسكريا تركيا على الأقل خلال الشهر الحالي.

ومهما كان مدى تسبب هجوم الأسد في تعقيد العلاقات بين تركيا وروسيا، لم يقلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دعمه لحكومة دمشق من أجل القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة في إدلب. وتنشر تركيا قواتها في محافظة إدلب وفقا لاتفاق مع روسيا وإيران في عام 2017 من أجل الحد من القتال بين القوات السورية والميليشيات المسلحة هناك، ومنع انطلاق موجة جديدة من النازحين السوريين نحو الحدود.

وبحسب بيان صادر عن الكرملين، فقد أجرى أردوغان وبوتين محادثات هاتفية لبحث “خطورة الموقف” في إدلب، وأشارا إلى أهمية التطبيق الكامل للاتفاقيات الموقعة بين روسيا وتركيا.

وكان الزعيمان الروسي والتركي قد توصلا في سبتمبر 2018 إلى اتفاق لإقامة منطقة منزوعة السلاح بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية في محافظة إدلب. ويقضي هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة في منتجع سوتشي الروسي، بسحب الأسلحة الثقيلة الخاصة بالمجموعات المسلحة من المنطقة وقيام القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة لمراقبة المنطقة، مع السماح بإعادة تشغيل طرق العبور الرئيسية إلى مدينة حلب.

خيارات محدودة

المواجهة هي الحلّ
المواجهة هي الحلّ

مع ارتفاع التكلفة البشرية للهجوم على إدلب، فإن الأسد لن تكون لديه خيارات أخرى سوى المضي قدما في الهجوم حتى يستعيد السيطرة على المحافظة بالكامل.

ولم تسفر مفاوضات الوفد الروسي في أنقرة خلال الأيام الماضية عن نتائج ملموسة، لكن رجب طيب أردوغان قد يلتقي بنظيره الروسي لمناقشة الموقف في وقت لاحق، بحسب السلطات التركية.

في المقابل، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية إنه لا توجد في الوقت الراهن أي خطط لعقد مثل هذا اللقاء، لكن الموقف في إدلب “يثير قلق الكرملين”.

وفي حين ترغب موسكو في التوسط بين تركيا والحكومة السورية لتجنب “صدامات لا ضرورة لها” بينهما، تقول إيلينا سوبونينا خبيرة شؤون الشرق الأوسط في العاصمة الروسية موسكو، إنه على أنقرة القبول بحقيقة أن القوات السورية استعادت عددا من المواقع المهمة في محافظة إدلب، وأن هذه القوات لن تنسحب من هذه المواقع.

وعندما طلبت تركيا من سوريا الانسحاب في الأيام الأولى للهجوم، كان الرد السوري “الكثير من الجنود ضحّوا بأرواحهم لذلك من المستحيل التراجع”.

وتقول دارين خليفة، كبيرة الخبراء في الشأن السوري بمؤسسة “مجموعة الأزمات الدولية” ومقرها في بروكسل إن “دمشق لم تخف أبدا رغبتها في استعادة السيطرة على كل بوصة من سوريا… إدلب ليست استثناء من ذلك”.

كما أن المواجهة مع القوات الموالية لتركيا، لها فائدة أخرى بالنسبة للأسد، وهي إمكانية إعادة الدفء لعلاقاته مع دول الخليج العربية التي ترى أن تركيا تمثل تهديدا لها بسبب دعمها للجماعات الإسلامية.

6